أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    ترسيخ حضور شغف «الترفيه» عبر الابتكار والتجديد    رحلة طموح    حقبة جديدة    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    فوز ترمب.. استمرارية العرف الاجتماعي أم بوادر تحول في الهوية الأمريكية ؟    الغرب والقرن الأفريقي    نعم السعودية لا تكون معكم.. ولا وإياكم !    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    مدرب الأخضر يستبعد عبدالإله العمري ويستدعي عون السلولي    الأزرق في حضن نيمار    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    «زهرة» تزرع الأمل وتهزم اليأس    مقال ابن (66) !    أين فقرة الكتاب في البرامج اليومية؟    الاتحاد يتغلب على العروبة بثنائية في دوري روشن للمحترفين    ضبط شخصين في جدة لترويجهما (2) كيلوجرام من مادة الحشيش المخدر    شرطة النماص تباشر «إطلاق نار» على مواطن نتج عنه وفاته    «السوق المالية»: إدانة 3 بمخالفة نظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية ونظام الشركات وتغريمهم 3.95 مليون ريال وسجن أحدهم    «سلمان للإغاثة» يوزع 1.490 من السلال الغذائية والحقائب الصحية في محافظة إدلب    وكيل أعمال سعود عبدالحميد يكشف حقيقة عودة موكله إلى «دوري روشن»    انطلاق أعمال مؤتمر النقد السينمائي الدولي في الرياض    إنطلاق أعمال المؤتمر العالمي لطب الأعصاب بمشاركة اكثر من 350 مختصاً    المربع الجديد يستعرض آفاق الابتكار الحضري المستدام في المؤتمر العالمي للمدن الذكية    "سلمان للإغاثة" يوزع 2.459 كرتون تمر في مديرية الوادي بمحافظة مأرب    أمير القصيم يرعى حفل تدشين 52 مشروعا صحيا بالمنطقة بتكلفة بلغت 456 مليون ريال    فقيه للرعاية الصحية تحقق 195.3 مليون ريال صافي ربح في أول 9 أشهر من 2024 بنسبة نمو 49%    الأمير محمد بن عبدالعزيز يدشّن فعاليات مهرجان شتاء جازان 2025    بانسجام عالمي.. السعودية ملتقىً حيويًا لكل المقيمين فيها    رحيل نيمار أزمة في الهلال    «دار وإعمار» تكشف مشاريع نوعية بقيمة 5 مليارات ريال    أمانة الشرقية: إغلاق طريق الملك فهد الرئيسي بالاتجاهين وتحويل الحركة المرورية إلى الطريق المحلي    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    محافظ جدة يشرف أفراح آل بابلغوم وآل ناصر    هاريس تلقي خطاب هزيمتها وتحض على قبول النتائج    المريد ماذا يريد؟    منتخب الطائرة يواجه تونس في ربع نهائي "عربي 23"    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    أربعينية قطّعت أمها أوصالاً ووضعتها على الشواية    الدولار يقفز.. والذهب يتراجع إلى 2,683 دولاراً    ربَّ ضارة نافعة.. الألم والإجهاد مفيدان لهذا السبب    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    تقاعد وأنت بصحة جيدة    الأنشطة الرياضية «مضاد حيوي» ضد الجريمة    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    فلسفة الألم (2)    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عادل أبوهاشم - كاتب وباحث فلسطيني
فقيد فلسطين والأقصى
نشر في الجزيرة يوم 07 - 08 - 2005

برحيل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - أسكنه الله فسيح جناته - فقدت القضية الفلسطينية قائداً سخر بكل إخلاص وأمانة جهده ووقته من أجل القضية الفلسطينية (الشعب والأرض والمقدسات)، ووضع إمكانات المملكة العربية السعودية وبنى تحركاتها السياسية في سبيل إيجاد الحل العادل لها، وهو القائل:
(نحن نعتبر المعركة معركتنا.. لأن القضية قضيتنا.. ومن الخطأ تجزئة القضية كما أنه من الخطأ تجزئة المسؤولية والأصوب توزيع وتحديد الأدوار حسب الإمكانيات والقدرات وعلى هذا الأساس نعتبر أنفسنا في مواجهة دائمة مع العدو الصهيوني في كل موقع وعلى كل صعيد حتى تتحقق آمال الأمة العربية في جلاء الغاصب).
فلم تحظَ قضية عربية أو إسلامية باهتمام المملكة مثلما حظيت قضية فلسطين، وإذا كان أبناء الملك عبدالعزيز، سعود وفيصل وخالد - طيب الله ثراهم - قد جعلوا من التمسك بالمبدأ الذي أرساه موحد هذه البلاد بالنسبة لفلسطين مبدأ لهم، فإن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - وسيراً منه على نهج والده، وما سبقه من أشقائه البررة قد جعل من الدعوة لتحرير فلسطين وحق شعبها في تقرير مصيره، منطلقاً لتوجهات الأمة الإسلامية نحو فلسطين.
لقد وجدت القضية الفلسطينية في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز قوة داعمة جعلتها تزداد صموداً وصلابة في وجه العدو الإسرائيلي، وقوة وعزيمة لشباب الانتفاضة الباسلة في فلسطين المحتلة.
فبعد غزو إسرائيل للبنان في حزيران (يونيو) 1982م ومحاولتها القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، وبعد الصمود الأسطوري للمقاتلين الفلسطينيين والحركة الوطنية اللبنانية أمام الآلة العسكرية الصهيونية، تنادى زعماء وقادة الدول العربية وقرروا عقد المؤتمر الثاني عشر للقمة العربية، وفي هذا المؤتمر قرر الزعماء العرب تبني مشروع الملك فهد للسلام في الشرق الأوسط.
ويتكون المشروع العربي للسلام من 8 نقاط رئيسية تعكس في مجملها المبادئ التي تقدم بها الملك فهد في مبادرته الشهيرة، وبعد اتفاق الزعماء العرب على مضمون هذه المبادرة أصبح المشروع العربي للسلام يتكون من المبادئ التالية:
1) انسحاب القوات الإسرائيلية من جميع الأراضي التي احتلتها عام 1967م في الأراضي العربية.
2) إزالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل بعد عام 1967م في الأراضي العربية.
3) ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة.
4) تأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وممارسة حقوقه الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ممثله الشرعي والوحيد وتعويض من لا يرغب في العودة.
5) تخضع الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية تحت إشراف الأمم المتحدة لا تزيد على بضعة أشهر.
6) قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس.
7) يضع مجلس الأمن الدولي ضمانات بين جميع دول المنطقة بما فيها الدولة الفلسطينية.
8) يقوم مجلس الأمن الدولي بضمان تلك المبادئ.
وإذا كان العرب اتفقوا لأول مرة على مشروع سلام واضح لحل قضية الشرق الأوسط، فإن الفضل في ذلك يعود وبلاشك إلى المبادرة السعودية التي طرحها الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - في 7 - 8 - 1981م والتي عرفت بمبادرة الملك فهد للسلام.
إن مبادرة الملك فهد للسلام هي دليل قاطع على مدى الاهتمام السعودي بفلسطين قضية وشعباً على السواء.
وإن مشروع السلام العربي كان في الواقع وليد إرادة المملكة العربية السعودية في أن يصل الفلسطينيون بعد عشرات السنين من إخراجهم من وطنهم إلى حل يضمن لهم العدالة والحق.
لقد أكد المغفور له الملك فهد بن عبدالعزيز دائماً موقف المملكة العربية السعودية الثابت من القضية الفلسطينية حيث قال: (إن موقفنا جلي وعبرنا عنه دوماً ونحن مع الشرعية النابعة من قرار الشعب الفلسطيني).
وأضاف رحمه الله (إن حقوق الشعب الفلسطيني في استرجاع وطنه ثابتة وإن المجموعة الدولية اعترفت بها).
لقد ظلت قضية أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين في مقدمة أولويات القيادة السعودية الحكيمة، بل إنها قضيتها الأولى، التي لم تدخر جهداً إلا وقدمته لهذه القضية عبر تاريخها الطويل، وكانت المملكة العربية السعودية في مقدمة دول العالم العربي والإسلامي التي استنكرت قرار حكومة إسرائيل ضم القدس واعتبارها عاصمة للدولة اليهودية، وقد أصدر الديوان الملكي السعودي بياناً ندد فيه بهذا القرار الإسرائيلي واعتبره خطوة عدوانية ضد الأمة العربية والإسلامية وقال: (إن هذه الخطوة تعتبر قراراً خطيراً يستوجب صحوة الضمير العالمي للوقوف ضد هذا الإجراء الإجرامي الذي يهدف إلى تدنيس القدس الشريف ووضعه إلى الأبد تحت السيطرة الإسرائيلية).
وأكد البيان (أن المملكة العربية السعودية تؤمن إيماناً مطلقاً بأن لا سلام ولا استقرار في المنطقة ما لم يتحقق السلام العادل الذي يعطي للفلسطينيين حقهم في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة على أرضهم ووطنهم وعودة الأراضي العربية إلى ما كانت عليه قبل عام 1967م).
وفور صدور هذا البيان بدأت المملكة اتصالات مكثفة عربياً وإسلامياً ودولياً لمواجهة إجراءات الحكومة الإسرائيلية في ضم القدس.
إن المملكة العربية السعودية تعتبر أن لديها مسؤولية خاصة تجاه القدس الشريف، لذلك كانت مواقفها من وضع القدس خصوصاً وقضية فلسطين عموماً واضحة وثابتة باستمرار.
يقول خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - (إن المملكة وقفت ولا تزال ضد سياسة الاستيطان البغيض في فلسطين المحتلة والانتهاك الصريح لحقوق الشعب الفلسطيني، لقد اختلفت المملكة مع الولايات المتحدة في هذا الصدد وأعلنت رأياً صريحاً حول خطورة استمرار دعمها لإسرائيل، وأعلنا رأينا للعالم عن وجوب عودة القدس إلى الوضع الذي كانت عليه قبل الاعتداءات الإسرائيلية).
كانت المملكة العربية السعودية وما زالت السباقة في تحركاتها ومبادراتها السياسية ونضالها المستمر في كل المحافل الإقليمية والدولية من أجل القضية الفلسطينية فكان لذلك الأثر الكبير في تصعيد النضال الفلسطيني داخل وخارج الأراضي المحتلة مما عزز مكانة فلسطين الدولية التي ثبتت الحق الفلسطيني وتطلعاته العادلة في العودة وحق تقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية على أرضه وعاصمتها القدس الشريف.
في أحد أحاديثه عن القضية الفلسطينية قال الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - : (.. إن المبادئ الأساسية لا خلاف عليها، فنحن نطالب بتحرير الأراضي العربية المحتلة وبحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وبإقامة دولة فلسطينية، وعلى العرب أن يبحثوا عن حل لمشكلتهم الرئيسية، ولن يجدوا هذا الحل إلا إذا استطاعوا توحيد صفوفهم والوقوف في وجه المشكلة أمة واحدة متحدة الكلمة. إن التضامن العربي الحقيقي والفعلي هو وحده الطريق الصحيح إلى العمل الموحد.. فإذا استطعنا أن نقف في مشكلتنا موقف رجل واحد، استطعنا أن نحمل العالم على احترامنا فينظر إلى مشكلتنا نظرة جادة، فيتيح لنا ذلك أن نكسب مزيداً من الأصدقاء، وأن نرغم الأعداء على أن يحسبوا لنا حساباً يقسرهم على إرجاع الحق إلى أصحابه.. إن اقتناع الرأي العام العالمي بحقنا المشروع في فلسطين وفي إرجاع الشعب الفلسطيني المشرد إلى موطنه، وحريته في تقرير مصيره وإقامته دولته، كل ذلك توفره وحدة صفوفنا ومواقفنا وقدرتنا على العمل الموحد... وعلى رفض احتلال أرض شعب بالقوة، وهو الشعب الفلسطيني وحقه المشروع في تقرير مصيره في أرضه ووطنه).
تشكيل اللجان الشعبية
لمساعدة مجاهدي فلسطين
منذ ما يقارب من نصف قرن ظلت قضية حقوق الشعب الفلسطيني في صدارة استراتيجية العمل السياسي والدعم المادي والدبلوماسي من حكومة المملكة وشعبها، وظل الموقف السعودي دائماً بجانب ما يريده الشعب الفلسطيني دون إملاء مواقف أو محاولات استيعاب أو متاجرة بالشعارات، ولم يتوانَ يوماً عن تقديم كافة أشكال الدعم والمساندة لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني واسترجاع حقوقه المشروعة، وظلت المملكة وفية لمبادئها في دعم القضية الفلسطينية وجهاد الشعب الفلسطيني سياسياً ومادياً ومعنوياً، وبقيت على الدوام عمقاً استراتيجياً للمناضل الفلسطيني ولا أدل على ذلك من الدور الذي تضطلع به المملكة هذه الأيام على الساحتين العربية والدولية في دعم الشعب الفلسطيني وانتفاضته المباركة.
لقد أدركت المملكة العربية السعودية منذ نكبة حزيران (يونيو 1967م) إلى أهمية الدعم المالي في معركة التحرير، فكان النداء المدوي لجلالة المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز بتشكيل اللجان الشعبية لمساعدة مجاهدي فلسطين التي عهد برئاستها إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، والتي امتدت مكاتبها لتغطي معظم المدن الرئيسية بالمملكة حيث بلغت اثني عشر مكتباً ساهمت ولا تزال تساهم في جمع التبرعات لجهاد شعب فلسطين من أبناء الشعب السعودي الذي تجاوب معها تجاوباً كبيراً، إضافة إلى توليها تلقي التزامات أبناء الجالية الفلسطينية المقيمين في المملكة التي يتم تجميع إيراداتها وتحويلها إلى منظمة التحرير الفلسطينية بمعدل ست حوالات سنوية.
إن المملكة العربية السعودية هي الدولة العربية الإسلامية الأولى إن لم تكن الوحيدة التي شكلت لجاناً شعبية اختارت رئيساً لها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض لإضفاء الأهمية إلى هذه اللجان حتى تجد التشجيع المنشود من أفراد شعب المملكة في كل منطقة من بلاده، فالمملكة لها اليد الطولى في تقديم الدعم المالي للثورة الفلسطينية والشعب الفلسطيني من خلال اللجان الشعبية التي يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز.
والأمير سلمان بن عبدالعزيز صاحب فضل كبير وإخوانه في رعاية أبناء الشعب الفلسطيني والاهتمام بمصالحهم وحل مشاكلهم وهو صاحب شعار (ادفع ريالاً تنقذ عربياً) رداً على الشعار الذي رفعته الصهيونية (ادفع دولاراً تقتل عربياً).
يقول سلمان بن عبدالعزيز: (إن هذا البلد ملكاً وحكومة وشعباً لا تقف من القضية بقصد إبراز شعارات بل تقف موقف عقيدة إسلامية تؤمن بها، وتعتبر مكة والمدينة والقدس شقيقات ثلاث ولا فرق بين الرياض ونابلس فالموقف تفرضه عروبتنا الصادقة ويمليه علينا المصير.
وهناك فرق بين رفقاء الطريق ورفقاء المصير، رفقاء الطريق تفرقوا ورفاق المصير معكم أمس واليوم وغداً.
إن المحور الأساسي لسياسة هذه البلاد هو القضية الفلسطينية، فإن عادينا فنحن نعادي في سبيلها وإن جاملنا فإننا نجامل في سبيل مصلحتها.
إنني أحمل عهداً من هذه البلاد عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد... عهد ولي عهده الأمير عبدالله... عهد شعب المملكة العربية السعودية بأننا رفقاء مصير لا رفقاء طريق).
وقد وصلت إيرادات اللجنة الشعبية منذ تأسيسها عام 1388ه وإلى الآن ما يقارب ملياري ريال. ويرى المراقبون في عمل اللجنة الشعبية منارة في العلاقات السعودية - الفلسطينية، تعبر أصدق تعبير عن التلاحم بين فلسطين والمملكة، وبين الديار المقدسة والأرض المباركة بصخرتها وأقصاها.
إن المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة التي أوفت بجميع التزاماتها المادية تجاه الشعب الفلسطيني. هذا الدعم الذي لعب دوراً مهماً وبارزاً في صمود وجهاد الشعب الفلسطيني حتى وصل إلى ما وصل إليه الآن.
دعم منظمة التحرير الفلسطينية
لقد التزمت المملكة بدعم منظمة التحرير الفلسطينية بناء على قرارات قمة بغداد لعام 1978م بتقديم دعم سنوي ولمدة عشر سنوات عن طريق أقساط ثلث سنوية بواقع 371 و28 مليون دولار، وقد أوفت المملكة بجميع التزاماتها كاملة لمنظمة التحرير الفلسطينية التي بلغت قيمتها 855 مليون دولار، إضافة إلى الدعم الذي كانت المملكة تقدمه إلى اللجنة الأردنية - الفلسطينية المشتركة التي كانت المملكة حريصة على تنشيطها باستمرار كلما تعرقل عملها وتقدم لها دعماً مالياً إضافياً يمكنها من استمرار التزاماتها تجاه الشعب الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة.
وقد بلغ مجموع المبالغ التي دفعتها المملكة للمنظمة منذ عام 1978م 1100 مليون دولار.
وبانتهاء فترة السنوات العشر التي حددتها قمة بغداد استأنفت المملكة تقديم دعم للمنظمة بمقدار 6 ملايين وعشرين ألف دولار شهرياً وهي حصتها من الدعم العربي الذي قررته قمة الجزائر عام 1988م لدعم الانتفاضة الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأضافت المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - موقفاً إنسانياً رائعاً لمواقفها المشرفة تجاه الشعب الفلسطيني عندما أصدر - حفظه الله - أوامره بمواساة عوائل شهداء مجزرة الحرم الإبراهيمي بالخليل عندما أقدم عليها المستوطنون صباح يوم الجمعة 15 رمضان 1414ه الموافق 25 فبراير 1994م بإطلاق الرصاص على المواطنين الفلسطينيين فيما كانوا يؤدون الصلاة فقتلوا وجرحوا العشرات في مجزرة اعتبرت أبشع مذبحة في الأراضي المحتلة منذ العام 1967م.
فحرصاً من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - تغمده الله بواسع رحمته وغفرانه - على الإسهام في مواساة عوائل شهداء المجزرة الأليمة أصدر أوامره الكريمة بتقديم مبلغ 200 ألف ريال لكل عائلة من عوائل أولئك الشهداء الذين أودت بحياتهم الغالية يد الغدر والجبن والخيانة في أبشع جريمة ترتكب في حق الإنسانية.
كما أمر خادم الحرمين الشريفين الجهات الطبية باستقبال ومعالجة بعض الحالات المستعصية من الجرحى وإخلائهم بالطائرات الطبية إلى المستشفيات المدنية والعسكرية بالمملكة العربية السعودية بالتنسيق مع منظمة التحرير الفلسطينية رغبة منه رحمه الله في تخفيف آلامهم وتمكينهم من الشفاء العاجل بإذن الله.
الملك فهد بن عبدالعزيز
وسلام الشرق الأوسط
لم يكن اهتمام المملكة العربية السعودية بالقضايا العربية والإسلامية وليد مرحلة من المراحل بل كان موقفاً ثابتاً تميزت به السياسة السعودية منذ قيام المملكة على يد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه - اضطلاعاً منها بمهام المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقها باعتبارها رائدة التضامن الإسلامي التي تنطلق بها من مهوى أفئدة المسلمين ومنطلق الدعوة الإسلامية.
فقد ظلت المملكة في جميع مواقفها وسياساتها تشكل (صمام أمان) يحول دون اندفاع الأمة العربية والإسلامية في سبل لا تصون حقوقها، أو في معالجات تحوم حول نتائجها الشكوك، ومثل هذه السياسة والمواقف كانت ولا تزال نصيراً كبيراً لقضايا الأمة، ورفض التفريط في أي من حقوقها.
لقد حرص خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - على دعم عملية السلام في الشرق الأوسط منذ بدء جولتها الأولى في مدريد، ووظفت ثقلها السياسي الكبير لإنجاحها، إيماناً منها بأنها عملية تمثل خياراً استراتيجياً للعرب شريطة أن يكون السلام المنشود مرتكزاً على أسس ثابتة من العدل والديمومة والشمول وأن يحقق عودة الحقوق العربية كاملة غير منقوصة لأصحابها، وأن يلزم إسرائيل بعدم العدوان على الأراضي العربية، وهو القائل:
(نحن هنا في المملكة العربية السعودية لا ندخر وسعاً للإسهام في سبيل تحقيق السلام الشامل على كل الجبهات وسوف ندعم كل جهد يؤدي إلى تحقيق هذه الغاية ويسهم في إنهاء حالة الحرب وتمكين المنطقة من توظيف جميع قدراتها وطاقتها في البناء والتنمية والتطوير الشامل ويحقق الرخاء لكل شعوب المنطقة بعد سنوات من الحروب المريرة والخسائر المتلاحقة وسط شعارات أفقدتنا الكثير الكثير دون أن نحقق شيئاً).
وعندما أسهمت المملكة بقدراتها وإمكاناتها في استقرار الأمن العالمي والعربي والإقليمي وسعت دوماً إلى البحث عن الوسائل المناسبة لاستقرار منطقة الشرق الأوسط، فإنها كانت تدرك أنها بحجم دورها ومكانتها وقدرتها، تتحمل العبء الأكبر في السعي نحو استقرار عادل للمنطقة في ظل المتغيرات والتحولات التي تحدث في أرجاء العالم وهي بذلك السعي لم تكن تحاول تحقيق مصلحة آنية لها أو الحصول على مكاسب خاصة بكيانها بل كانت دوماً سباقة في إيثار الآخرين على نفسها وفي إقرار حقوق المنطقة، وكان هذا السبب الذي أعطى لسياسة المملكة هذه المصداقية وهذه الثقة التي تتمتع بها في العالم أجمع، وقد بذلت المملكة جهوداً بناءة عربياً ودولياً من أجل دفع مسيرة السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط على أساس تطبيق القرارات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن، فسعت عبر دبلوماسيتها الهادئة والنشطة إلى تكريس المفهوم الصحيح للقضية الفلسطينية على أنها قضية شعب شرد من أرض وطنه ووطن اغتصب من أصحابه الشرعيين.
إن المراقب لتطور عملية السلام في الشرق الأوسط يلاحظ أن المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - قد وضعت علاقاتها الدولية ووزنها الدولي وراء جهود إقرار السلام العادل والدائم لأزمة الشرق الأوسط من أجل تمكين العرب من استرداد حقوقهم المشروعة.
وقد شدد المغفور له الملك فهد بن عبدالعزيزعلى تطبيق القرارين (242 و 338) في إطار حل نزاع المنطقة ونزع فتيل الحروب التي استمرت زهاء نصف قرن واستنفذت خلالها الطاقة البشرية والمادية والاقتصادية، وإرساء سلام يتجاوز مقولات الأمن وسياسات التمدد والتوسع الإسرائيلي التي لم تعد مقبولة من المجتمع الدولي.
فقبل أيام من انعقاد الجلسة الأولى للمفاوضات في مدريد في أواخر شهر اكتوبر 1991م قال خادم الحرمين الشريفين رحمه الله في اجتماع مجلس الوزراء السعودي:
(لقد بذلنا جهوداً متواصلة ولا نزال نبذل الكثير بالتعاون مع الأشقاء والأصدقاء على طريق نصرة القضية الفلسطينية حتى ينال الشعب الفلسطيني حقوقه العادلة والمشروعة انطلاقاً من قراري مجلس الأمن الدولي (242 - 338) وانعقاد مؤتمر السلام في مدريد يعتبر واقعة من أهم المنجزات التاريخية لمنطقة الشرق الأوسط ونأمل أن يستمر تضافر الجهود العربية والدولية في اتجاه السلام الدائم والشامل والعادل لهذه المنطقة).
لقد برز الدور الرائد للمملكة في مفاوضات مدريد عبر وجود صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان سفير المملكة لدى الولايات المتحدة الأمريكية موفداً من قبل خادم الحرمين الشريفين حيث أمضى أياماً وليالي من المحادثات الشاقة مع الوفود العربية ووزير خارجيتي واشنطن وموسكو.
وقد أكد الكثير من المراقبين السياسيين أنه لولا متابعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - لفعاليات المؤتمر لفشل في الساعات الأولى وطوال أيام مؤتمر مدريد ظل خادم الحرمين الشريفين على اتصال بالرئيس الأمريكي جورج بوش لتذليل أي عقبة تقف أمام المتفاوضين.
ولعل الدليل الواضح على هذا الدور السعودي ما جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي السابق جيمس بيكر الذي قال: (أشكر الملك فهد الذي أثبت بالقول والفعل أن هناك فرصاً للسلام العربي الإسرائيلي بعد حرب الخليج والذي تمثل في شخصه هذا التوجه الجديد في العالم العربي).
لقد استخدمت المملكة كل مصداقيتها في العالم وثقلها في السياسة الدولية لإنجاح مؤتمر السلام في مدريد، وقد تناقلت وكالات الأنباء ما دار في حفل عشاء أقامه السفير المصري في اسبانيا للأمير بندر بن سلطان وضم الوفود العربية المشاركة في مؤتمر السلام فقد قال الدكتور حيدر عبد الشافي رئيس الوفد الفلسطيني بصوت مسموع للأمير بندر: (يا سمو الأمير نريد كلمة من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد في أذن الرئيس بوش من أجل وضع حد لغطرسة إسرائيل).
وإذ بالأمير بندر بن سلطان يرد عليه بنفس النبرة المسموعة أمام الجميع قائلاً: (لولا هذه الكلمة لما كنت موجوداً هنا في مدريد).
وقد أجاب الأمير بندر بن سلطان عن سؤال حول دور المملكة العربية السعودية في إنجاح مفاوضات السلام قائلاً: (كانت توجيهات خادم الحرمين الشريفين بضرورة تسخير الإمكانيات الممكنة لخدمة الأمة العربية والسلام القائم على الشرعية الدولية واضحة ومحددة منذ البداية.. وقد قام خادم الحرمين الشريفين بإجراء اتصالات مكثفة مع الرئيسين بوش وغورباتشوف كما أجرى اتصالات أخرى مع العرب لدفع عملية السلام).
وحين تطورت مفاوضات السلام وانتقلت إلى واشنطن وقفت المملكة بجانب المفاوض الفلسطيني والمفاوض العربي تدعمه مادياً ومعنوياً له بمواجهة أساليب المراوغة الإسرائيلية وشكلت المملكة ولا تزال العمق الاستراتيجي في التفاوض.
وقد جسد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - تطلعاته في هذا الشأن حينما قال في أحد تصريحاته الصحفية:
(إن ما نريده ونتطلع إليه هو أن تتوفر النوايا المخلصة لإنجاح هذه المفاوضات بعد أن أثبت قادة الأمة العربية أنهم دعاة سلام ومحبة وأنهم راغبون في إقرار حالة السلم مع إسرائيل دون تفريط في حقوقهم المشروعة والعادلة).
وأضاف رحمه الله:
(أن المملكة العربية السعودية تقف بكل إمكاناتها خلف كل تقدم يحققه المتفاوضون من شأنه أن يعيد لأصحاب الحق حقوقهم ويؤمن منطقتنا من ويلات الحرب والدمار).
وبعد المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية التي انتهت إلى توقيع إعلان المبادئ الفلسطيني الإسرائيلي في العاصمة الأمريكية في 13 - 9 - 1993م أعربت المملكة عن أملها في أن تؤدي هذه الخطوة إلى قيام سلام عادل ودائم وشامل للقضية الفلسطينية على أساس القرارين 242 و 338 ومبدأ الأرض مقابل السلام مع تحقيق الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها القدس الشريف.
وتؤكد المملكة العربية السعودية التزامها التام والمتواصل لمساعدة التنمية في الأراضي الفلسطينية حيث تعلق أهمية كبرى على تطوير البنية الأساسية الحالية وبناء البنيات الأساسية المطلوبة حديثاً فيما يتعلق بتحقيق أهداف تنمية الاقتصاد الفلسطيني، وقد تعهدت المملكة بتقديم مبلغ خمسمائة مليون دولار أمريكي خلال خمسة أعوام لبرنامج البنك الدولي لتلبية المتطلبات العاجلة لتنمية الاقتصاد الفلسطيني وتلقى الصندوق السعودي للتنمية التعليمات بالتنسيق مع البنك الدولي في تمويل برنامج التنمية في الأراضي المحتلة.
وعقب التوقيع على الاتفاق الفلسطيني - الإسرائيلي في واشنطن في سبتمبر 1995م وهو ما عرف ب(اتفاق اوسلو2) أكد صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية أن المملكة ساهمت وظلت تساهم وتشارك في عملية السلام وتدعم الإخوان والأشقاء العرب.
وأكد سموه أن المملكة العربية السعودية ساهمت في عملية السلام في الشرق الأوسط منذ قيامها عبر تطوير الموقف العربي واصفاً مشروع الملك فهد ومؤتمر فاس بأنه الخطوة الأولى لتكوين استراتيجية عربية للسلام، وأن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يؤكد دائماً في كل مجال ضرورة إحراز السلام والتقدم على المسار السوري والفلسطيني، وهذا ما يعمل له بشكل دؤوب ومستمر.
وفي مواجهة الصلف والمماطلة الإسرائيلية في تنفيذ الاتفاقات الموقعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أكد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - موقف المملكة من عملية السلام الساعي على الدوام إلى إرساء أسس السلام في مختلف أرجاء العالم على المستويين العربي والإسلامي.
حيث أعرب عن قلق المملكة وأسفها لتباطؤ الجانب الإسرائيلي في تنفيذ اتفاق وآي بلانتيشن، مؤكداً الدور المهم للولايات المتحدة في ضرورة تطبيق إسرائيل بما تم الاتفاق عليه وعدم إفساح المجال للتهرب من الوفاء بتعهداتها تحت أي ذرائع تختلقها لإجهاض عملية السلام الذي أصبح مطلباً استراتيجياً للحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وقد شدد الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - على ضرورة استئناف المفاوضات على المسار السوري التي توقفت بسبب تعنت إسرائيل التي لا ترغب في تحقيق السلام وفق الشرعية الدولية وما تم الاتفاق عليه بين مختلف الأطراف بما يضمن استعادة الحقوق العربية كافة.
وفي القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة في الفترة من 21 - 22 اكتوبر 2000م والتي أطلق عليها (قمة الأقصى) أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - رئيس وفد المملكة للقمة على أن الظروف التي تمر بها الأمة العربية تحمل في طياتها الكثير من النذر التي تهدد باحتمالات التفجير والانزلاق في دوامة العنف وعدم الاستقرار.
وقال: (إن الخيار أمامنا هو خيار صعب ودقيق وهو خيار الوقوف بثبات وصمود متمسكين بمبادئنا وحقوقنا المشروعة.. إنه خيار الذي يرفض الرضوخ لأي ضغوط سياسية كانت أو عسكرية.. إنه خيار الاستقلالية في العمل)..
ودعا إلى التوقف عن إقامة أية علاقات مع إسرائيل وإلغاء أي نوع من العلاقات والصلات التي نشأت في ظل عملية السلام التي استهانت إسرائيل بكل متطلباتها وأكد ضرورة ربط أي استئناف لهذه العلاقات بإحراز إنجاز حقيقي ليس فقط على المسار الفلسطيني بل جميع مسارات هذه العملية.
وفي مؤتمر القمة الإسلامية التاسع الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة في الفترة من 12 - 13 نوفمبر 2000م أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - أن إسرائيل ماضية في تحويل عملية السلام إلى حرب ضد الشعب الفلسطيني مستخدمة القوة العسكرية لحصاره وقمعه داخل أرضه.
وطالب من الدول الإسلامية التي تربطها علاقات أو صلات بإسرائيل أن تتخذ موقفاً يرتفع إلى مستوى التحدي الكبير المفروض علينا جميعاً من إسرائيل التي أدارت ظهرها لعملية السلام، وإن أقل ما نتوقعه من هذه الدول هو تقليص علاقاتها مع إسرائيل إلى أدنى حد ممكن وتجميدها تماماً وربط أي تعامل مستقبلي مع إسرائيل بإحراز تقدم فعلي ملموس في عملية السلام ليس فقط على المسار الفلسطيني بل وجميع مسارات هذه العملية.
الملك فهد بن عبدالعزيز وقضية القدس الشريف:
لقد كان من أهم دواعي قلق المملكة العربية السعودية من تطورات الصراع العربي الإسرائيلي عام 1967م احتلال إسرائيل للقطاع الشرقي من المدينة المقدسة والدخول في تهويد المدينة.
فقد تبنت المملكة قضية أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وجعلتها في مقدمات أولويات القيادة السعودية، بل إنها قضيتها الأولى التي لم تدخر جهداً في سبيلها عبر تاريخها الطويل، حيث تجسد قضية القدس ذروة الاهتمام بالجانب الإسلامي الفلسطيني.
فقد تبنت المملكة العربية السعودية قضية القدس - الأرض والشعب والمقدسات - نصراً ودعماً ودفاعاً، ووقفت بكل صلابة في مواجهة المؤامرات الصهيونية ضد المدينة ومقدساتها ومحاولات طمس تاريخها الإسلامي واغتصاب أرضها وتهجير أهلها وصولاً إلى إحداث تغيير ديمغرافي يرجح الكفة اليهودية، وجسد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - هذا الدعم طوال عهده الزاهر، وهو القائل:
(إن المملكة العربية السعودية لن تتخلى أبداً عن التزامها الديني نحو الإخوة المسلمين، وأن هذه البلاد التي احتضنت أقدس مقدسات المسلمين ستظل أبداً تحتضن بالحب والصفاء كل قضايا الإسلام والمسلمين ما وسعها وفي مقدمتها قضية القدس الشريف حيث أولى القبلتين ومسرى نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم ولن يهدأ لها بال إلا أن تهتم بالأقصى وقبة الصخرة في القدس الشريف، فقد ظلت قضيتها الأولى حتى يعود المسجد الأقصى المبارك إلى المسلمين).
لقد انطلقت المواقف السعودية بشأن القدس من اقتناع راسخ بأن القدس هي صلب القضية الفلسطينية التي هي محور الصراع العربي الإسرائيلي.
فلا تمر مناسبة محلية أو عالمية تكون لها صلة بالأمة العربية والإسلامية دون أن تؤكد المملكة قولاً وفعلاً وتجدد موقفها المبدئي والثابت من قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
وإذا كان موقف المملكة المميز والرائد من الصراع العربي الإسرائيلي لا يحتاج إلى دليل، فإن موقفها من القدس يكتب لها بأحرف من نور في سجلات التاريخ.
فقد دعمت تمسك المواطنين الفلسطينيين بأرضهم ومقدساتهم ووقفت إلى جانبهم تخفف عنهم وطأة الإجراءات التعسفية التي تمارسها السلطات الإسرائيلية ضدهم.
المملكة في مقدمة دول العالم العربي والإسلامي التي استنكرت قرار الحكومة الإسرائيلية بضم مدينة القدس واعتبارها عاصمة أبدية لإسرائيل، وقد أصدر الديوان الملكي السعودي بيانا ندد فيه بالقرار الإسرائيلي واعتبره خطوة عدوانية ضد الأمة العربية والإسلامية وجاء في البيان: (إن هذه الخطوة تعتبر قراراً خطيراً يستوجب صحوة الضمير العالمي للوقوف ضد هذا الإجراء الإجرامي الذي يهدف إلى تدنيس القدس الشريف ووضعه إلى الأبد تحت السيطرة الإسرائيلية).
وأكد البيان (أن المملكة العربية السعودية تؤمن إيماناً مطلقاً بأن لا سلام ولا استقرار في المنطقة ما لم يتحقق السلام العادل الذي يعطي الفلسطينيين حقهم في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة على أرضهم ووطنهم وعودة الأراضي العربية إلى ما كانت عليه قبل عام 1967م).
وفور صدور هذا البيان بدأت المملكة اتصالات مكثفة عربياً وإسلامياً ودولياً لمواجهة إجراءات الحكومة الإسرائيلية في ضم القدس.
وتعاونت المملكة مع الدول الإسلامية حتى صدر قرار مجلس الأمن رقم 478 في عام 1980م الذي يطالب جميع الدول التي أقامت بعثات دبلوماسية في القدس بسحبها فوراً، وهو القرار الذي أجمعت مختلف الأوساط على اعتباره نصراً للدبلوماسية الإسلامية وإحباطاً للخطط الصهيونية تجاه مدينة القدس.
وبادرت المملكة العربية السعودية إلى تنظيم ندوة عالمية خاصة حول (قضية القدس) دعت إليها قادة الفكر والرأي ورجال السياسة والأساتذة المختصين، فاجتمعوا في العاصمة البريطانية في ديسمبر 1979م، وفي الرسالة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - حين كان ولياً للعهد أعلن فيها أن قضية القدس هي أهم المرتكزات لسياسة المملكة الخارجية.
وكانت النداءات المتكررة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ورئيس اللجنة الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني للتبرع لصندوق القدس صوناً لمقدسات المسلمين في القدس الشريف من الاندثار، كانت هذه النداءات هي البلسم الشافي لسكان المدينة المقدسة انتظاراً لتحريرها وفك أسرها من براثن الاحتلال الصهيوني.
ومن منطلق رسالة المملكة ودورها الإسلامي وحرصها على مدينة القدس كحرصها على مكة المكرمة والمدينة المنورة والحرمين الشريفين، واستشعاراً منها بالمسؤولية الإسلامية جاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - طيب الله ثراه - بتحمل المملكة نفقات ترميم وإصلاح قبة الصخرة والمسجد الأقصى ومسجد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومساكن الأئمة والمؤذنين بالقدس في ابريل 1992م بمثابة موقف حازم يعكس الاهتمام العميق بالمقدسات الإسلامية، وان هذه المقدسات تجد اليوم من يحميها ويصونها ويدافع عنها ضد مخططات أعداء الإسلام والمسلمين.
وجاء تبرع الملك فهد بن عبدالعزيز بمبلغ عشرة ملايين دولار لدعم صندوق القدس الشريف في المؤتمر الحادي والعشرين لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي الذي انعقد في كراتشي في ابريل 1993م ليؤكد صدق وثبات توجيهات مبادئ المملكة العربية السعودية في ان القضية الفلسطينية هي قضية سعودية.
وجاءت كلمة الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - في افتتاح الدورة الثالثة والثلاثين للمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في ديسمبر 1993م والتي أعلن فيها أن المملكة لن يهدأ لها بال حتى يعود المسجد الأقصى المبارك إلى المسلمين لتؤكد من جديد أن المملكة العربية السعودية - التي جعلت من قضية القدس الشريف قضية كل مسلم - لن ترضى إلا بإزالة كل العدوان عن المدينة المقدسة وعودتها إلى أصحابها الشرعيين وأنه إذ لم تتحرر القدس فما من عربي أو مسلم سيشعر بهدوء النفس والضمير، لتشكل انسجاماً مع مواقف المملكة التاريخية والراسخة إزاء قضية القدس.
وفي فبراير 1994م صدرت تعليمات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز برعاية حملة تبرعات شعبية على مستوى جميع مناطق المملكة يخصص ريعها وإيرادها لأغراض إعمار وإنقاذ المقدسات الإسلامية في القدس الشريف من جراء الإجراءات الإسرائيلية الهادفة إلى طمس هوية القدس العربية والإسلامية، حيث حملت هذه الحملة اسم (حملة إنقاذ القدس الشريف).
وقد وجه سمو الأمير سلمان نداءً للتبرع للقدس جاء فيه:
(إن القدس تناديكم لتسارعوا إلى نجدتها وإنقاذها وإعمارها بالتبرع بما تجود به نفوسكم من مال وتستنهض هممكم العالية التي عودتنا الاستجابة لكل دواعي الخير كلما دعاكم الضمير لنصرة قضية إسلامية وهذا عهدنا بكم دائماً).
إن المملكة العربية السعودية تعتبر أن لديها مسؤولية خاصة تجاه القدس الشريف، لذلك كانت مواقفها من وضع القدس خصوصاً وقضية فلسطين عموماً واضحة وثابتة باستمرار.
يقول خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - طيب الله ثراه - (إن المملكة وقفت ولا تزال ضد سياسات الاستيطان البغيض في فلسطين المحتلة والانتهاك الصريح لحقوق الشعب الفلسطيني، لقد اختلفت المملكة مع الولايات المتحدة في هذا الصدد وأعلنت رأياً صريحاً حول خطورة استمرار تجاهل الحكومة الأمريكية للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني مع استمرار دعمها لإسرائيل، وأعلنا رأينا للعالم عن وجوب عودة القدس إلى الوضع الذي كانت عليه قبل الاعتداءات الإسرائيلية).
وفي مؤتمر القمة الإسلامية السابعة التي انعقدت في الدار البيضاء في المملكة المغربية في ديسمبر 1994م أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - رئيس وفد المملكة المشارك في القمة على (أن قضية القدس الشريف تمثل جوهر النزاع العربي الإسرائيلي إلى جانب كونها قضية المسلمين الأولى وليس من الممكن أو المعقول قيام سلام شامل ودائم في الشرق دون التوصل إلى حل عادل لهذه القضية).
وفي إطار السياق العام والتوجهات السياسية الثابتة للمملكة تجاه مدينة القدس وجه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ورئيس اللجنة الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني نداء في 17 - 2 - 1995م لإنقاذ القدس الشريف وقد تبرع الأمير سلمان بن عبدالعزيز بمبلغ نصف مليون ريال لمدينة القدس.
وفي الندوة العالمية لشؤون القدس التي عقدت في روما في مارس 1997م اكد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - أن المملكة العربية السعودية دائماً في موقع الأحداث في كل (ما يتعلق بقضية القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث المسجدين الشريفين لما لها من قدسية خاصة حيث هي الأرض التي أسرى إليها رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس ومنها معراجه عليه الصلاة والسلام إلى السماء)، وقد أعرب خادم الحرمين الشريفين عن قلق المملكة البالغ لما قامت به إسرائيل من فتح نفق على طول أساسات المسجد الأقصى مما يقدم دليلاً جديداً على قيامها بالعمل على تهويد مدينة القدس الأمر الذي يتنافى مع الواقع الديموغرافي لمدينة القدس الشرقية كجزء من الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967م.
وعندما اتخذ الكونجرس الأمريكي في يونيو 1997م قراراً باعتبار مدينة القدس عاصمة موحدة لإسرائيل وتخصيص مائة مليون دولار لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس أعلنت المملكة العربية السعودية معارضتها لهذا القرار، واعتبرت هذا القرار انحيازا واضح اضد ترسيخ أسس السلام في المنطقة وفق مرجعية مدريد وأوسلو وواشنطن.
وعندما أقدمت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو في يونيو 1998م على اتخاذ قرار بتوسيع حدود مدينة القدس المحتلة وتوسيع سلطات بلديتها، دانت المملكة هذه الخطوة واعتبرت هذا القرار غير شرعي وغير قانوني ويشكل انتهاكاً خطيراً للمعاهدات والاتفاقات الدولية، ودانت ما اتخذته السلطات الإسرائيلية من سياسات وإجراءات بهدف إحداث تغييرات سكانية ومؤسسية من شأنها تهويد القدس العربية وتغيير الواقع القانوني والتاريخي والديني والحضاري لها، ودعت المملكة مجلس الأمن الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه السلام والعدل للقضية الفلسطينية وخاصة نحو الموقف الخطير في مدينة القدس والانتهاكات التي تواصلها سلطات الاحتلال تجاهها مما يهدد المنطقة كلها بأفدح العواقب.
وجاءت جولة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - إلى كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين واليابان وكوريا الجنوبية والباكستان لدعم قضايا الأمتين العربية والإسلامية وبخاصة القضية الفلسطينية والقدس الشريف، حيث أكد في لقائه مع قادة هذه الدول على رفض المملكة العربية السعودية التام لأي إجراءات او سياسات أو أعمال تمس مدينة القدس وتغيير هويتها العربية وأن ما تقوم به إسرائيل في مدينة القدس من أعمال لتهويد المدينة المقدسة وتغيير معالمها وتوسيع حدودها وتوسيع سلطات بلديتها بالاستيلاء على مزيد من الأراضي بالقهر هو امتداد للعمل الإجرامي والمشين المتمثل بالمحاولة الصهيونية بحرق المسجد الأقصى، ومؤكداً في الوقت نفسه على وقوف المملكة العربية السعودية إلى جانب فلسطين أرضاً وشعباً لاسترداد كامل حقوقها وفي طليعتها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف، وموقفه - حفظه الله - في واشنطن يؤكد من جديد أن الخطاب السياسي والإسلامي للمملكة تجاه فلسطين والقضية والمقدسات الإسلامية في القدس ثابت لا يتغير، حيث شدد الملك عبدالله بن عبدالعزيز بعد اطلاعه على صيغة البيان السعودي الأمريكي المشترك وخلوه من ذكر القدس وعودتها للفلسطينيين أجاب بحزم بأنه لا يوقع بياناً لا يذكر فيه القدس فكان له ما أراد.
وفي قمة الألفية الثالثة التي نظمتها هيئة الأمم المتحدة بمقرها في نيويورك في شهر سبتمبر عام 2000م أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - أن القدس الشريف جزء لا يتجزأ من الأراضي العربية المحتلة عام 1967م وينطبق عليها قرار مجلس الأمن رقم 242، وهو ما أكده خلال لقائه مع رؤساء الجمعيات العربية والإسلامية وكبار المفكرين من أصل عربي في الولايات المتحدة الأمريكية حيث أكد أن القدس موضوع ليس فيه أخذ ولا عطاء فهو شيء واجب ومفروض على كل عربي وكل مسلم وكل إنسان فيه إنسانية لا بد أن يكون مع القدس، لأن القدس تاريخ وأصل ولا يمكن التخلي عنها أبداً أبداً مهما كان.
وفي انتفاضة الأقصى المباركة هذه الأيام وإزاء ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من اعتداءات وحشية من العدو الإسرائيلي أدت إلى سقوط العشرات من الشهداء وآلاف الجرحى من الأطفال والنساء والشيوخ، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - طيب الله ثراه - توجيهاته بإرسال طائرات الإخلاء الطبي إلى مدينتي عمان والعريش لنقل العشرات من المصابين الفلسطينيين لعلاجهم في مستشفيات المملكة، وأمر كذلك بإرسال فريق طبي سعودي متخصص إلى الضفة الغربية وقطاع غزة للمساهمة في علاج المصابين وتقديم المساعدة الطبية لهم.
وقد أصدرت وزارة الخارجية في المملكة العربية السعودية بياناً دانت فيه الممارسات العدوانية الغاشمة التي تقوم بها القوات الإسرائيلية وقتل أبناء الشعب الفلسطيني العزل على مرأى ومسمع من العالم.
وقد حمل البيان الحكومة الإسرائيلية كافة نتائج هذه الممارسات اللاإنسانية ضد الشعب الفلسطيني، التي أكدت من جديد تنكر إسرائيل للقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة وضربها عرض الحائط لمبادئ عملية السلام في الشرق الأوسط مما يهدد الأمن والسلام في المنطقة.
وطالب حكومة المملكة العربية السعودية المجتمع الدولي ومجلس الأمن وأعضاءه الدائمين ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية بتحمل مسؤولياتها واتخاذ كافة التدابير اللازمة بموجب أحكام ميثاق الأمم المتحدة بما في ذلك الفصل السابع.
وقد وصل أكثر من مائة من جرحى الانتفاضة الفلسطينية إلى مستشفيات المملكة للعلاج على طائرات الإخلاء الطبي من العريش وعمان، وقام صاحب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - بتفقد الجرحى وقلدهم وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة تقديراً لمواقفهم النضالية البطولية.
وقدم الملك عبدالله بن عبدالعزيز التعازي الحارة من حكومة وشعب المملكة في شهداء القدس وقال (إن ما تحملونه من جراح لايعد إصابة بل وسام كريم حصلتم عليه بشجاعتكم ونضالكم، فكل قطرة دم عربية اريقت على أرض فلسطين هي سقيا لنبوة الكبرياء والمروءة وبطولة لن تنضب بحول الله وقوته).
وناشد الملك عبدالله بن عبدالعزيز (كل انسان سعودي وعربي ومسلم ومحب للسلام والعدل على أرض المملكة العربية السعودية ان يبادر في لحظته هذه بمساندة أشقائنا في فلسطين العروبة والإسلام من خلال التبرع ماديا وهو أبسط ما يمكن ان يقدم عملا لا قولا او شعارا دعما لهم ولقضيتنا المشتركة).
وأضاف الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - (أن الوطن العربي والإسلامي تمثله فلسطين في لحظاتها هذه والإرادة العربية الإسلامية تنطق بكل وضوح في انتفاضة أشقائنا في الأراضي العربية المحتلة ولا أبلغ ولا أعظم من تعبير رافض ساخط أدواته حجر في كف طفل وصرخة من قبل امرأة وصدور تستقبل حتفها بكل إيمان واقتدار وعزة سعيا إلى الفوز بالشهادة أو النصر ولن يضيع حق وراءه مطالب ونحن أصحاب حق تاريخي شرعي وقضية عادلة مشروعة.. ولقد آن الأوان للطرف الإسرائيلي وكل من تعنيه عملية السلام أن يدرك ما يعنيه الأقصى بالنسبة لنا عرباً ومسلمين تاريخاً وانتماء ودلالة عقائدية لا مساومة حولها أو عليها).
وأصدر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - طيب الله ثراه - توجيهاً إلى صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية بتعميد أمراء المناطق لفتح باب التبرعات لصندوق القدس لأبطال الانتفاضة في فلسطين (انتفاضة القدس)، وأصدر صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض نداءً للمواطنين والمقيمين ان يهبوا لتقديم كل عون ومساعدة لشعب فلسطين في انتفاضتهم المباركة، وقد تبرع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - بمبلغ 30 مليون ريال، وتبرع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - بمبلغ 10 ملايين ريال وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد الأمين بمبلغ 10 ملايين ريال، وقد بلغت جملة التبرعات أكثر من 300 مليون ريال لصالح انتفاضة القدس، كذلك سلمت المملكة 30 طناً من الأدوية السعودية و20 سيارة إسعاف مجهزة بمستلزماتها لوزارة الصحة الفلسطينية.
وفي مؤتمر القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة في الفترة من 21 - 22 اكتوبر 2000م والتي أطلق عليها (قمة الأقصى)، حدد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - جوانب الموقف الذي يجب الخروج من المؤتمر، وهي ألا تنحصر مناصرة الشعب الفلسطيني في إطار الدعم المعنوي والسياسي بل يجب أن تكون المساندة لهم بكل الوسائل.
وقد اقترح الملك عبدالله بن عبدالعزيز إنشاء صندوق يحمل اسم صندوق انتفاضة القدس برأس مال قدره مئتا مليون دولار ويخصص للأنفاق على أسر الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا في الانتفاضة وتهيئة السبل لرعاية وتعليم أبنائهم، كما اقترح سموه إنشاء صندوق يحمل اسم صندوق الأقصى يخصص له ثمانمائة مليون دولار لتمويل مشاريع تحافظ على الهوية العربية والإسلامية للقدس والحيلولة دون طمسها وتمكين الإخوة الفلسطينيين من الفكاك من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي.
وقد أعلن الملك عبدالله بن عبدالعزيز باسم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وباسم الشعب السعودي بأن المملكة العربية السعودية ستسهم بربع المبلغ المخصص لهذين الصندوقين، كما أعلن أن شعب المملكة وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين سيتكفل بدعم ألف أسرة فلسطينية من أسر شهداء وجرحى انتفاضة الأقصى.
وقد أكد الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن (القدس الشرقية قضية عربية غير قابلة للتنازل والمساومة ولا يمكن بأي حال من الأحوال التخلي عنها ونعتبرها جزءاً لايتجزأ من الأراضي العربية المحتلة التي تسري عليها قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وأن المسؤولية في الحفاظ على القدس وتحرير الأراضي المحتلة تقع علينا جميعاً وليس هناك من أمل للاضطلاع بهذا الدور ما لم نقف صفاً واحداً ونتجاوز الخلافات ونقف في وجه من يحاول ان يضعف تضامننا وينشر بذور الفتنة بيننا).
وقد اختتمت القمة العربية باقرار مقترح المملكة العربية السعودية في دعم الانتفاضة والحفاظ على الهوية العربية للقدس.
وفي مؤتمر القمة الإسلامية التاسع الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة في الفترة من 12 - 13 (نوفمبر) 2000م أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - أن مصير مدينة القدس والأراضي المحتلة أمانة في أعناق القادة والزعماء العرب والمسلمين، وينتظر الفلسطينيون ان يخرج هذا المؤتمر بالأفعال قبل الأقوال.
وأكد ضرورة قطع العلاقات الدبلوماسية مع أي دولة تنقل سفاراتها إلى القدس المحتلة، وتوفير كل وسائل الدعم للإخوة الفلسطينيين وتعبئة الإمكانات وتهيئة المؤسسات المالية والاقتصادية لتمويل مشاريع يكون هدفها الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية للقدس والحيلولة دون طمسها.
وخلال استقباله الأدباء والمثقفين العرب المشاركين في ندوة (مستقبل الثقافة في العالم العربي) التي نظمتها مكتبة الملك عبدالعزيز بالرياض بمناسبة الاحتفال بالرياض عاصمة للثقافة العربية لعام 2000م يوم الأربعاء 22 نوفمبر 2000م أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن الأمتين العربية والإسلامية لا يمكن لهما التفريط في القدس الشريف.. لأن كرامة القدس من كرامة المسلم أولاً والعربي ثانياً، وحتى لو قدمنا أطفالنا فداء لهم.
وقال الملك عبدالله بن عبدالعزيز: (القدس في نظرنا هو أول شيء مهما كان.. حتى لو قدمنا أطفالنا فداء له فما علينا حسوفة ولا يمكن أن نفرط في القدس أبداً.. أبداً.. لأن كرامة القدس من كرامة المسلم.. المسلم أولاً.. والعربي ثانياً.. ومن ثم الأديان الأخرى ما عدا اليهود الغاصبين الذين يقومون بهذا القتل وهذه الحرب بهذه القوة ضد هؤلاء الأطفال الذين يقاومون بالحجارة.. فأولئك بالدبابات والطائرات.. والأطفال بالحجارة.. كيف يحدث هذا.. فعليهم أن يخجلوا.. أن يخجلوا من العالم كله).
من هنا نلاحظ أن قضية القدس هي القضية المحورية التي تمثل عمق البعد الروحي لدى المملكة العربية السعودية، وأنها تأتي في مقدمة مرتكزات السياسة الخارجية للمملكة، حيث لعبت الدبلوماسية السعودية دوراً بالغ الأهمية في تركيز اهتمام العالم على قضية القدس، والتأكيد على عروبة المدينة المقدسة، وتجريد المحتل الإسرائيلي من وهم الشرعية التي يحاول ان يضفيها على نفسه بتطبيق سياسة الأمر الواقع وسلاح القوة والبطش.
رحم الله خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وتغمده بواسع رحمته ورضوانه ومغفرته وأسكنه فسيح جناته، ونسأل الله تعالى أن يجعل ما قدمه في سبيل فلسطين والأمة العربية والإسلامية في ميزان أعماله، كما نسأله تعالى أن يحفظ لنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين، وأن يسدد الله خطاهما ويعينهما على إكمال المسيرة مسيرة الخير والعطاء والنماء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.