السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: لقد اطَّلعت على الموضوع الذي كتبه الأخ سلمان بن محمد العمري الموسوم ب(الزواج السياحي) المنشور يوم الجمعة 9-6-1426ه في العدد (11978)، وكان رائعاً، ويعلم سبحانه كم كانت فرحتي به، وأتمنى أن يصل صداه إلى مَن ابتلي بهذه الظاهرة، وأن يساهم في القضاء عليها أو على الأقل الحد منها. أخي الفاضل سلمان: كما تعلم فإن دعاء المسلم لأخيه المسلم عن ظهر الغيب مستجاب، وقد دعوتُ لك دعاءً أرجو ألاَّ يُحجب. ما يدمي القلب أنك تعيش حياة سعيدة لسنوات عديدة.. ثمرتها أطفال أصبحوا رجالاً.. ثم يأتي مَن يفسد عشك الزوجي بحديثه عن مغامراته.. ألا تعلم أن أحد هؤلاء ممن ابتلوا بهذا الأمر كانت له اليد الطولى في إيجاد شرخ في حياتي وجرح عميق قد يحتاج إلى وقت طويل ليلتئم.. وقد يبقى ينزف إلى أن أموت.. ثم يشهر قلمه في وجه النساء في إحدى المجلات داعياً إلى تعدُّد الزوجات وهو من أجبن الناس، بل من أضعفهم على أن يُقدم على مثل هذا؛ لأنه قد أشبع غرائزه بما يراه حلالاً!! فهل يمكن أن نجد لهذه الظاهرة حلاً جذرياً؟ أنا لا أعتقد أن مقالاً قد يستوفي هذا الموضوع.. وكنتُ أتمنى أن يكون هنالك تحقيق تتكاتف فيه الجهود؛ ليظهر بصورة قوية تبيِّن لهم فساد ما يقومون به، وأنه أمر محرم.. ويكون ذلك بالحجة القوية والدليل البيِّن.. ويكون معه استبيان واسع يشمل الرجال والنساء.. حتى نشعرهم بخطر هذه الظاهرة وظهورها على الرغم مما يفعلونه لإخفائها.. وحتى يعلموا أن هناك مَن كشف ألاعيبهم وأظهرهم على حقيقتهم.. على الرغم من أن هناك مَن ينفي وجود هذه الظاهرة.. لكن بم تفسِّر حديث الأزواج لزوجاتهم عن مغامرات زملائهم التي قد تكون حديثاً عن أنفسهم في الغالب!!.. سأكتب لك بعض النقاط التي أرجو أن تثري بها مقالاتك القادمة عن هذا الموضوع: ذهب الفقهاء إلى أن خصائص عقد النكاح التأبيد؛ فهو عقد مؤبَّد لا يقبل التأقيت، فلا يصح توقيته سواء أكان بلفظ المتعة أم بغيره من ألفاظ النكاح.. وسواء أكان التأقيت لمدة طويلة أو قصيرة، معلومة أو مجهولة. أما إذا كان التأقيت مضمراً في نفس الزوج غير مصرَّح به فقد اختلف الفقهاء فيه، فذهب الجمهور إلى صحة النكاح، ونصَّ على ذلك الحنفية والمالكية والشافعية، غير أنهم قالوا بكراهته، وهو رأي عند الحنابلة. وقال الحنابلة: إنه لا يصح، وهو الصحيح من المذاهب عندهم، وهو قول بهرام من المالكية ا.ه. ملاحظة: لا بد أن يُوضع في الاعتبار الأضرار المترتبة على إجازة مثل هذا الزواج لمثل هؤلاء الرجال إذا قلنا بالجواز. كما أن إجازة مثل هذا الزواج يحتاج إلى إعادة نظر من قِبل علماء الأمة؛ لما يترتب عليه من مفاسد عظيمة، ولتحقيق قاعدة (دَرْء المفاسد مُقدَّم على جَلْب المصالح)، وخصوصاً من أجازه لنفسه ولو لمدة قصيرة. أخي الكريم سلمان العُمري: كما تعلم فإن النكاح تجري عليه الأحكام التكليفية، ومنها أنه يكون حراماً كما عند الحنفية إن تُيِقِّن الجور؛ لأن النكاح إنما شُرع لمصلحة تحصين النفس وتحصيل الثواب بالولد، وبالجور يأثم ويرتكب المحرمات، فتقدم المصالح لرجحان هذه المفاسد. هذا إذا كان زواجاً شرعياً وتيقَّن صاحبه الجور أصبح محرماً، فما بالك بزواج قد اختلف العلماء في جوازه، ومَن رآه منهم صحيحاً فقد كرهه. ثم أليس في النكاح بنية الطلاق ظلم للمرأة حيث تُترك مطلقة؛ مما قد يؤدِّي بضعيفات النفوس إلى الانحراف؟! فتَرْك المرأة بلا زوج أفضل من زواجها ثم طلاقها، وكما نعلم فإن تضرُّر النساء من الطلاق أعظم من تضرُّر الرجال. بعض هؤلاء الرجال يُنصِّب نفسه مصلحاً يدعو إلى صلاح المجتمع والقضاء على شبح العنوسة مع أنه من المساهمين في كثرة المطلَّقات، ليس في بلده فقط وإنما في البلاد الأخرى!! يدَّعي بعضهم أنه يلجأ إلى الزواج إرواءً لغرائزه وحماية لنفسه من السقوط في أحضان الرذيلة، مع أنه ترك في بلده زوجة لم يعطها حقها من الإعفاف، فمن هؤلاء مَن يترك زوجته دون جماع أو أكثر وهو معها.. ومع ذلك تجد عدم قدرته على الصبر في سفره ولو لفترة قصيرة قد لا تتجاوز الشهر. ألا يعلم كثير من هؤلاء أنه في رأيٍ عند الحنابلة يُكره النكاح لمَن لا شهوة له.. وعلَّلوا ذلك بأن في فعله منع مَن يتزوَّجها من التحصين بغيره ويضرُّها بحبسها على نفسه ويعرض نفسه لواجبات وحقوق لعله لا يقوم بها. نقول لمَن ابتلي بهذا الأمر أن يستتر، وأن يتقي الله في بيوت عامرة هدمها بكلامه في المجالس عن مغامراته وقد خبَّب الكثير من الأزواج على زوجاتهم. وما تجلبه الكثير من هذه الزيجات من الأمراض الجنسية المختلفة، وخصوصاً أن الكثير منهم يتزوَّج عن طريق بطاقات يتم توزيعها في المطارات ترشد إلى الزواج الدائم والمؤقت!! يلجأ بعضهم إلى الواقي الذكري خشية الإنجاب أو خشية المرض، مع أن التي قد عقد عليها بكراً كما يدَّعي، وقد ذهب طلباً للإعفاف، فأين المتعة التي يجدها في ذلك؟! أثبت الطب أن الواقي الذكري لو كان فيه ثقب ولو كان لا يُرى بالعين المجردة قد يؤدي إلى الحمل؛ مما قد يترتَّب عليه أن يُرزق هؤلاء بأطفال فيتركوهم للضياع.. وهذا أمر ملحوظ؛ لأن بعض النساء اللائي يُردْنَ بقاء ذلك الزوج معهن تعمدن إلى صنع ما سبق بنفسها، وكثير من الرجال يجهل ذلك. كثير منهم لا يتثبَّت من أصل المرأة ونسبها، فكثير منهم يجري وراء شهوته فقط. كما أن الكثير من هؤلاء النساء تتظاهر بالمسكنة والضعف حتى تنال ما تريد، فكثير منهم يقول: إن هؤلاء النساء ضعيفات في حاجة إلى الإحسان.. والواقع أن الضعيف هو ذلك الرجل؛ لأن الكثير ممن ظنَّهن أبكاراً لجأْن إلى طرق عديدة يعرفها الطب لتظهر بكراً في نظره!! أغلب هؤلاء الرجال إذا قيل له: لم لا تصطحب زوجتك معك لإعفافك؟ تعلَّل برفضها ذلك، مع أن الكثيرات منهن مستعدات للذهاب مع أزواجهن وعلى حسابهن الخاص. بل إن بعض الرجال يطلقها صريحة بقوله: (لا أريدكِ أن تذهبي معي؛ كي لا تفسدي عليَّ ما أريد فعله). أخي الكريم: هل وصل حال الرجال المسلمين الذين توجَّهوا إلى الدعوة والإغاثة أو مهمة كُلِّف بها من قِبل عمله أن يكون إخلاصه مناصفة مع غرائزه، فأصبح تحليل الزواج المنتهي بالطلاق في السفر لثلاثة أيام أو أسبوع أو شهر مطيَّة مَن لا مطيَّة له!.. أخذه الكثير من شبابنا ذريعة وسبباً مُقنعاً ليفعل ما يحلو له.. ماذا أصاب هؤلاء؟! أيشبعون غرائزهم في أخواتهم المسلمات ثم يفارقونهن دون أن يتذكروا أن من بدهيات أُسس الزواج الديمومة. أين تُشبع رغبتها بعد فراقه؟! أم أصبحت وظيفتها استقبال المغتربين الخائفين من الفتنة لشهر أو أقل من ذلك؟! ثم أليس لها مشاعر وأحاسيس، أم هي كالآلة ما خُلقت إلا لتقضي وطرك منها؟! لا بدَّ من ملاحظة ما يلي عند مناقشة هذا الموضوع: سفر هؤلاء لمدة قصيرة قد لا تتجاوز شهراً. والشيخ ابن باز - رحمه الله - قد أجاز ذلك الأمر لمَن ذهب إلى دراسة أو ابتعاث أو كان سفيراً، فمثل هذه الأمور لا تكفي فيها مدة قصيرة. وجود زوجة مستعدة لمرافقته وإعفافه، وإذ لم يُوجد فأين هو من قوله صلى الله عليه وسلم: (مَن استطاع منكم الباءة فليتزوَّج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم؛ إنه له وجاء). فالمسلم لم يُخلق لإشباع غرائزه، بل خُلق لمهمة أنبل وأسمى، ألا وهي عبادته سبحانه، والترفع بنفسه عن سفاسف الأمور. لو قُلنا بإجازة هذا الزواج فكثير من الجهَّال لا رادع لهم، فمثل هذا الأمر لا يقبل به مَن كان عنده ذرة إيمان، وخصوصاً أن الإنسان لا يرتضيه لنفسه. ثم ما حكم تكرار مثل هذا الزواج في كل سفر خارج هذه البلاد ولو لمدة قصيرة كما أسلفنا، أو لفترات متقاربة؟ أليس في هذا تلاعب وغش؟! ولو افترضنا جوازه؛ فقد يُضطر الإنسان إليه مرة واحدة لحاجة ملحة.. أما تكراره فهذا أمر غريب. يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (إنني سمعتُ أن بعض الناس اتَّخذ هذا القول (الجواز) ذريعة إلى أمر لا يقول به أحد، وهو أنهم يذهبون إلى البلاد للزواج فقط). ونحن نقول: إن بعضهم أصبح يتذرَّع بحضور مؤتمر أو معرض أو دورة لمدة قصيرة لا تتجاوز الشهر ليتزوج متذرعاً بجواز ذلك، وأنه في حاجة إلى إعفاف، مع أن من المعلوم أنه في كثير من الحالات قادر على الاعتذار لجهة عمله عن هذه المهمة. وإذا لم يستطع فبإمكانه اصطحاب زوجته معه، أو ترك المجال لمَن يستطيع ملك أربه، ولكن أغلبهم جعل الانتداب من جهة عمله فرصة لقضاء شهوته، وخصوصاً أنه - كما يُقال - (محفول مكفول)، ولن يدفع من جيبه سوى مهر تلك المرأة الذي لا يتجاوز الريالات. لم لا يقبل هؤلاء إلا بالفتوى الموافقة لأهوائهم، مع أن الشافعية والحنابلة ذهبوا إلى استحباب ألا يزيد الرجل في النكاح على امرأة واحدة من غير حاجة ظاهرة إن حصل بها الإعفاف؛ لما في الزيادة على الواحدة من التعرُّض للمحرَّم!! قال تعالى: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ}(النساء: 129). وقال عليه الصلاة والسلام: (مَن كان له امرأتان يميل إلى إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل). فإذا لم يحصل الإعفاف بالواحدة ولم تطبْ نفسه بها فله طريق واضح وهو تعدُّد الزوجات، مع أن الحنفية يرون إباحة تعدُّد الزوجات إذا أمن عدم الجور بينهن، فإن لم يأمن اقتصر على ما يمكنه العدل بينهن، فإن لم يأمن اقتصر على واحدة؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً} (النساء: 3)؛ لأن زواجه بأكثر من واحدة إذا تُيقِّنَ الجور حرام كما سبق ذكره. وفي هذا ردٌّ على مَن دعا إلى تعدُّد الزوجات وابتلي بالزواج المؤقَّت. إن مثل هذه الظاهرة أصبحت فاكهة المجالس عند الرجال، بل إن بعضهم يذكر للرجل زواجه ممن لا تتجاوز 12 سنة، بل ويفخر بذلك!!.. أخي الكريم سلمان: لا بد من تذكير هؤلاء بمبدأ الإحسان والخشية والورع، وخصوصاً أن أكثر مَن يلجأ إلى ذلك اتَّسم بسمة الصلاح. ختاماً، فإن مثل هذا الموضوع يحتاج أكثر من ذلك. وفي الصدر حرقة من أن الكثير ممن أردنا أن يستفيدوا منه قد لا يطَّلعون عليه، مع أني كنتُ أتمنى أن يصل ذلك الأمر إلى المسؤولين حتى يصدر فيه تعميم أو شيء من هذا القبيل يكون رادعاً لهمأعاننا الله على المساهمة في الحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها.