تحدثت في الأسبوع الماضي عن الظلم وبعض أنواعه، سواء منها ظلم الإنسان في حق خالقه - سبحانه وتعالى - أو ظلمه لنفسه أو لغيره من الناس. وأشرت إلى الفرق بين ما هو ظلم فردي متوقع الحدوث في كل مجتمع من المجتمعات البشرية، وما هو رسمي ترتكبه دول بمختلف مؤسساتها، سواء كانت حكوماتها قد توصلت إلى الحكم بانقلابات عسكرية كما في بعض دول العالم الثالث، أو بانتخاب شعبي حر متنوع الأساليب كما في الدول الغربية على وجه العموم. والظلم الرسمي أشد وأنكى من الظلم الفردي غير الرسمي وفي كل شر. والحديث في هذا الأسبوع عن الإرهاب والإرهاب لغةً إدخال الرهبة في نفس الآخر أو الآخرين وقد تحل محل كلمة الرهبة كلمات أخرى، مثل الخوف والفزع والرعب. ومن هذا الإرهاب - بمعناه اللغوي - ما ورد من معان في آيات عدة من كتاب الله العربي المبين، كقوله - عز من قائل عليم - {لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ}(13) سورة الحشر، وقوله: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ } على أن كلمة الإرهاب أخذت في الآونة الأخيرة بعداً سياسياً بحيث اصبحت مصطلحاً يختلف المراد منه وفق مفهوم من يطلقه أو - بالأحرى - وفق أرادته من إطلاقه. فالدول المستعمرة - وفي طليعتها الدولة الصهيونية المحتلة لفلسطين - نَصِفُ حركات التحرر من استعمارها بأنها حركات إرهابية، وتَصِفُ جرائمها الإرهابية البشعة بأنها أعمال دفاع عن النفس، والمقاتلون الأفغان عندما كانوا يقاتلون ضد قوات الاتحاد السوفيتي التي دخلت إلى أفغانستان مناصرة للنظام الأفغاني الشيوعي هناك، سماهم الإعلام الغربي ومن سار في ركابه المجاهدين. لكن المقاومين الفلسطينيين الثائرين ضد الاحتلال الصهيوني الإرهابي تسميهم بعض أجهزة الإعلام العالمية - وكل وسائل الإعلام الصهيونية والمتصهينة - إرهابيين. ولقد عرف الإرهاب في المعجم الوسيط الذي أعده علماء أفاضل من مجمع اللغة العربية في القاهرة وأصدره ذلك المجمع بأنه وصف يطلق على سلوك سبيل العنف والإرهاب لتحقيق هدف سياسي وهذا التعريف يحتاج إلى تدقيق وإعادة نظر. ذلك أن أكثر حركات التحرير، التي قامت بها شعوب مستعمرة ضد المحتلين لأراضيها، لم يكن لها بدّ أمام جبروت أولئك المحتلين وجرائمهم إلا أن تستخدم العنف، أحياناً، لنيل حقوقها في التحرر من الاستعمار، وامتلاك ناصية سيادتها، ولم يكن شوقي إلا محقاً عندما قال: وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق ولو لم يضحِّ الشعب الجزائري العظيم بأكثر من مليون شهيد، مستعملاً كل ما كان في إمكانه استعماله من أسلحة لما نال استقلاله وكان بعض ما قام به عنفاً قصد به تحقيق هدف سياسي هو نيل الاستقلال. ولا أظن عاقلاً منصفاً يمكن أن يقول: إن الشعب الجزائري - بثورته العظيمة ضد المحتل - كان إرهابياً، وعلى هذا الأساس فإن تعريف الإرهاب الأقرب إلى الصحة هو أن يقال: استعمال العنف لتحقيق هدف غير مشروع، سواء كان هدفاً سياسياً أو غير سياسي، ويدخل في ذلك التعريف إرهاب الدولة كإرهاب الكيان الصهيوني للشعب الفلسطيني، إنساناً وأرضاً وتراثاً، وإرهاب الأنظمة الدكتاتورية لشعوبها لئلا تقوم بأي نشاط ضد جورها وظلمها، وإرهاب المنظمات، أو الجماعات التي ترتكب أعمال عنف وتدمير مرعبة لتحقيق هدف سياسي مبني على أساس الاقتناع بفكر بعيد كل البعد عن الصواب والشرعية، وقد كتبت عن هذا النوع الأخير من أنواع الإرهاب أربع حلقات أسبوعية في هذه الصحيفة (الجزيرة) الغراء، ابتداء من 25-3-1424ه، بعنوان: (الجريمة وأمور جديرة بالتأمل). ومن أنواع الإرهاب، أيضاً، الإرهاب الذي يمارس لتحقيق هدف مالي كقطع الطرق للنهب، أو السطو على الممتلكات الخاصة والعامة لسرقتها. وقد كثرت في الآونة الأخيرة - مع الأسف الشديد - سرقة البيوت والسيارات إلى درجة إن لم تتخذ إجراءات عاجلة وحازمة للقضاء عليها فإنه يخشى أن تتفاقم ويصبح التعامل معها غير يسير. ومن أنواع الإرهاب ما لا يمارس لتحقيق هدف سياسي أو مالي. ومن هذه الأنواع الإرهاب الذي يمارسه افراد من المجتمع سواء كان ذلك عن قصد أو نتيجة عدم إدراك لأبعاد تلك الممارسة الفتاكة، وفي طليعتها الإرهاب المروري، الذي اصبح واضح المعالم في مجتمعنا مع الأسف الشديد والألم المرير. ولا غرابة أن بات خطره هاجس الكثيرين. ومن أدلة إدراك هؤلاء ذلك الخطر أن نشرت مجلة اليمامة الغراء في الأسبوع الماضي مقالتين تتحدثان عن هذا الموضوع. المقالة الأولى بقلم الأخ الكريم الأستاذ علي بن سليمان العلولا بعنوان (الإرهاب المروري من يوقفه؟) والمقالة الثانية تحقيق قام به الأخ الأستاذ رياض العسافي وصور نتائجه المأساوية الأخ الأستاذ محمد السعيد، وعنوانها (شباب يمتهنون القتل بالسيارات) ومما ورد في مقالة الأخ العلولا: (الحقيقة التي يدركها الجميع أن لدينا فوضى مرورية شاملة فالمخالفات المرورية كتجاوز الإشارات الحمراء، وعدم الالتزام بالمسارات، والسرعة الجنونية والقيادة المتهورة والوقوف الخاطئ وعكس اتجاه السير، واعتبار أرصفة المشاة مسارات إضافية وقت اللزوم، والقفز من طريق الخدمة إلى الطريق الرئيسي من فوق الأرصفة.. تتم جميعاً أمام بصر منسوبي المرور وبقية الجهات الأمنية دون أن يحركوا ساكناً لرصدها ومعاقبة مرتكبيها). ولقد ذكر الخسائر الفادحة بشرياً ومادياً نتيجة الحوادث المرورية، بانياً ما ذكره على الإحصاءات الرسمية وأبان ما رآه من أسباب وقوع تلك الحوادث، واقترح علاجاً لتفاديها، أو التخفيف منها على الأقل. أما ما ورد في تحقيق الأستاذ العسافي، وتصوير الأستاذ السعيد فركز على ما يقوم به بعض الشباب من تغيير ميكانيكي في نظام سرعة السيارات بحيث يزيد في هذه السرعة، وما يترتب على ذلك من أخطار فادحة يكون أكثر ضحاياها من الأبرياء. والمتأمل في الحركة المرورية، سواء على الطرق الطويلة في المملكة أو داخل المدن، يجد أن أكثر ما ذكره الأستاذ العلولا واضح كل الوضوح، وإضافة إلى ما ذكره يجد استهتاراً عظيماً من قبل بعض المتهورين بالناس وبالمسؤولين المروريين على حد سواء؛ فقد يكون المرء سائراً وفق ما هو نظامي من حيث السرعة، لكنه يفاجأ بسائق سيارة خلفه لم يجعل بينه وبين سيارته أكثر من متر واحد محاولاً إجباره على أن يخلي الطريق له مع أنه يرى أن هذا المفاجأ لا يستطيع الهروب يميناً أو يساراً لأن المسارين عن يمينه ويساره مزدحمان بالسيارات بحيث يستحيل عليه أن يخرج إلى أي منهما. ولا شك أن في تصرف ذلك المضايق الملح على إجبار من أمامه على أن يترك الطريق له إرهاباً واضحاً. وهناك من المخالفات المرورية الكثير والكثير مما يمكن أن يعد أسباباً لحدوث أخطار كبيرة مرعبة. ونظام المرور الجديد يُناقش الآن في مجلس الشورى، ومن المؤمل أن يكون جامعاً مانعاً لكن وجود الأنظمة شيء والتعامل معها شيء آخر.