حول مسألة تعريف الإرهاب، فإنه وكما يقول بعض الفلاسفة، من أن وضع تعريف محدد ومنضبط، أمر يثير كثيراً من الصعوبات، وتختلف عليه الآراء، ويرى بعضهم أنه يكفي أن نحدد الامر ونضطبه بوضع عناصر محددة له، وسمات خاصة به، يمكن لأي أحد - مختص وغير مختص - بعد أن تتحقق تلك السمات والصفات، ويعتقد بتوفير تلك العناصر، أن يقرر - دون تردد ودون نزاع أو خلاف - بأن العمل الإرهابي إنما هو فعل إجرامي، تحركه دوافع دنيئة، يرتكبه فرد أو جماعة، ويتبع فيه أسلوب يعتمد على نشر الرعب في النفوس، بغية تحقيق هدف معين، لا فرق بين أن يكون سياسياً أو اجتماعيا، أو اقتصاديا، أو اعتقادياً. ولاشك أن هناك مشاكل عديدة قد نشأت بصدد إيجاد مفهوم للإرهاب، وتحديد أبعاده وسماته وصفاته، حيث إن كل مجتمع له نظرة تختلف في تحديد ماهية الإرهاب، ووصف الإرهابيين، والأمر يعود إلى حكم نسبي في النظر لتلك الأعمال العنيفة، والذين يقترفونها، ومطالبهم، وطرق حلها وعلاجها، فالإرهابي في نظر البعض: (هو مناضل من أجل الحرية) بينما هو في نظر البعض الآخر (مجرم)، وكذلك ينظر للقائمين بأعمال العنف والقتل المحتلين والغزاة بأنهم مناضلون، وهم في نظر الآخرين إرهابيون. ومع ذلك كله، مع تباين آراء الفقهاء والكتاب، والمناظرين السياسيين حول إيجاد مفهوم واضح للإرهاب، إلا أن آراءهم اتفقت - من حيث الجملة - على أن الإرهاب يقوم على أساس استخدام العنف أو التهديد باستخدامه، على شكل منظم ومنسق، مع استخدام أدوات ذات خطر عام، بقصد إثارة الرعب والخوف في نفوس الأفراد والجماعات والدول. غير أن مصطلح (الإرهاب Terrorism) كأحد مصطلحات علم السياسة المعاصر وعلم الاجتماع، الذي حظيت في العقود الثلاثة الأخيرة بالعديد من الدراسات والتحليلات، أصبح له مضمونه المحدد في الدراسات السياسية، فالإرهاب، هو أولا شكل من أشكال العنف المنظم، ولذلك لجأت المنظمات الدولية - وعلى رأسها الأممالمتحدة - إلى استعمال مفهوم إجرائي للفعل الإرهابي، بحيث أصبح هناك اتفاق عالمي على كثير من صور الأعمال الإرهابية، مثل الاغتيال، والتعذيب، واختطاف الرهائن، واحتجازهم، وبث القنابل، والعبوات المتفجرة، واختطاف، واحتجاز وسائل النقل، والرسائل الملغومة،إلخ. والإرهاب هو ثانياً أداة أو وسيلة لتحقيق أهداف (سياسة) ليس قط في سياق المواجهة الداخلية بين السلطة السياسية وبين جماعات معارضة لها، وإنما أيضاً كأداة للتعامل بين الدول وبعضها البعض، أي أنه - بهذه الصفة - ليس أداة لتحقيق أهداف عسكرية، والإرهاب ثالثا يتضمن انتهاكاً عمليا ليس فقط للقواعد القانونية والشرعية العامة، وإنما ايضا للقواعد العرفية والدينية السائدة، وهذا الأمر ملائم لطبيعة الفعل الإرهابي الذي يفرض إشاعة الإحساس بعدم الأمان، واستحالة التنبؤ به، والفعل الإرهابي رابعا ذو طابع رمزي، فهو لا يقصد لذاته، بقدر ما ينطوي عليه من رسالة موجهة إلى كافة الضحايا المحتملين الآخرين بحيث يوقع الرعب في القلوب ويثير التساؤل عن ماهية الضحية التالية. يبقى الإرهاب كمصطلح ومفهوم شديد التفسير، ومتفاوتات الفهم، وتبقى أسبابه وعلاجه العرفي قاصرة عن فهم الأسباب الحقيقية المبنية على القهر والظلم والطغيان والتواطؤ، وتظهر تفسيرات مختلفة تبتعد عن تحليل الأسباب، والجذور، وتكتفي بمعالجات سببية ظاهرية، وتضيع المفاهيم في زحمة الانحياز والمكابرة والتواطؤ. من جميع المحاولات التي بذلك لتحديد مفهوم الإرهاب، وتحديد الأفعال التي تؤلف الإرهاب الدولي، يظهر أن بعض تلك المحاولات تؤكد بأن المساعي التي بذلت قبل الحرب العالمية الثانية لتحديد أفعال الإرهاب الدولي تركزت على تحديد الافعال الإرهابية الموجهة إلى رؤساء الدول والحكومات والدبلوماسيين والرسميين الآخرين، ولم يبدأ الاهتمام بمسألة الإرهاب الذي تتعرض له الشعوب وحركاتها الوطنية على أيدي الأنظمة الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية إلا بعد انتهاء تلك الحرب، وتصاعد هذه الحركات. يضاف إلى ذلك، أن الجدل يثور من حين إلى آخر، حول الحد الفاصل بين أعمال الإرهاب والأعمال الأخرى من العنف كالعنف السياسي، وأعمال العنف التي تقوم بها حركات التحرر الوطني، ومقاومة الاستعمار ونحوها، مما هو معترف بمشروعيته، طبقا لأهداف ومبادىء ميثاق الأممالمتحدة والقرارات الصادرة من أجهزتها بهذا الشأن، وقد أدان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها الصادر في 18-11-1972م رقم (27) 34 - 3 بوضوح أعمال القمع والإرهاب التي تتخذها الأنظمة الاستعمارية والعنصرية والأجنبية، بإنكارها على الشعوب حقها في تقرير مصيرها واستقلالها وغيرها من حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. ومما هو جدير بالملاحظة - هنا - أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة السابق، قد توسع في مفهوم الإرهاب الدولي، حينما قررت الجمعية أن الإرهاب الدولي يتضمن كل أنواع الأفعال الإرهابية التي تلجأ إليها دولة ما لقلب نظام الحكم في دولة أخرى، أو بالتحريض عليه أو تمويله، وكذلك يشمل كل عنف يؤدي إلى قتل الأبرياء، أو تعريض حياتهم للخطر، أو انتهاك حرياتهم الأساسية. وأول حادث اختطاف طائرة في الجو، كما يوضح تشومسكي (لم يكن اختراعا تعود ملكيته إلى بعض فصائل المقاومة الفلسطينية، أو الإرهاب الدولي، وإنما اختراع إسرائيلي، ففي شهر ديسمبر من عام 1954م قامت المقاتلات الإسرائيلية بالتعرض لطائرة مدنية سورية، وأرغمتها على الهبوط في مطار اللد. ولم تكن حادثة الإرهاب السياسي هذه من النوع الذي يمكن أن يمضي بسلام، بعد أن تجهز عليه الذاكرة التاريخية، وإنما كانت تتصل بالصورة الكلاسيكية المعروفة لإرهاب اختطاف الطائرة من الجو، ذلك ان موشي ديان، صرح آنذاك بالحرف الواحد:أن حادث الاختطاف الجوي المذكور كان هدفه (الحصول على رهائن يمكن استخدامهم في المقايضة من أجل إطلاق سراح سجنائنا في دمشق). كما يذكر تشومسكي أيضاً أن اغتيال الوسيط الدولي (برنادوت) في عام 1948م كان عملاً إرهابيا أنجزته عصابة إرهابية يتزعمها إسحاق شامير.. ويذكر أيضاً بالمذابح الإسرائيلية المبرمجة ضد الفلسطينيين، وبمعسكرات الاعتقال الشهيرة، وباستخدام قنابل النابالم، وبقيام السفن الإسرائيلية بعمليات الاختطاف والقرصنة في عرض البحر. ويلخص من ذلك كله إلى أن هذه الحقائق لم تصبح جزءا فاعلا في الذاكرة التاريخية للإعلام المسيطر، نظراً لأن الإرهاب (حسب شروط الخطاب الإعلامي الأمريكي العنصري يقتصر على الإشارة إلى عمليات الإرهاب التي يقوم بها العرب فقط، وليس اليهود). وقبل ذلك يقول د. هشام الحديدي (والمفارقة في هذا كله تكمن في أن الإرهاب في التاريخ المعاصر إسرائيلي المنشأ، وقد سبق للكاتب الأمريكي اليهودي (نعوم تشومسكي) أحد أبرز الباحثين في الألسنية ومؤلف كتاب (حضارة الإرهاب) أن بين أن الإسرائيليين هم الذين دشنوا الإرهاب في الشرق الأوسط، وحرصوا على إبقاء جذوته مشتعلة باستمرار، وهذا ليس مجرد خطاب حماسي أجوف، أملته اعتبارات الانحياز غير العقلاني إلى هذا الطرف أو ذاك، وإنما هو خطاب مدعم بالدليل التاريخي). وحتى كتابة وإخراج هذا الموضوع لم يتفق المتخصصون على تعريف محدد وواضح للإرهاب، وذلك برغم النمو الشديد في حجم هذه الظاهرة، وزيادة أعدادها وتصاعد أرقام ضحاياها، والتطور في أسلوب تنفيذ الأعمال الارهابية وزيادة الاهتمام في دراستها ومحاربتها، ويرجع السبب في ذلك إلى: 1 - أن الإرهاب شكل أو أسلوب من أساليب الصراع السياسي، ومن ثم فإنه قد يكون هو السبيل المتاح لكل القوى السياسية، بغض النظر عن أيديولوجيتها، في أن تلجأ إلى استخدامه. 2 - أن مصطلح (الإرهاب) محمل بقدر كبير من الشحنات العاطفية التي تتضمن الإدانة المبدئية له، لهذا فإن من يستخدم مصطلح (الإرهاب) لوصف الأفعال المعادية، أو أي أنشطة، إنما يريد فقط تلك الأفعال التي يقوم بها الخصوم السياسيون وغيرهم، ممن يقترف مثل هذه الأفعال. ومع ذلك، فإن علماء الاجتماع ينظرون إلى الإرهاب بوصفه استخدام العنف أو التهديد باستخدامه، بواسطة الأشخاص أو الجماعة أو الدولة، ضد المجتمع المحلي أو الدولي، لتحقيق أهداف يرمي إليها الإرهابيون، وضد إرادة المجتمع وضد رغبته. كما يصف هؤلاء الفعل الإرهابي، بأنه فعل رمزي، يسعى إلى إحداث آثار كبيرة حسنة أو سيكولوجية، بالرغم من محدودية الفعل الإرهابي ذاته، وقد لا تقتصر آثار الفعل الإرهابي على المجال السياسي فقط، إلا من جهة نظر أولئك الذين يحصرون أهدافه بالمجال السياسي فقط. ومما هو جدير بالملاحظة، أن هناك فرقا واضحا بين الأنشطة الإرهابية التي تقوم بها المنظمات والمجموعات غير الحكومية، ضد الدولة، والأنشطة الإرهابية التي تقوم بها الدولة، وتنفذها أجهزتها المدنية أو العسكرية، وتبعا لذلك، يرى بعضهم أنه يمكن التسامح تجاه بعض الأنشطة الإرهابية التي تقوم بها القوى والمنظمات غير الحكومية، بينما على العكس من ذلك تلك الأنشطة التي تقوم بها الدولة، نظرا لأن الدولة ملزمة بأن تلتزم بمبادىء القانون الدولي، كما يتاح لها أساليب أخرى غير أعمال العنف والإرهاب لتحقيق أهدافها. ونظرا لأن الإرهاب ما زال يمثل شكلا من أشكال الصراع السياسي والاقتصادي والأيديولوجي، ونموها بين عدة فئات ومجموعات متناحرة، وكان الإرهاب - أيضا - موضوعا لخلاف وجدل عميق بين المعنيين به، والمهتمين بتقنينه وتوضيح الفرق بينه وبين أشكال العنف الاخرى، تبعا لتباين المواقف السياسية والفكرية - أصبح الإرهاب تبعا لذلك كله يأخذ أسماء مختلفة تبعا لاختلاف طبيعة الصراع، والهدف المراد منه، والأسلوب المتبع في تنفيذه، ومع ذلك، فإن مصطلح (الإرهاب) هو التسمية المفضلة، والعبارة الدقيقة، وبصفة خاصة لخصوم الفعل الإرهابي، كما أن الفعل الإرهابي قد يكتسب الشرعية، كوسيلة لتحقيق أهداف يصعب تحقيقها بالوسائل التقليدية كالثورات الأهلية والحروب، ومقاومة الاستعمار، الأمر الذي حمل كثيرا من المفكرين إلى وضع نظريات سياسية وفكرية واجتماعية وعقائدية، لتبرير بعض الأعمال الإرهابية، مع الإقرار من حيث المبدأ بعدم أخلاقية مثل هذه الأعمال، إذ يذهب ضحية مثل هذه الأعمال ضحايا أبرياء لا صلة لهم بالأعمال الإرهابية. ليس هذا وحسب، بل لابد من التفريق بين العمليات النضالية التي تأخذ شكل العمليات الإرهابية، والتي تقوم بها الجماعات أو المنظمات لمقاومة الاستعمار وحركات التحرر الوطني، وبين تلك العمليات الإرهابية التي يستهدف العمل الإرهابي إجبار السلطات على الإتيان بأفعال تمثل مطالب الإرهابيين، والتي تهدف بالدرجة الأولى التدمير والتخريب ونشر الفوضى من أجل مطالب شخصية. ونحن نقرر - هنا - كما قرر غيرنا، أن التعريف الأولى والشامل والتام لظاهرة الإرهاب، إنما هو ادعاء كبير، لا يقدر مدى صعوبته ومدى إشكاليته إلا من لا يدرك مدى تشعبه، واكتسائه أشكالا وأنماطاً متعددة ومتباينة فكرا ومفهوماً، كما أن اختلاف الاهداف وتناقضها تضفي مزيدا من الصعوبة والمشقة في تحديده، وفوق ذلك كله المعاني التي يحتملها والتي ترتبط دلالاتها وأبعادها بالقيم والدوافع التي تنفذها والتي تكبح جماح الإرهاب والإرهابيين. لهذا فإني سوف أذكر تعريفاً، غير جديد، وغير مبتدع، وإنما هو مستفاد من تناقضات ومواقف عدة وضعها فقهاء ومفكرون ومنظرون في الاجتماع والسياسة، كما أن هذا التعريف لن يحقق ما هو مستحيلا، بل ولن يذلل صعوبات اكتنفت جهودا سابقة ومتخصصة، لكن حسبه أن يذكرنا بمناطق الاتفاق والاختلاف، ويستفيد من تناقضات واضحة وظاهرة للعيان من خلال مفاهيم اهتم بها كثيرون، كما أن التعريف الذي نراه راجحاً، أو نرجحه لاعتبارات قانونية وسياسية، ولفظية، ما هو إلا توضيح لظاهرة واضحة المعالم صعبة الحد والتعريف وفقا للمنطق والاعتبارات المعتدلة، كما أنه ولابد أن يعطي مفهوما مستفاداً من المفاهيم السابقة يتعلق بالأعمال الإرهابية وأشكالها المختلفة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن التعريف - أو المفهوم - الذي سوف نقترحه أو نرجحه من مجموعة تعريفات، لا يعني أننا نرفض كل التعريفات التي تناولت موضوع الإرهاب، ولن يقلل من أهمية وجهة نظر أصحاب التعريفات تلك، ذلك أن مساهماتنا في هذا الصدد، جاءت مستفيدة إلى حد كبير ومرتكزة على الجهود السابقة، مع إبداء تحفظ - شديد أحياناً - على تلك الأساليب أو المفاهيم أو الألفاظ التي لا تنسجم مع المنطق العام الذي تبناه الفكر المعتدل، والتي كانت منطلقا للعديد من التوجيهات تجاه المفهوم الذي يتفق مع قوانين العدل والإنصاف. يضاف إلى ذلك، أن هذا المفهوم يحاول الإلمام بجميع العناصر التي توفرت خلال بحث ومناقشة المفاهيم المختلفة، التي سوف نركز وجهة نظرنا خلال هذه العناصر فقط على مدى أهمية إدخالها في مفهوم يتناول وجهات نظر متعددة، ويتفق مع المقررات والقوانين الدولية والوطنية ونحوها. ولما تقدم، ولإعطاء صورة واضحة ودقيقة عن مفهوم الإرهاب وعناصره، ومدى علاقة تعريف الإرهاب بالمؤثرات القريبة والبعيدة، السياسية والفكرية والفقهية ونحوها، فإنه لا بد من معالجة هذه الإشكالية - إشكالية المفهوم - وفقا لتصنيف محدد وواضح يتناول المباحث اللغوية المتعلقة بمفهوم الإرهاب، من حيث معنى الإرهاب في اللغة العربية ومعاجمها المختلفة القديمة والحديثة، وكذلك الأصول الفقهية اللغوية للإرهاب في المعاجم الأجنبية (غير العربية)، وعلاقة هذا المفهوم اللغوي بالأغراض السياسية، والتطورات الفكرية والاجتماعية. كما أنه لابد أن يتناول المفهوم أهمية وضرورة وضع مفهوم للإرهاب على الرغم من صعوبة التعريف وضرورته من أجل وضع تكييف صحيح للجريمة وتقدير العقوبة، وتحديد إشكالية التعريف، من حيث استبعاد مشكلة المشروعية في نطاق التعريف، واستبعاد فكرة العدوان، كما لابد من تناول الاتجاهات العامة في تعريف الإرهاب وأنواع مفاهيمه، ومن أهمها النظريات العامة في تعريف الإرهاب، ومن أهمها النظرية المادية والنظرية الموضوعية ، وانماط التعريف وأشكاله من حيث التعريف التحليلي، والتعريف الحصري ، والأسلوب العام أو المطلق في تعريف الارهاب، ومما هو جدير بالمفهوم ومنطلقاته بيان أثر مفهوم الإرهاب في تنوع وتقسيم الإرهاب، من حيث تحليل العنصر المعنوي والباعث للإرهاب، وبيان مدى الإرهاب وآثاره وتحليل العنصر الفاعل، والتركيز على الإرهاب السياسي لا من جهة المفهوم، بل من جهة الصيغة والدوافع والأهداف، وكذلك الهدف السياسي في الإرهاب، وإمكانية - أو عدم إمكانية - ربط الإرهاب بتحقيق أهداف سياسية، وعلاقة الإرهاب بالحرب والفرق بين عنف الإرهاب زمن السلم وزمن الحرب، وكذلك وضع المحاربين، والاتفاقيات الدولية الخاصة بضحايا الحرب ونحوها. ومن ذلك أيضا بحث عناصر الإرهاب، وأثرها في بيان مفهوم الإرهاب، وبصفة خاصة تلك التي تبحث في مفهوم العمل الإرهابي، من حيث استعمال وسائل إحداث الخطر العام، والرعب وأثره في الإرهاب، وإحداث الخوف والفزع الشديد، والخشية الهائلة، والاضطراب العنيف للنفس، على اعتبار الرعب عنصراً جوهريا للإرهاب، وما يهدف إليه العمل الإرهابي وهو (السيطرة) باعتباره الهدف الاسمى الذي يسعى إليه الإرهابي، مع محاولة التركيز على العنصر الموضوعي للإرهاب، وهو (قصد الفاعل) حيث إن (قصد الفاعل وإرادته) قد تبنته أعمال اللجان الدولة المشكلة بغرض منع وقمع الإرهاب، مما جعل هذا العنصر من العناصر المكونة للإرهاب، ومن ذلك أيضا النظر إلى العنف من جهة المفهوم وطبيعته القانونية، ومن جهة استلزامه عدة شروط لوصف الفعل بأنه (عنيف) باعتباره يحدث الموت أو الألم الجسدي، أو المعاناة بطريقة عمدية أو قهرية، ذلك أن العمل الإرهابي يتميز بأنه عمل يتسم بالعنف الشديد (أو التهديد بالعنف)، وقصد إشاعة الرعب، والباعث الايدلوجي، وشيوع الخطر الناتج عن الجريمة الإرهابية، وخاصية التنظيم المتصل بالعنف، على أن بعض المفكرين يعتبر الإرهاب بديلا للاستخدام العادي للقوة العسكرية في الصراع، ولاشك أن الإرهاب يحتوي على مفهومه النظري والعملي عدة عناصر مختلفة ومنها: استعمال العنف والتخويف والفزع، وخلق مناخ من الاضطراب، ومعيار الضرر والقوة والترويع. ومما هو جدير بالتنبيه - ايضا - أن مفهوم الإرهاب قد تناولته التشريعات الخاصة، ومنها يستفاد المفهوم، وبها قد تندفع الإشكالية، باعتبار أن التشريع الخاص هو أداة المجتمع في مكافحة الجريمة بصفة عامة، ومكافحة الظواهر الإجرامية، ومن أهم تلك التشريعات الخاصة تشريع الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث إنها الدولة الوحيدة في الوقت الراهن التي أخذت على عاتقها مكافحة الإرهاب (أو نشر الإرهاب بمعنى أوضح)، إضافة إلى أن تشريعاتها خيالية تماما من مسألة الإرهاب، مفهوماً، وتجريما، وعقاباً، وقد كان القانون المصري هو القانون الوحيد - على مستوى العالم العربي - الذي عالج مفهوم الإرهاب - بصفة خاصة - وحدد له عناصر قريبة مهمة، وبعيدة تقرب الإرهاب من الجريمة العادية، كما أطال في مناقشة مفهوم الإرهاب، سواء على مستوى التشريع أم على مستوى الفكر البحثي والنقد الداخلي للتشريع المصري بهذا الخصوص. ولن يغيب عن البال مفهوم الإرهاب لدى المنظمات والهيئات الدولية، وجهود المنظمات الدولية في إيجاد تعريف للإرهاب يتفق عليه المجتمع الدولي، ومن ذلك لجنة الإرهاب الدولي التابعة للامم المتحدة، حيث وضعت مشروع اتفاقية موحدة بشأن الإجراءات القانونية لمواجهة الإرهاب الدولي في عام 1980م، ومع ذلك فإن معظم المؤتمرات الدولية رغم اهتمامها بظاهرة العنف والإرهاب، إلا أنها لم تتوصل إلى تحديد مفهوم الإرهاب، كما قامت ببيان النقد الموجه إلى لجنة القانون الدولي فيما توصلت إليه في اجتماع باريس عام 1984م، ومثل ذلك ما تضمنته اتفاقية جنيف الخاصة بمنع وقمع الإرهاب لعام 1937م في تعريفها للإرهاب المعياري والتعدادي، والاتفاقية الأوربية لمنع وقمع الإرهاب لعام 1977م، والتعريف الذي اقترحه وفد الولاياتالمتحدةالأمريكية في الدورة (28) التي عقدتها الجمعية العمومية في الأممالمتحدة، ومشروع روجرز حول الإرهاب الدولي في عام 1972م، ونجده مهما مفهوم الإرهاب لدى الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب. كما يدرك الكثيرون العلاقة بين مفهوم الإرهاب، وحق تقرير المصير، والجهود الدولية المبذولة بهذا الشأن من خلال اللجان الفرعية المنبثقة عن اللجنة الخاصة المعنية بالإرهاب الدولي، وهذه الجان تختص بتعريف الإرهاب، والأسباب الكامنة وراء تفشي ظاهرة الإرهاب الدولي، والتدابير اللازمة لمنع ومكافحة الإرهاب الدولي، وهذا يذكرنا بأهم الوثائق الصادرة عن الأممالمتحدة، التي تعترف فيها بمشروعية أنشطة الحركات التحريرية، وبصفة خاصة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (3103) في سنة 1973م بشأن المبادىء الأساسية المتعلقة بمركز المقاتلين الذين يكافحون السيطرة الاستعمارية والأجنبية والنظم العنصرية، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، رقم (32 - 147) في سنة 1977م المتعلق بالتدابير الخاصة بمنع الإرهاب، ومبدأ حق تقرير المصير للشعوب المقرر في ميثاق الأممالمتحدة، وهو ما أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم (30 - 61) في سنة 1985م، وقد اتفق الثقات من خبراء القانون الدولي، على أن تقرير المصير حق قانوني، وأن الشعوب لها الحق في أن تقرر وضعها السياسي، والمفهوم من اصطلاح (شعب) ونحو ذلك من الألفاظ العامة والمطلقة في القرارات والمواثيق الدولية، وقد كان للولايات المتحدةالامريكية انطباع خاص - هنا - حول مفهوم الإرهاب، وأن مفهومها قد جاء سياسياً محضاً، كما تزعمت الولاياتالمتحدةالأمريكية اتجاها يؤدي إلى تجريم حركات التحرر الوطني، وتجاهل تماماً النضال ضد الاستعمار والاحتلال والعنصرية. وإنني أذكر أن الفقه الدولي قد أجاد في توضيح بعض جوانب مفهوم الإرهاب، وأن فقهاء القانون الدولي والقانون العام والخاص، عرب وعجم، ومن فقهاء غربيين وشرقيين، وكثير منهم من هو متخصص في هذا المجال، وكتب في الإرهاب بصفة خاصة قليل منهم من تناوله بصفة عامة، أمثال: هاردمان Hardman، سوتيل (Sottle)، بسيوني (Bassiouni)، د. أحمد جلال عز الدين، سليم قورش، (Saleam Qurashi)، بريان جنكينز (B.M.Jenkins)، أيوجين وولتر (Eugen Walter)، سالدانا (Saladana)، ويلكنسون (Wilkinson)، فريلاند (Frid Land)، نومي جال أور (Noemi Gal Or)، إريك موريس (Eric Morris)، د. محمد عزيز شكري، جرزي فاسيورسكي (Jerzg Waciorskg)، توم ماليسون، جونزبرج (Niko Gunzburg)، جورج لوفاسير (Le - Vasseure)، برادل (Pradel)، ليمكن (Lemkin)، بالاتسو (Palazzo), ديفيد بكفورد (David Bickford). أما الإرهاب السياسي فإن له مفهوماً خاصا جدا، كما أن هناك جوانب يتميز بها الإرهاب السياسي عن الجرائم السياسية، والعنف السياسي بشكل خاص، كما له عدة تعريفات ومفاهيم مختلفة، لعدة فقهاء تناولوا هذا الموضوع بالنقد والإيضاح، ومن أهم الشخصيات السياسية وفقهاء القانون الذين يرد ذكرهم هنا مقرونا بمفهوم خاص بكل منهم: ولتر لاكور (W.Laqueur) وحيث يعتبر تعريفه أحدث تعريف علمي للإرهاب السياسي، وقدم من خلاله هذا الفقيه تحليلا مفصلا لمكونات تعريف الإرهاب السياسي، وكذلك الباحث (مارتيناهتشينكن) (Martina C.Hutchincon) حيث عرف الإرهاب، وكرس مبدأ التأثيرات السيكولوجية في المفهوم، وبين أهمية الوسيلة والعنف الذي يسعى إليه الفاعل (الإرهابي)، كما أن الخبير السياسي ريد (Reid) يصف الأفعال الإرهابية العنيفة بأنها (أفعال رمزية)، في حين أن الفقيه (ليونارد وينبرج (Leanard B.Weinberg) خلط في تعريفه، بين الإرهاب السياسي والعنف السياسي، وكذلك الجريمة السياسية ونحوها، على خلاف الفقيه (مارينيلي Marienelli) الذي ميز في تعريفه بين الجريمة السياسية والجريمة الإرهابية، وعلى خلاف الفقيه الايطالي (فيراكوتي Ferraeuti) حين حاول إبراز الناحية النضالية للعمل الإرهابي، وهذه خاصية انفرد بها هذا الفقيه من خلال مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة، أما الأستاذ (ليلي س جرين) (Green) فيؤكد على الهدف المرحلي الرمزي، وهو (الضحية) واشترط الابتزاز السياسي لوصف أي فعل بالإرهاب. وأما الباحث د. محمد عوض فنقل لنا تعاريف المهتمين بالإرهاب السياسي، ويذكر من عناصر الإرهاب المهمة هي: العنصر السيكولوجي، والنتيجة الحسية، ويتناول إرهاب الأقوياء والضعفاء، ويعتبر الفقيه ميكولوس (Mickolus) الإرهاب عملا عنيفا وقلقا ناجما عن العنف، وهذا الاعتبار موجود في منطوق التعريف، ولهذا اكتسب درجة عالية من الأهمية حيث استخدم عبارة (العمل الإرهابي)، أما الفقيه ثورنتون (Thoronton) فيعطي الوسائل غير الاعتبارية أهمية خاصة في تعريف الإرهاب، كما يعتبر العنف والرعب عملا رمزياً، الغاية منه التأثير على السلوك السياسي. ومن التعريفات المهمة جداً، تعريف د. أدونيس العكرة، في كتابه الذي بحث فيه أصول الظاهرة وأبعادها الإنسانية (الإرهاب السياسي) وهو تعريف استخلصه واستفاد معظم عباراته من تعريفات كل من رولان غوشيه و(توم ماليسون) و(ريمون أرون (Raymond Aron) و(جوليان فرويند (Freund Julien) والبروفسور هاكر (Friedrieh Hacker) وتعريف جرزي فاسيورسكي (للإرهاب السياسي، وذكر د. ادونيس العكرة هذه التعريفات وشرحها وانتقد معظمها، واستفاد وتلافى قصورها في تعريفه. وأخيرا لن يغيب عن بال الباحث العربي المسلم مفهوم الإرهاب في الشريعة الإسلامية، من خلال - ايضاً - مفهوم القرآن الكريم الإرهاب، والمراد بلفظ (الرهبة) عند المفسرين، وكذلك مفهوم الإرهاب واستخدام هذه اللفظة في الحديث النبوي، وذلك من خلال المفهوم اللغوي قط، ومفهوم الإرهاب في الفقه الإسلامي من خلال الحديث عن جريمة الحرابة وهي نوع من أنواع العنف يتعلق بالإرهاب الموجه ضد المجتمع، وكذلك الجرائم المتعلقة بالحرية، وقبل ذلك مفهوم الرعب في الإسلام، من جميع الاعتداءات، وآلات التدمير الشامل، وتحريم الإسلام للاعتداء بغير الحق، ومن مهمات الباحث في مفهوم الإرهاب - هنا - البحث في الأحكام الموضوعية لجرائم الإرهاب في الإسلام من عقوبة الإرهاب، وبيان مفهومه وكذلك بيان أهم الأحكام الإجرائية لجرائم الإرهاب في الشريعة الإسلامية، وموقف الإسلام من مكافحة الإرهاب، مما يساعد في استبيان مفهوم الإرهاب في الإسلام، والأمر سوف يكون في غاية الوضوح، فيما يتعلق بمفهوم الإرهاب ومشتقاته في القرآن، وبصفة خاصة ما يتعلق بمدلول كل من لفظ (الفزع) و(الخوف) و(الرعب) وأسس القضاء على الإرهاب من خلال مدلول ومفهوم الإرهاب في الشريعة الإسلامية. ومع كل ما تقدم أعتقد أن المفهوم الذي يتناول أهم عناصر الإرهاب، ويتفق مع معظم الأهداف التي يعلنها الإرهابيون من حين لآخر حسب قيمته وصلاحيته لإعطاء مفهوم واضح من جهة الألفاظ والمدلول، ومن جهة الصياغة، هو ذلك المفهوم الذي يتناول أهم عناصر المفهوم المتفق عليها، والمهمة، والذي يمكن صياغته على النحو الآتي، الإرهاب هو: (منهج فعل إجرامي يقوم على الاستعمال المنسق للعنف، أو التهديد باستعماله عن طريق استخدام وسائل قادرة على إحداث حالة من الرعب والفزع، يرمي الفاعل بمقتضى الرهبة والسيطرة إلى تحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية بقصد المحافظة على تلك المقومات أو تغييرها أو تدميرها). ونعتقد أن عرض هذا الموضوع على هذا النحو، وفق المنهج التقليدي الذي يعالج من خلاله مباحث الإرهاب ومفهومه، يمكن أن يستفيد منه القارىء - المختص وغير المختص - وهو على كل لبنة تضاف إلى صرح الدراسات التي اهتمت - وما زالت - بموضوع الإرهاب ومقاومته والبحث عن أسبابه. فهل يتبنى مؤتمر الرياض مفهوماً للإرهاب، حسب المستجدات، والمتغيرات الدولية، والفهم الجديد للعلاقات الدولية، يتناسب مع طموحات المؤتمرين وآمال شعوبهم، ويساعد على فهم الظاهرة، والعمل على مقاومتها، والقضاء عليها، أرجو ذلك. والله الموفق.