حتى هذه اللحظة لم يجد الباحثون تعريفاً دقيقاً للإرهاب، فعلماء اللغة لهم مصطلح والأممالمتحدة لها تعريف والخارجية الأمريكية لها تعريف، وقد ألقى الجانب السياسي بظلاله على هذا الموضوع، وقد تحدث الدكتور مصلح الصالح في هذا الموضوع في بحثٍ علمي نشره مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات بالرياض نجتزئ منه هذه الخلاصة حيث جاء في الرسالة آنفة الذكر: هناك صعوبة أساسية في تناول الظاهرة المعاصرة التي تبدو سهلة في لغة الحياة اليومية وهي ظاهرة الإرهاب التي تناولها العديد من الدارسين بالتحليل والتنظير، ويرى وينك (Wanek) أن من المستحيل الوصول إلى تعريف مرضٍ عالمياً ومتفق عليه للإرهاب ويرجع ذلك لأسباب سياسية أكثر منها لغوية. واللافت للنظر في موضوع الإرهاب الخلاف والتباين الواسع النطاق في تعريف هذا المفهوم، فكل حكومة أو جماعة أو عصابة تمارس الإرهاب تعتبر نفسها على حقٍ وتعتبر الجهة المعارضة لها إرهابية. وتكشف معظم المناقشات عن أسباب الإرهاب في وقتنا الراهن وما يمكن تسميته مشكلة التعريف، فالبعض يرون أن أي عنفٍ، أو أي عملٍ لا اجتماعي إرهاب، ويركز آخرون على خصائص التفكير لدى الثوريين أو على عنف الحكومات، والبعض الآخر يرى أن أعمال الإرهاب تدير بمؤامرة دولة تديرها حكومات معينة. وفي كثيرٍ من الأحيان تُجرى المناقشات عن الإرهاب لأهدافٍ متعارضة وقليلون هم الذين ينظرون للمسألة بتجرد، كما أن قلة البيانات الدقيقة والموضوعية عن الأعمال الإرهابية قد حالت دون استخدام العقل الأكاديمي لبحث مسألة الإرهاب بموضوعية. وهذا ما دفع الدارسين إلى أن يحذو حذو الصحفيين في إصدار التقارير والدراسات السريعة المرتجلة التي تنطوي على النماذج والتعريفات والتفسيرات للإرهاب، ومع ذلك بقيت مشكلة التعريف قائمة: من هو الإرهابي؟ وماهو الإرهاب؟ الإرهاب في اللغة العربية: تخلو المعاجم من مصطلحي الإرهاب والإرهابي لأن هذين المصطلحين حديثان ولم يستخدما في العصور السابقة، والإرهاب في اللغة العربية مشتقٌ من الفعل الماضي أرهب بمعنى خوَّف، والإرهاب يعني إثارة الخوف في النفوس ورَهَبَ رهبةً ورهباً ورهباناً أي خاف ويقال: (أرهب عنه الناس بأسه ونجدته) أي أن بأسه ونجدته حملا الناس على الخوف منه واسترهبه أي خوفه. أولاً: مفهوم الإرهاب في القرآن الكريم: وردت كلمة الرهبة في القرآن الكريم بمعنى الخشية وتقوى الله سبحانه وتعالى وفيما يلي عددٌ من الآيات التي وردت فيها الكلمة: {وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}{الأعراف: 154}. {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} {البقرة: 40}. {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ} {الأنفال: 60}. {وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} {سورة الأعراف: 116}. {لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ }(سورة الحشر:13}. {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} {الأنبياء: }. وقد وردت في القرآن الكريم عدة ألفاظ تدور معانيها حول مادة الإرهاب وهي: الخوف وقد وردت مادته مئة وثلاثاً وعشرين مرة، ومادة الرعب وردت خمس مرات، ومادة الروع وردت مرة واحدة فقط، ومادة الفزع وردت ست مرات، ومادة الرهبة وردت ثماني مرات. كما وردت مصطلحات أخرى تندرج ضمن الإرهاب وهي البغي والطغيان والظلم والعدوان والخيانة والغدر والقتل والسرقة والحرابة، وهي صور ووسائل وأدوات هدامة تشيع الخوف في المجتمع وترهب الآمنين فيه وتعوق المسلمين من حسن خلافتهم في الأرض وحسن عبادتهم لله سبحانه وتعالى وإتقانهم لعمارة الكون: ولكنّ هناك جريمتين من بين هذه الجرائم أبرزهما الإسلام وحدد العقوبات لهما لأهميتهما وخطورتهما على المجتمع الإسلامي وهما: الحرابة والبغي. ثانياً: الإرهاب في المعاجم والموسوعات: الإرهاب في المعجم الوسيط: وصف يطلق على الذين يسلكون سبيل العنف والإرهاب لتحقيق أهدافٍ سياسية. في موسوعة السياسة يرى عبدالوهاب الكيالي أن الإرهاب يعني: (استخدام العنف غير القانوني (أو التهديد به) بأشكاله المختلفة كالاغتيال والتشويه والتعذيب والتخريب والنسف بغية تحقيق هدف سياسي معين، مثل كسر روح المقاومة والالتزام لدى الأفراد وهدم المعنويات لدى الهيئات والمؤسسات أو كوسيلة من الوسائل للحصول على المعلومات أو المال، وبشكلٍ عام استخدام الإكراه لإخضاع طرف مناوئ لمشيئة الجهة الإرهابية. والإرهاب في قاموس علم الجريمة A Dictionary of Criminology نمط من العنف يتضمن الاستخدام المنظم للقتل أو التهديد باستخدامه أو الأذى الجسدي والتدبير لإنزال الرعب أو الذعر (الصدمة) بجماعة مستهدفة (أوسع مدى من الضحايا الذين أنزل بهم الرعب)، لإشاعة أجواء من الرعب. وبعض الأنظمة تستخدم الإرهاب على نطاقٍ واسع كطريقة رتيبة (روتينية) للضبط، ولا يُستغرب أن مثل هذه الأنظمة تطلق غالباً على أي مناهض سياسي أو منشق مسمى (إرهابي)، وهناك إساءة استعمال أخرى للمصطلح تحمل معنى الازدراء لحرب العصابات عموماً. وجديرٌ بالذكر أن كثيراً من رجال العصابات والقادة الموالين لها قد رفضوا الإرهاب لأنه يتضمن لا محالة القضاء على حياة الأبرياء. ثالثاً: تعريفات الدارسين والمتخصصين للإرهاب: عرف عصام رمضان الإرهاب الدولي بأنه: (الاستخدام أو التهديد باستخدام العنف ضد أفراد ويعرض للخطر أرواحاً بشرية بريئة أو يودي بها، أو تهديد الحريات الأساسية للأفراد لأغراضٍ سياسية بهدف التأثير على موقف أو سلوك دولة أو منظمة أو مجموعة مستهدفة بصرف النظر عن الضحايا المباشرين مع تعدي حدوده أكثر من دولة). ويشمل مفهوم الإرهاب الأفعال التي تقوم بها الدول، والأشخاص الاعتباريين الآخرين فضلاً عن الأفراد. ويلاحظ أن هذا التعريف يقصر الإرهاب على الأغراض السياسية باستخدام وسائل وأساليب إرهابية مختلفة ولكن التعريف لا يتضمن أعمال الإرهاب التي تهدف إلى تحقيق مصالح مادية كالحصول على الفدية أو الابتزاز تحت التهديد. كما عرف ويلكنسون P.Wilkinson الإرهاب: بأنه سياسة أو خطوة تنطوي على ثلاثة عناصر أساسية: الإقرار باستخدام الإرهاب كسلاح منظم. ب- التهديد أو أعمال العنف غير العادية بحد ذاتها. تأثير هذا العنف على الضحايا المباشرين وعلى الرأي العام الدولي. ويتضح أن هذه التعريف لا يتضمن الهدف من الإرهاب ولا الوسائل أو الأساليب المستخدمة في أعمال الإرهاب ولا الجهات المنظمة للإرهاب ولا مستويات الإرهاب: المحلي، الدولي... إلخ. ويري بنكر وميلر ورسل، أن الإرهاب يشير إلى استعمال القوة أو التهديد أو العنف بغية تحقيق هدف سياسي عن طريق إثارة الخوف أو الرعب أو عن طريق الإكراه. وهذا التعريف رغم أنه يتضمن غرض الإرهاب وهو تحقيق هدف سياسي عن طريق استعمال القوة أو التهديد أو العنف إلا أنه يغفل وسائل الإرهاب وأساليبه ومستوياته والجهات المنظمة أو التي تقوم بالأعمال الإرهابية. ويركز قوريشي Qureshi في تعريفه للإرهاب على الهدف من العمل الإرهابي حيث يرى أن المصطلح يعني: (استخدام العنف لإحداث حالة من الخوف وإخضاع الضحية، وهدف الإرهاب إحداث تغيير أو تعديل في سلوك الضحية ذاته باعتباره مستهدفاً شخصياً، أو يكون الهدف من الإرهاب جعل هذا الضحية عبرة للآخرين)، وعنف الإرهاب يعتبر ذروة القسر سواءً نفذ الفعل أو استخدم تهديداً فقط. وليس من الضروري استخدام العنف لنطلق على الفعل إرهاباً، ولكن يشمل ذلك التهديد باستخدام العنف سواءً كان ذلك بصورة مضمرة أو صريحة إذا أدرك ذلك الضحية المستهدف بالعمل الإرهابي. ويتضح أن تعريق قوريشي يركّز على ما يلي: وسيلة الإرهاب وهي إثارة الخوف لدى الضحية وهذا هو المعنى اللغوي للمصطلح. طابع الإرهاب وهو استخدام العنف. هدف الإرهاب وهو تعديل أو تغيير في سلوك الضحية أو جعله عبرة للآخرين. ولكن هذا التعريف قد أغفل مستويات الإرهاب: محلياً، دولياً، كما أغفل أغراض الإرهاب هل هي سياسية أم مجرد تحقيق منافع شخصية، كما أغفل التعريف أساليب الإرهاب وأشكاله وأنماطه. تعريف الخارجية الأمريكية للإرهاب: يركّز التعريف الذي ورد في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية السنوي عن الإرهاب الدولي على خمسة أبعاد هي: طبيعة العمل والقصد، وأنماط الدافع للإرهاب والمستهدفين، والفاعل وأهداف العمل الإرهابي. فقد عرف التقرير الإرهاب بأنه: (العنف المتعمد ذو الدوافع السياسية الذي يرتكب ضد أهداف مدنية (أي غير المحاربين) من قِبل جماعات محلية أو أطراف سرية (خفية) تهدف عادة للتأثير في جماعة النظارة (الجمهور)، بينما يعني الإرهاب الدولي: (العمل الإرهابي الذي يشمل مواطنين في أكثر من قطرٍ من الأقطار). وهذا التعريف يقصر أعمال الإرهاب على الأهداف السياسية دون غيرها، كما يتضمن التعريف أن أهداف الإرهاب تتمثل في التأثير في الجمهور، بينما هذا التأثير هو هدف (أو متغير وسيط) والهدف النهائي هو التأثير في السلطة أو الدولة. رابعاً: تعريف المنظمات الإقليمية والدولية للإرهاب: من أبرز هذه التعريفات تعريف جامعة الدول العربية وما ورد في اتفاقية جنيف الخاصة بمنع وقمع الإرهاب لعام 1937م التي أبرمت في إطار عصبة الأمم؛ بالإضافة إلى الاتفاقية الأوروبية لمنع وقمع الإرهاب في إطار المجلس الأوروبي عام 1977م، وكذلك ما قدمته اللجنة الخاصة بتعريف الإرهاب الدولي المنبثقة عن اللجنة الخاصة بالإرهاب التي شكلتها الأممالمتحدة عام 1971م ضمن القرارات التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عن الإرهاب بصورة مختلفة وفيما يلي أهم هذه التعريفات: تعريف جامعة الدول العربية للإرهاب: وضعت لجنة الخبراء العرب في تونس في اجتماعها من 22- 24-8-1989م التعريف التالي لمفهوم الإرهاب والإرهاب الدولي والتمييز بينه وبين نضال الشعوب من أجل التحرر الوطني؛ فالإرهاب هو: (فعل منظم من أفعال العنف أو التهديد يسبب فزعاً أو رعباً من خلال أعمال القتل أو الاغتيال أو حجز الرهائن أو اختطاف الطائرات أو تفجير المفرقعات وغيرها، مما يخلق حالة من الرعب والفوضى والاضطراب ويستهدف تحقيق أغراضٍ سياسية سواء قامت به دولة أو مجموعة من الأفراد ضد دولة أخرى أو مجموعة أخرى من الأفراد، وذلك في غير حالات الكفاح الوطني المسلح المشروع من أجل التحرير والوصول إلى حق تقرير المصير في مواجهة كافة أشكال الهيمنة أو قوات استعمارية أو محتلة أو عنصرية أو غيرها، وبصفة خاصة حركة التحرر الوطني المعترف بها من الأممالمتحدة ومن المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية بحيث تنحصر أعمالها في الأهداف العسكرية أو الاقتصادية للمستعمر أو المحتل أو العدو ولا تكون مخالفة لمبادئ حقوق الإنسان، وأن يكون نضال الحركات التحررية وفقاً لأغراض ومبادئ ميثاق الأممالمتحدة وسواه من قرارات أجهزتها ذات الصلة بالموضوع. تعريف لجنة الأممالمتحدة للإرهاب: إدراكاً من الأممالمتحدة لخطورة الإرهاب والتهديد الذي تشكله الأعمال الإرهابية على الأمن على المستوى المحلي والإقليمي والدولي فقد شكلت لجنة فرعية لتعريف الإرهاب منبثقة عن اللجنة الخاصة بالإرهاب. وقد اجتمعت اللجنة خلال الفترة من 1-2 أغسطس 1973م وناقشت المقترحات المقدمة من عددٍ من الدول ورأى بعض أعضاء اللجنة ضرورة إجراء دراسة متعمقة للظاهرة من أجل التوصل إلى تعريف متفق عليه للإرهاب الدولي. وأشار بعض أعضاء اللجنة إلى أن أي تعريفٍ يتم التوصل إليه في إطار اللجنة يجب ألا يمس حقوق الشعوب في تقرير المصير وأنه ينبغي التمييز بين الكفاح الذي تمارسه حركات التحرير الوطني والإرهاب الدولي وعدم وصف أعمال الكفاح التي تخوضها هذه الحركات بأنها إرهابية، وتأكيد حقها في استخدام الوسائل المتاحة لديها بما فيها القوات المسلحة للوصول إلى تقرير المصير وتحرير أرضها المحتلة. وفيما يتعلق بإرهاب الدولة ذهب البعض إلى أن أعمال العنف التي تمارس من قِبل الدول ضد شعوب بأكملها بهدف السيطرة عليها أو التدخل في شؤونها الداخلية وأن استخدام القوة المسلحة في الثأر والأعمال الانتقامية أو الدفاع الوقائي الذي تمارسه دولة ضد سلامة وسيادة دولة أخرى ودفع المجموعات الإرهابية إلى أقاليم دولة ما بهدف إشاعة الرعب والفزع بين المواطنين وإسقاط الأنظمة السياسية؛ ينبغي أن تدخل جميعها في نطاق تعريف الإرهاب نظراً لخطورتها وجسامتها عن أي شكلٍ آخر من أشكال الإرهاب. ووفقاً للاقتراح المقدم من مجموعة عدم الانحياز تعتبر الأفعال التالية في سياق الإرهاب الدولي: أعمال العنف والقمع التي تمارسها الأنظمة الاستعمارية والعنصرية أو الأجنبية ضد الشعوب التي تناضل من أجل التحرر والحصول على حقها المشروع في تقرير المصير والاستقلال من أجل حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. قيام الدول بمساعدة التنظيمات الفاشية أو المرتزقة التي تمارس أعمالها الإرهابية ضد دولة أخرى ذات سيادة. عمال العنف التي يمارسها أفراد أو مجموعات والتي تعرّض حياة الأبرياء للخطر أو تنتهك الحريات الأساسية دون الإخلال بالحقوق غير القابلة للتنازل، كالحق في تقرير المصير والاستقلال لكل الشعوب الخاضعة لسيطرة الأنظمة الاستعمارية والعنصرية أو أية أشكالٍ أخرى من السيطرة الأجنبية أو الحق المشروع في الكفاح وبخاصة كفاح حركات التحرر الوطني. أعمال العنف التي يرتكبها أفراد أو مجموعات لتحقيق كسب شخصي والتي لا تنحصر آثارها في نطاق دولة واحدة.