نردد هذه الجملة أكثر من مرة في اليوم، وهي مثال حي على التآلف والأخوة والوقوف صفاً واحدا بوجه الشبهات، ولكي لا يدخل بيننا "الشيطان"وأوردنا هذه الجملة النافعة كمدخل لموضوعنا هذا، بعد أن تعرضت بلادنا من عمل الشيطان الذي تسلل بين المسلمين ليفجرهم، بدون ذنب أو هدف أو مغزى إلا مايعتقد فيه هذا الشيطان المجرم الذي تورط بفعل مروجي الأفكار الخبيثه ليقوم بهذا العمل الشنيع، ومطلوب منا جميعا اليوم أن نقف صفا واحدا أكثر من أي وقت مضى لحماية الوطن ومقدراته وخيراته، وننعم بأمن واستقراره ووحدته القوية الجميلة. حيث أصبح الإرهاب يشكل ظاهرة خطيرة جدا لتمزيق الدول والشعوب، ما يشهده العالم اليوم من تناحرات وصراعات طائفية مقيتة، ولا سيما في منطقتنا العربية تعتبر ظاهرة الإرهاب من اخطر الظواهر وأكثرها فتكا ودمارا، التي يواجهها المجتمع الدولي، حيث لا يفرق هذا الارهاب بين دولة واخرى او مجتمع وآخر ولا طائفة دون أخرى، وانما يضرب بدمويته معظم الدول والمجتمعات بشكل بات من الضرورة بمكان تكاتف جميع قوى المجتمع والدول المخلصة للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة والمقلقة بشكل كبير، وتتضح خطورة الظاهرة هذه في عدد ضحايا الإرهاب من قتلى ومعاقين ومشردين وكذلك في الخسائر المادية الكبيرة التي تلحق بالبنى التحتية والمؤسسات وغيرها من مرافق الحياة الاخرى في كل ما يمكن ان تمتد اليه يد الارهاب الحديثة والخطيرة، ومع ان الارهاب متشابه على مدى التاريخ، الا ان مخاطر ما تشهده منطقتنا العربية، هو ان هذا الارهاب يستند في الواقع الى ارضيات طائفية خصبة بغيضة من شأنها ان تهدد بتمزق النسيج الاجتماعي في الدول التي يطالها الإرهاب وخطورته، ويمهد السبيل لحروب وصراعات اهلية طويلة المدى، لاسيما وان هذا النوع من الارهاب لا يبغي سوى نشر الخوف والذعر والفتن والبغضاء على اوسع نطاق ممكن، لذا فاننا نرى ان الارهابيين يرتكبون افعالهم دون تمييز بين الاشخاص وألوانهم والمجتمعات ودينها، حتى تصل يد القتل الطائشة لاناس مدنيين دون ان يكون هدفهم قتل شخص واحد بالذات او ايذاءه. العالم اليوم يشهد تناحرات وصراعات طائفية مقيتة لنشر الخوف والفتن والبغضاء بين المجتمعات اي انه اجرام بلا تمييز لا يهدف الا الى نشر الموت والخوف في اوساط الناس، تنفيذا لاجندات محددة ترسم على الاغلب خارج حدود المنطقة، وتخدم توجهات سياسية لا تمت لمصالح الامة العربية بأي صلة، وتريد تمزيق الدول وتشتيت لحمتها الوطنية وزعزعة استقرارها. الأصول التاريخية للإرهاب ومع ان الإرهاب كأفعال اجرامية عنيفة كان موجودا عبر التاريخ، ويربط البعض بينه وبين الارهاب الذي مارسه الأفراد بعهد الجمهوريات اليونانية والرومانية القديمة. وفي ضوء المفهوم التقليدي للارهاب يرى البعض اغتيال الامبراطور يوليوس قيصر عام (44) ق.م الا ان هذا الارهاب مر بمراحل عديدة ومختلفة، وجال في مختلف بقاع الارض، مرتبطاً بجماعات سياسية حيناً وباخرى دينية في وقت آخر، وبحلول القرن السادس عشر، شهد العالم الارهاب، وهو ينتقل الى أعالي البحار على شكل عصابات ترتكب هناك أعمال القرصنة ونهب واعتقال حيال السفن التجارية ورغم ان القرصنة كانت تمارس للحصول على الأموال أولا، فقد كانت تمارس كذلك لارغام بعض السلطات على تحقيق مطالب سياسية معينة. الا انه وفي بداية القرن التاسع عشر، استشرى الارهاب في اكثر من مكان من العالم، ثم توسع بشكل كبير بُعيد الحرب العالمية الثانية وما افرزته من كيانات جديدة. ونلاحظ انه بعد الحرب العالمية الثانية تحديداً نشأت وتصاعدت في عدد من المستعمرات والدول الخاضعة للنفوذ الاجنبي حركات استقلالية انتهج بعضها طريق العنف الارهاب الموجه الى المستعمر، كما شهد الشرق الأوسط ظهور منظمات سرية وكان معظمها يعتمد العنف أحيانا لتحقيق أهداف قومية او دينية، لعل ابرزها الارهاب الصهيوني، حيث قامت الجماعات الارهابية الصهيونية هناك باعتماد اسلوب التشريد والقتل الجماعي لتحقيق اهدافها الاستيطانية، ولذلك عمدت المنظمات الصهيونية الارهابية الى تصعيد الارهاب والرعب الى اقصى درجاته، بغية اقتلاع هذا الشعب من ارضه وتشريده. الاستغلال الديني والمذهبي مع ان الحديث عن الارهاب واسبابه، وطرق مواجهته، يطول ويحتاج في الواقع الى آلاف الدراسات، الا ان ما نود الاشارة اليه هنا في هذه العجالة، هو هذا النوع من الارهاب الذي يضرب منطقتنا العربية، والذي يعتمد في اسلوبه على استغلال البعد الديني والطائفي، لتنفيذ جرائمه تحت شعارات ويافطات دينية، او طائفية، كما يفعل الآن تنظيم داعش، وكما فعلت من قبله ايضا منظمة القاعدة، الارهابية، التي استهدفت الابرياء بجرائمها على مدى سنين طويلة. ومن المتفق عليه هنا ان دراسة هذه الاسباب مهمة ليست سهلة وانما هي مهمة صعبة وتحتاج الى الغور في معظم المشكلات المعقدة التي تواجه الافراد والمجتمع الدولي على حد سواء، ولكن هناك من يرى ان تحديد اسباب الارهاب وإزالتها يجب ان يسبقا العمل على اتخاذ أي تدابير لمنع الارهاب. وهو امر يستدعي ان نبحث بعمق في الاسباب الحقيقية الكامنة وراء انتشار ظاهرة الارهاب وتفشيه بهذا الشكل الخطير، ولكن ما يجب التنويه اليه ان العمل على اتخاذ تدابير لمنع آفة الارهاب، يجب الا ينتظر بالضرورة تحديد اسباب الارهاب وازالتها وذلك ان مقاومة الارهاب واجبة، لان هناك خطراً داهماً لم يعد يحتمل التأجيل أو التنظير، لكن على المدى البعيد لابد لنا من فهم الاسباب الحقيقية التي تقف وراء ظاهرة الارهاب وتوسعه، لنصل فيما بعد الى نتائج ايجابية في القضاء على هذه الآفة الخطيرة المرعبة. الأسباب السياسية للإرهاب بالتأكيد ان هناك اختلافات في تحليل ظاهرة الإرهاب وتحديد اسبابها. الا ان هناك اتفاقا على عدد من اسباب الارهاب الراهن. لعل السيطرة الاستعمارية وانكار حق تقرير المصير والعنصرية والتمييز العنصري وسياسة الفصل العنصري وحرب الابادة، التي تتبعها بعض القوى الكبرى في العالم، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى والارهاب الواسع النطاق للشعوب بهدف فرض السيطرة بالقوة. ولذلك فانه من الممكن القول ان الاسباب السياسية تعد ابرز اسباب الارهاب، نظرا لما تخلفه سياسات الاستعمار من افقار للشعوب، وتجهيل متعمد، للابقاء على سيطرتها ونهب خيرات وثروات هذه الشعوب. ومن الطبيعي ان تسهم العوامل الاقتصادية والاجتماعية بدور كبير في قيام الارهاب، لان استمرار وجود نظام اقتصادي دولي جائر، والاستغلال الأجنبي وانتهاك حقوق الانسان والفقر والجوع والشقاء وخيبة الأمل، كلها عوامل من شانها ان تزيد من الارهاب ومخاطره، وتشكل البيئة الخصبة لانتشاره. الضخ الطائفي المستمر لابد ان نتذكر هنا ان اخطر انواع الارهاب، هو الضخ الطائفي المستمر الذي تنتهجه بعض القوى الخارجية، بالنسبة للمنطقة العربية، وعلى رأس هذه القوى ايران التي تحاول تجييش طرف بعينه ضد مصالح الاطراف الاخرى في المكون الاجتماعي العربي، فاتحة الباب امام صراعات طائفية بغيضة، ستحرق كل ما في طريقها، ولن تكون محصورة جغرافياً، وانما قد تطال مصدريها ايضاً. وعليه فلا بد من القول ان مواجهة خطر تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الارهابية التي لم توفر اي دولة عربية من مخاطرها، واكبر مثال التفجير الأخير الذي استهدف أمن واستقرار المملكة العربية السعودية، وراح ضحية هذة الجريمة البشعة عدد من الشهداء والجرحى، والذي تبناه تنظيم داعش الارهابي المتطرف. ومن المفارقات الكبيرة هنا هو ان التطور الذي يشهده العالم على مستوى وسائل التواصل والمعلوماتية، لعبا دوراً في انتشار ظاهرة الارهاب رغم كل الفوائد التي تحققت نتيجة ثورة المعلومات هذه لمحاربته واجتثاثه والتوعيه ضده، فلا شك ان وسائل الاعلام لعبت دورا في تشجيع الارهاب وانتشاره وتجنيد الشبكات الارهابية على مستوى العالم. وعليه فإننا نلاحظ ان محاربة الارهاب امر معقد ومتسع ومتشعب، وان هذه المحاربة لا بد ان تستند الى ارضية شاملة ومتكاملة، تنطلق من محاربته ايديولوجياً، ومواجهة آلة التجييش الارهابي والطائفي التي تعتمدها بعض القوى الخارجية لتفتيت منطقتنا العربية وتمزيقها، لصالح المشروعات الاستعمارية الخارجية، ومشروعات التوسع والهيمنة وعلى رأسها المشروعات الايرانية، الهادفة الى التمدد في منطقتنا على حساب المصالح العربية.