أكَّد د. حسن النعمي في ورقته التي قدَّمها عن (الرواية السعودية مسيرة بين إيقاعين) أن الرواية السعودية مرَّت بمراحل مختلفة في تطورها، وهي مراحل يمكن أن توفر قدراً من الفهم لطبيعة التطور الفني المنجز في كل مرحلة. غير أن دراسةً من هذا النوع - رغم أهميتها - ستنظر إلى الرواية من خلال تطور السياق الفني لكل مرحلة روائية، دون تركيز يُذكر على الخطابات التي شكَّلت تجربتها، أو محاولة تفسير غيابها أو حضورها من مرحلة إلى أخرى.وبيَّن النعمي أن قراءة الرواية السعودية قراءة سياقية تقتضي النظر إلى المكونات الخارجية التي شكَّلت الخطاب الروائي. وأضاف: إننا نرى أن أقرب وصفٍ لتجربة الرواية في ضوء السياقات الخارجية هو ما يمكن أن نصطلح عليه بالإيقاع. ومن هذا المنطلق، فإنه بالنظر إلى الرواية السعودية على امتداد تاريخها نجد أنها لا تخرج عن كونها تجربة إيقاعين لا ثالث لهما: الأول: إيقاع الرواية في مجتمع محافظ أو الإيقاع البطيء؛ حيث تنظر الثقافة المحافظة للفنون عادةً نظرة غير متصالحة، نظرة تحسب مكاسبها من توظيفها للفنون من حيث تطويعها لاتساقها وخطاباتها. ولذلك تضع الثقافة المحافظة محدِّداتها واشتراطاتها في علاقاتها بالفنون مسبقاً. ويؤكد د. النعمي أن مسيرة الرواية بدأت بما اصطلح عليه دارسو الرواية السعودية بمرحلة النشأة، وهي مرحلة تمتد من عام 1930م؛ تاريخ صدور رواية (التوأمان)، إلى أواخر الأربعينيات بصدور رواية (البعث) لمحمد علي مغربي، وهي فترة عقدين من الزمن واكبت بدء تكوين المجتمع السعودي وما صاحب فترة التكوين من استقطابات سياسية وقبلية وبناء مؤسسات الدولة الفتية حتى استقر المجتمع تحت الكيان السياسي الحالي. ثانياً: إيقاع الرواية في عصر متغيِّر أو الإيقاع المتسارع؛ حيث يمثل تسارع الأحداث السياسية والاقتصادية في العقدين الأخيرين من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين منعطفاً تاريخياً ليس في تكوين المجتمع السعودي فحسب، بل في مجتمعات المنطقة العربية بأسرها؛ فقد كانت حقبةً مليئةً بالأحداث الكبيرة التي هزَّت المنطقة، وكانت السعودية جزءاً من هذه الأزمات. د. غازي عوض الله عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز بقسم الإعلام اعتبر أن ورقة د. حسن النعمي عبارة عن دراسة ممتعة؛ حيث استوفت كل المنهجية التي ينبغي أن تقدم جرأة التناول عندما طرح الدكتور في الراوي والرواية. فيما تساءلت الأستاذة أمل القثامي: هل المجتمع المغلق وراء إنتاج جنسين أدبيين؛ أحدهما تنويري والآخر عكسه؟ وهل الرواية استطاعت أن توجِّه رسالتها رغم فقدان القارئ؟ فالكثير لا يقرأ الرواية. الوقت خان ورقة النعمي في تصوُّر الروائي عبده خال، ويذكر أن د. غازي القصيبي وتركي الحمد جاءا بعد ثُلَّة ممَّن كتبوا القصة، وأول رواية كُتبت لغازي القصيبي 1995م، بينما سبقها العديد من الروايات لعدد من الشباب، ولو اعتبرنا العواد صوتاً تنويرياً فنحن نشفق على حالنا، فما قاله لا نستطيع أن نقوله الآن. وأضاف: إذا أقر د. النعمي الرواية، لا تُوجد علامة فارقة في الفترة الأولى، فذلك للاستهلاك. الرواية السعودية من خلال البانوراما التاريخية لمسيرتها تلاحظ د. فاطمة إلياس افتقارها إلى المرجعية المحلية، ووجود فجوة معرفية بين الروائيين الحاليين والسابقين. الأستاذ غياث الشريفي قال: إن د. حسن النعمي تحدث عن تطور الرواية السعودية، وتحدث عن مشاريع هذه الرواية. وتساءل: هل حقَّقت الرواية السعودية مشاريع؟ وهل وصلت لمستوى التنوير الحقيقي؟ وهل حقَّقت إنجازات نقرأها؟ وهل أوجدت تغييراً حقيقياً في المجتمع؟ وهل وصلت إلى موقع يجعل لمثقَّف ينحاز إليها؟ وهل زيادة جرعات الحرية لها سيعطينا روايات سعودية مستقبلاً؟(التوأمان) كما يراها هاشمي الهاجري ليست نكسة، وقد اختارت أسلوب الوعظ، واختارت طريقة أقرب إلى الوعظ. عائض القرني بدأ مداخلته من حوار سابق مع د. حسن النعمي قال فيه: إن الرواية مكثت خمسين عاماً، وستبقى خمسين عاماً أخرى حتى يصبح لدينا رواية. وتساءل: - ماذا عن فترة التسعينيات؛ حيث صدر عددٌ من الروايات في هذه الفترة حظيت بالنقد، على رغم أنها معدودة؟ - وهل فعلاً لدينا رواية سعودية فيها تنوير؟ وأكَّد أننا مفتونون بالمصطلح. وتساءل أيضاً: - ما حدود المحافظ، وهل هي مطاطة؟ وعاد ليؤكِّد أننا أخطأنا الطريق عندما أردنا أن نبحث عن التنوير. الرواية شاملة في رأي عبد المؤمن القين، ويعزو سبب عدم أثر الرواية السعودية إلى عوامل عديدة، منها: - نزوع بعض الروايات إلى الوعظ. - التقليد الأعمى والتأثر بالروائيين العرب الذين يمثلون بيئات مختلفة. وأكَّد على أنه لا بدَّ من توخِّي الصدق والبُعد عن الأساطير والكذب الذي ليس من عادات العرب. د. أبو بكر باقادر الأديب المعروف ومدير الأمسية أكَّد أن الإبداع إحدى الوسائل التي تفتح الأبواب، ولعل مجيء الرواية تأسيساً، والرواية تستطيع أن تقدم نوعاً من البوح، والرواية الأخيرة لتركي الحمد (رائحة الجنة) محاولة للدخول إلى عقل الإرهابي. وتساءل: هل هناك رواية سعودية تستحق الترجمة؟ وعطفاً على ذي بدء أكد د. حسن النعمي أن الوقت وقف عائقاً أمام الورقة، وقال: إن إثارة التنوير في حد ذاته محاولة مهمة، وإشكالات التنوير يجب أن تبقى، ولن نحسمها، ويظل الاختلاف جزءاً من الثقافة التعددية. وقال: إن الثقافة المحافظة سؤال لا يمكن الإجابة عنه؛ فهي سلطة متجدِّدة. وفي إشارة منه إلى مداخلة كامل صالح التي قال فيها: إن الورقة كانت عزلة لدينا، قال: لدينا رواية راقية حاولت أن تتمرَّد، ولكنها لم تحضر، فبالتالي لم تؤثر ولم تكتسب مرجعية، الرواية التي نحاسبها يجب أن تحضر، لماذا نصرُّ على أن الرواية ليست فناً يجب أن يعيش في حياتنا؟! وفي تعليق له على مداخلة د. أبو بكر باقادر قال: إن الروائي سيستثمر الحدث وينتج الحدث. وكان متعارضاً مع سحمي بشأن (التوأمان) التي قال سحمي عنها: إنها ليست نكسة، فيما لا يزال د. النعمي يصرُّ أن تحمل هذه الحالة من النكسة.