ودع المشاركون في ملتقى الرواية منطقة الباحة مساء أمس بعد تسليط الضوء في جلسات اليوم الأخير على جماليات اللغة الروائية وسمات الشكل الروائي وتحولاته من خلال ثلاث جلسات متتالية،واستأثر إبداع الروائية السعودية رجاء عالم بقراءات النقاد إذ طبقت معظم الأوراق تنظيرها على فضاء ستر وخاتم ما يؤكد فرادة تجربتها السريالية وخصوصية تجربتها على المستويين المحلي والعربي . وشهدت الجلسة الأولى،التي أدارها خالد اليوسف قراءة مجازية في السرد القصصي قدمها أحمد صبرة واتخذ من رواية تركي الحمد " ريح الجنة " نموذجاً لورقته ذاهباً إلى أن الدور الذي يمارسه المجاز في اللغة يتجاوز حدود الشعر ليدخل في تلافيف اللغة من حيث هي نشاط إنساني،ناثراً حزمة من الأسئلة عن وجود المجاز في اللغة،وهل هو اختيار محض من منشئ اللغة،أم أنه فعل لا اختيار فيه،ومدى تأثيره ومستوياته وحدوده،ومدى إمكانية حضور التأويل في مواجهة لغة تقوم على الحقيقة والمجاز معاً،مستفهماً عن إستراتيجية التأويل وكيفية تعاطيها مع الجملة الحقيقية والمجازية،باعثاً استفسارات عدة عن اتهام تركي الحمد بالتعاطف مع منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر،أو دفع القارئ للتعاطف معهم،من خلال سردية " ريح الجنة " ،مرجعاً تفنيد التهم إلى سلطة اسم الحمد بما يحمله من خلفية ايديولوجية،وإلى الرسائل التي سيج بها النص،واللغة المجازية المحولة للخطاب من ظاهره إلى بؤر التأويل،فيما تناول الناقد أيمن بكر في ورقته سؤال المجاز من خلال جماليات اللغة الروائية،واصفاً عالم الروائية رجاء عالم بالمليء بالحيل الجمالية،خصوصاً على مستوى صناعة المجاز ،وافتتانها بلغة الحكي أكثر من اهتمامها بمنطقيته وتسلسل أحداثه،مشيراً إلى قدرتها على استنبات المجازات ما يحيل أسئلة القارئ إلى استعصاء الإجابات،واستعاضته عن الجواب باستثارة المزيد من الأسئلة،فيما استعانت الباحثة نورة القحطاني في ورقتها بنموذج الرسم البياني للغة الخوف وانعكاسها على تقنيات السرد في الرواية المحلية،لافتة إلى تأثير الخوف على التشكيل اللغوي للرواية سلباً وإيجاباً،وتحوله إلى حجاب ممانع لاستمرارية السرد ،موزعة أنماط الخوف إلى داخلية وخارجية،مشيرة إلى أن مفردات الموت والقبر والظلام والعدو والسلطة والدم والخطيئة مقدمات للخوف،تنتج الصمت والضعف والإحباط والهرب والعجز والارتباك والاستسلام ما يدفع البعض للتحايل على الرقيب باللغة أو اللجوء إلى الكتابة بأسماء مستعارة ،واصفة تشكيل لغة الخوف في رواية يوسف المحيميد فخاخ الرائحة بالتصاعدية،وفي رواية ليلى الجهني " الفردوس اليباب " بالتنازلية،فيما خص الناقد حسين المناصرة روايات " صالحة لعبد العزيز مشري " و " كائن مؤجل لفهد العتيق " و " أبو شلاخ البرمائي لغازي القصيبي " و " المنبوذ لعبد الله زايد " بقراءة في جمالية التعددية في الأصوات واللغات،مستنداً إلى منهجية المقاربة عبر إطارين احدهما تنظيري موجز،معتمداً نظرية النقد السردي من منظور " تودروف " مؤسس نظرية الحوار،والآخر تطبيقي موسع تتبع فيه إشكالية تعدد الأصوات واللغات،محاولاً استيضاح فاعلية السرد في تهميش الصوت الأحادي ،ذاهباً إلى أن فاعلية السرد تتكئ على انفتاح التعددية باعتبارها بنية جمالية مؤصلة في الكتابة السردية،مرجعاً استبعاده للرواية النسوية إلى كونها ذات خصائص إشكالية مغايرة . فيما توقف الباحث ظافر الشهري في الجلسة الثانية المخصصة لسمات الشكل الروائي وتحولاته " أمام التحولات المضمونية والشكلية في الرواية السعودية " متتبعاً سمات المراحل الأولية منذ صدور رواية عبد القدوس الأنصاري " التوأمان " عام 1930،ورواية حامد دمنهوري " ثمن التضحية " عام 1959، وما تضمنته من دلالات دخول الرواية السعودية مرحلة الفنية،مروراً بعام 1980،المؤذن بإطلالة الأقلام النسائية على عالم الرواية وإن اعتورت تجاربهن عيوب البدايات،واصفاً المرحلة من عام 2007 - 1981 بالذهبية إذ شهدت قفزات هائلة في الشكل والمضمون،ونضجاً فنياً متمثلاً في صدور ما يقارب ثلاثمائة رواية تجلت فيها السمات الفنية وروح التجديدية،فيما قدم الناقد عالي القرشي مقاربات تقوم على متابعة العلاقة ما بين تبدل الشكل الروائي وتحولات الرؤيا ،مفترضاً مواكبة تبدلات الرؤى لتغير الشكل ،بدءاً من فلسلفة النظر،ومروراً بما يكتنزه الصنيع الروائي من وعي متجدد بقيم الحياة وحركة الإنسان وعلاقته بعالمه وتطبيق الورقة على نماذج من الروايات المحلية،وناقش الباحث عبد الرحمن الوهابي مفهوم ضمنية القالب الروائي من خلال محورين أحدهما يعتمد الرؤية النقدية المعتمدة على العلاقة بين الخطاب الأدبي والسياق الاجتماعي،والآخر يستعرض سياسة السرد والمؤثرات في الرواية الأيديولوجية، وذهبت الباحثة أسماء الزهراني إلى أن الرواية التجريبية لم تنضج،مجردة روايات حظيت بالصدارة وتبوء رفوف دور النشر العالمية من التطور الكيفي،مستعرضة العلاقة بين ما ورائية السرد وبين التجريب،مع إقرارها بأثر النموذج الأجنبي والمحتوى المحلي في حضور التحول في الرواية السعودية وتقنياتها السردية،وأدار الجلسة رئيس أدبي الطائف جريدي المنصوري . فيما رحّلت الجلسة الختامية إلى ما بعد مغرب أمس ليتمكن أعضاء أدبي جدة من الوصول إلى الباحة لارتباطهم السابق بزيارة أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل للنادي مساء الثلاثاء ،وشارك فيها حسن النعمي بورقة عن بنية العنوان في الرواية السعودية،موضحاً أن صعود فلسفة التفكيك أعادت للعنوان أهميته باعتباره مبتدأ التأويل الجاذب لخيوط النص،والمؤثر في بنيته،ويلية استقباله،ووضعه في سياق يوازي المركز النصي،مرجعاً رواج نصوص على حساب أخرى إلى لعبة العنوان دون الاتكاء على جوهر النص،ما دفع الكاتب إلى مناطق غير أدبية بحثاً عن رواج تجاري،أو لتسجيل موقف،أو لتأكيد الحضور الأدبي المبكر،خصوصاً في ظل تنامي العناوين النازعة إلى الإستثارية والإغرائية،دون تماس مع السياقات الثقافية خارج المتن الروائي،ويرى سحمي الهاجري في ورقته " الشكل والدلالة الإضافية " أن رواية غازي القصيبي " شقة الحرية " أسست لمرحلة مختلفة في مسيرة الرواية المحلية،توازت مع حركة الأحداث المستجدة،والمتغيرات المتلاحقة،والتحولات المتسارعة،محيلاً سيادة المضامين والأفكارً إلى أن النبرة الخطابية العالية في روايات تلك المرحلة،إضافة إلى الاشتباك مع قضايا الشأن العام،ذاهباً إلى أن البنية الروائية بما تقتضيه طبيعتها من تعدد العناصر مجالاً لتوليد الدلالات المؤكدة والمتعدية للحمولات المضمونية المباشرة،واصفاً الرواية المحلية بالموظفة للمكنات الفنية لتعميق دلالاتها العامة،وربط محمد رشيد ثابت في ورقته الشكل الروائي وتحولاته من التفاوض مع السائد إلى اختيارات الذات " بين فعل الذات الجماعية المشكّلة لمظاهر السائد،وبين فعل الذات الفردية المتصرفة فيما يتحصّل لديها من السائد وإدراكه في ضوء رؤيتها وتصوراتها ،وإعادة تشكيله وفق العديد من الاختيارات،فيما اتخذ علي الشدوي من " القارئ في البدايات الروائية : تحولات البداية في عينة من الرواية السعودية عنواناً لورقته،وتناولت أسماء مغربي " هندسة الشكل : محاولة للتعرف على شكل رواية الجنيّة " وأدار الجلسة رئيس أدبي جدة عبد المحسن القحطاني . من جانبه توقع عضو اللجنة الاستشارية لأدبي الباحة الدكتور صالح زياد أن يستمر موضوع الرواية محوراً أساساً لملتقى الرواية في العام المقبل وربما لأعوام متتالية بحسب زياد،مع تأكيده على أن اختيار موضوع العام المقبل سيخضع لتصويت أعضاء اللجنة صالح معيض،ومعجب العدواني،ومحمد ربيع،علماً بأن أدبي الباحة أعد استبانات مخصصة لاستطلاع أراء ومقترحات ضيوف ومشاركي النادي في ملتقاه الثاني حول محور الملتقى الثالث . تشكيلي يكتشف موهبته بنفسه ! على هامش ملتقى الرواية الثاني أقام التشكيلي شرف الزهراني مواليد عام 1392 ه،معرضه الثالث في قاعة محاضرات فندق قصر الباحة من خلال خمسة عشر عملاً راوح بين التجريدي والسريالي،وأوضح ل " البلاد " أنه اكتشف موهبته بنفسه منذ ما يقارب عقد من الزمن،واشتغل على موهبته لتطويرها وتقديمها بشكل لائق عبر اللوحات ومجسمات النحت الحجري ،ومارس التجريب بتحرر كامل،متخذاً من " جنون الريشة " اسماً فنياً،ومؤملاً أن يجد اهتماماً من المؤسسة الثقافية،وأن ينضوي قريباً تحت مظلة جمعية التشكيليين السعوديين،فيما تفاعل ضيوف وحضور الملتقى مع أعماله مشيدين بتجربته ،مسجّلين إعجابهم بفنه في سجل الزوار . تفردت اللجنة الإعلامية لملتقى الباحة الثاني للرواية برئاسة الشاعر عبد الرحمن سابي،وعضوية مهدي الزهراني،وفهد حليلي بتفاعلها مع المشاركين،وتقديم الخدمة النوعية للجميع برحابة صدر وبشاشة وجه ما أسهم في امتصاص غضب مراسلي الصحف،ووكالة الأنباء ومعدي البرامج الإذاعية والتلفزيونية ومتابعي نشاط الملتقى،وأوضح بن سابي ل " البلاد " أن السعادة تغمره وفريق العمل معه إذ سجل الجميع عن لجنته انطباعاً إيجابياً مبدياً اعتذاره عما وقع من قصور،واستعداده لسماع النقد بحضارية ،مشيراً إلى أنه لم يتوان وأعضاء اللجنة في تقديم كل ما يخص الجانب الإعلامي مقروءاً ومرئياً ومسموعاً .