كتبت الأخت عبير النفيسة في عددٍ سابق من جريدة الجزيرة، عن مشكلة تؤرق مضاجع الكثير من الآباء والأمهات، وهي مشكلة عنوسة الفتيات، وأزيد عليها أيضاً عنوسة المطلقات والأرامل، وقد تطرقت الأخت الكريمة في مقالها إلى أكثر من سببٍ للعنوسة، ولكني أعتقدُ أن أبرز أسباب العنوسة، هي الرغبة في مواصلة الدراسة، ووجوب تزويج البنت الكبرى قبل الصغرى، ورفض معظم الفتيات الزواج من معددٍ أو مطلق، وإذا أخذنا كل سبب على حدة، فإن الدراسة كانت سبباً في حرمان الكثير من الفتيات من الزواج، أو كانت سبباً في ذهاب فرص من ذهب للاقتران بزوجٍ كفء، مع أن كل فتاة لو فكرت بشيءٍ من المنطق لأدركت أنها تستطيع أن تجمع بين الدراسة والزواج، بل وتستطيع كذلك أن تجمع بين الوظيفة والزواج والأمومة، والنماذج السعيدة أكثر من أن تحصر لفتيات حققن هذه المعادلة السهلة، كما أن النماذج التعيسة أكثر من أن تحصى لفتيات ندمن على تفضيلهن الدراسة على الزواج، ولكن في الغالب يكون ذلك بعد فوات الأوان، خاصة عندما يرين من كان قد تقدم لهن قبل سنواتٍ، ورفضنه بحجةٍ واهيةٍ وقد أصبح أباً، وهن لا يزلن عازبات، فتحدث ردة فعل عكسية حيث تتنازل الواحدة منهن عن كل شروطها، ويصبح هدفها في الحياة أن ترتبط بأي رجلٍ حتى لاتحرم من كلمة ماما، التي سينطقها طفلها المنتظر. كما أن رفض الفتاة الزوج إلى أن تتزوج أختها الكبرى، يعتبر في نظري مشكلة ترتكبها في حق نفسها، خاصة إذا ما تقدم لها الكفء الذي لا يمكن تعويضه، فمن يعرف الحياة جيداً يُدرك أن الفرص لا تتكرر إلا مرة واحدة، سواء كان ذلك في الزواج أو في التجارة أو في كل مناحي الحياة، والمحظوظ هو من يستغل الفرص ويستفيد منها ويعض عليها بالنواجذ، والتعيس هو من يضيّع الفرص، ثم يضع يده على خده ويندب حظه العاثر الذي لابد أن تدركه وتعيه كل فتاة تخشى على شعور أختها، أن توقن أن الله سبحانه وتعالى، قد يكون كتب عنده أن أختها الكبرى لن تتزوج إلا عندما تتزوج هي، وقد حصل ذلك فعلاً حيث، كان أحدهم يرفض أن يزوِّج ابنته الصغرى إلى أن تتزوج الكبرى، فلما طال به الانتظار خشي أن يكون في منزله عانستين بدلاً من عانسة واحدة، فوافق أخيراً على زواج الصغرى قبل الكبرى، وعندما عقد قران الصغرى، خطبت الكبرى ودخلت على زوجها قبل أن تدخل الصغرى. وهذا الأب الشجاع تصرف بحكمة قبل أن يفوت الأوان، ودون أن يخشى أن ينتقده المحيطون به على تصرفه، كحال ذلك الشخص الذي زوّج الصغرى قبل الكبرى، ولكن لم يكتب الله لزواجهما الدوام ووقع الطلاق، فانهال الجميع عليه لوماً وتقريعاً حتى وصل الحال بأحدهم إلى أن يقول له، هذه عقوبة الله فيك بسبب تزويجك الصغرى قبل الكبرى، وكأن هذا الأب ارتكب كبيرة من الكبائر، بل وكأن تلك الفتاة هي أول وآخر من وقع عليها الطلاق. وأخيراً ليسمح لي الجميع، بأن أضع أكثر من علامة استفهام على بعض الأسر، التي تقابل كل من يرغب في التعدد بالرفض، بل والغضب والتعجب، حين تجرأ وجاء يخطب ابنتهم وله زوجة وأولاد، وكما أن الأهل يرفضون. فكذلك الفتاة ترفض بشدة أن ترتبط بمعدد، حتى وإن كان الزمن يسير في غير صالحها، بل بعض الفتيات ترد بثقة متناهية على من ينصحها، بقولها إنها تفضّل الجلوس دون زواج على أن ترتبط بمعدد، والمسكينة لا تدري أن الزمن يقهر من لا يُقهر ويغير من لا يتغير، بل ويحطمه في أحيانٍ كثيرة، حيث قد نراها بعد سنوات وقد أصبحت زوجة ثالثة أو رابعة، بعد أن كانت ترفض أن تكون ثانية، وبعد أن كانت في زمن الصبا تضع الشروط التعجيزية، بهدف تطفيش العرسان أو زيادة منها في الدلال، نراها وقد أصبحت تتوسل العثور على عريس بعد أن دار الزمن دورته، فسبحان الذي جعل لكل شيء إذا ما تم نقصان. وأعتقدُ أن المجتمع بكل فئاته يظلم الزوجة الأولى، حينما يجزم بأن وراء كل زيجة ثانية زوجة أولى فاشلة ومهملة، فالتعدد الكثير من الرجال يرغبه ويتمناه، والقليل منهم من يقدم عليه، وبالتالي فالزوجة الأولى قد يكون ذنبها الوحيد، أنها تزوجت ممن لا يستطيع العيش مع زوجةٍ واحدة حتى وإن كانت ملكة جمال الكون، وأفضل النساء حسباً ونسباً، ولكنه المجتمع الذي يبدأ في التأويل والتخمين، وطرح الأسئلة عن السبب الذي يدعو فلاناً من الناس لكي يتزوج على زوجته وأم أولاده، وكأنه لابد أن يكون هناك سببٌ أو عيبٌ يتعلق بها، لكي يتزوج زوجها عليها. علي بن زيد القرون/حوطة بني تميم