الزواج سنة الحياة ونصيب كل شاب وفتاة إلا أن البعض قد يقف حجر عثرة أمام سنة الحياة ونصيب الشاب أو الفتاة وذلك حين يرفض أهل الفتاة الشاب الذي يمتاز بحسن الخلق والدين والمتقدم لخطبة ابنتهم الصغرى بسبب عدم زواج الابنة الكبرى بعد، والأهل في هذا الموضع يقفون حائرين بين نداء العقل والدين بالموافقة استجابة لحديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه حين قال: “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه” وبين نداء العاطفة وإلحاحها على عدم كسر الخواطر فإن تمت الموافقة على الزواج سعدت الابنة الصغرى وتألمت الابنة الكبرى نفسياً وإن تم الرفض شعرت الابنة الصغرى بالظلم والقهر، ولا شك فيه أن هذا الموقف يتكرر في عدد من المنازل التي يرفض أهلها تزويج الأخت الصغرى قبل الكبرى. جرى العرف الاجتماعي أن يتم تزويج الأخت الكبرى قبل الصغرى، وكانت هذه القاعدة السائدة في السنوات الماضية، وكانت تحكمه آنذاك أسباب ترتبط بالعادات والتقاليد والأعراف أكثر مما هو مرتبط بأسباب دينية أو حتى صحية إذ كان يتم تزويج الكبرى أولاً لأنها الأكثر مناسبة وجاهزية للزواج، وكان الوالدان يترددان أكثر من مرة أو قد يصل الأمر في الكثير من الأحيان إلى الرفض إذا ما كان الأمر يتعلق بزواج الصغرى قبل أختها الكبرى. ومن وجهة نظري لا أرى أي مانع لرفض بعض الأسر تزويج الفتاة الصغرى قبل الكبرى لأن مسألة الزواج يحكمها القسمة والنصيب والأمر في النهاية هو (مكتوب) كما هو معروف ومعلوم لدى الجميع، وأنه من الظلم أن نحرم الفتاة الصغرى من نصيبها من الزواج بسبب الأخت الكبرى التي لم يأت نصيبها بعد، والمولى عز وجل لا يرضى بذلك ولا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قال: “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) الذي يؤكد على أن الأهم مواصفات الشاب المتقدم للخطبة وضرورة مناسبته للفتاة، أما ما يقال حول زواج الصغرى قبل الكبرى وأن ذلك يسبب قطع نصيب للأخت الكبرى هي نظرية خاطئة ولا أساس لها من الصحة تماماً ومخالفة للسنة المحمدية التي جاءت تنادي بموافقة زواج الشاب ذي الخلق والدين وعدم الوقوف أمام ما قسمه الله للفتاة من نصيب وما كتبه من حظ، ومن المعروف لنا جميعاً أن نسب العنوسة اليوم تتزايد شيئاً فشيئاً وإن المتمسكين بهذه العادة السابقة هم في الحقيقة يزيدون من هذه النسبة ويجعلونها في ارتفاع وتزايد مستمر مع مرور الأيام في الوقت الذي نحن بحاجة فيه إلى ضرورة التعاون والتكاتف في محاولة التقليل من هذه النسبة وليس لزيادتها، ولهؤلاء أقول: لنفرض أن الفتاة الكبرى ليس لها نصيب وأن الله عز وجل لم يكتب لها الزواج فهل نحرم الصغرى إكمال نصف دينها؟!! وبهذه المناسبة فقد أجمع علماء النفس أن رد الخاطب بحجة تزويج الكبرى قبل شقيقتها الصغرى قد يؤدي إلى قيام عداوة وبغضاء ونفور بين الأخوات نتيجة الاحساس بأن إحداهما تقف في طريق سعادة الأخرى، وقد ينتج عن ذلك مشكلة كبيرة بين الأب والابنة حيث يحول بينها وبين سعادتها، وربما يمل الخطيب من كثرة انتظار قدوم فارس أحلام الأخت الكبرى ويضطر إلى فسخ الخطبة أو الذهاب بلا رجعة، أو ربما تحدث الطامة الكبرى بأن تضحي الأخت الكبرى وتوافق على أي عريس يتقدم لها من أجل عيون أختها الصغرى وغالباً لا تدوم هذه الزيجة طويلاً ويحدث ما لا يحمد عقباه. ومن هنا يرى علماء النفس أن الحل المثالي لهذه المشكلة يكون بأخذ رأي الأخت الكبرى واشراكها في الموضوع بشكل مباشر بل وجعلها المتحدث باسم أختها في كثير من الأمور فتختار معها فستان الزفاف مثلاً أوترافقها في رحلة شراء متطلباتها وهي أمور بسيطة ولكن أثرها في إزالة المشكلة كبير وفعال. ومن هنا على الأب الذي يتعرض لمثل هذا الموقف أن يتقبل الموضوع بهدوء وأن يكون سنداً لابنته الصغرى وألا يقف حجر عثرة في طريق سعادتها ومستقبلها، كما أن عليه ألا ينسى مشاعر ابنته الكبرى وأحاسيسها فهي الأخرى بحاجة إلى من يدعمها نفسياً واجتماعياً وإلى تزويدها بجرعات من الإيمان والأمل والثقة،أما الأم فعليها أن تعالج الأمر بميزان متكافيء بين العقل والعاطفة فالصغرى بحاجة ماسة إلى رجاحة عقل أمها والكبرى بحاجة إلى عاطفة جياشة تحتويها فلتكن أماً عاقلة حيال مستقبل ابنتها الصغرى وحنوناً تحتضن حزن الكبرى وتعمل على إقناعها بقضاء الله وقدره وبالقسمة والنصيب، وعلى الأخت الكبرى أن تتقبل الأمر بحكمة وأن تقتنع بأن خطبة أختها الصغرى قبلها أمر لا يعيبها وأن نصيبها سوف يأتي بإذن الله، أما الأخت الصغرى فعليها أن تشكر الله عز وجل على نعمه وألا تجعل خطبتها سبباً في جرح مشاعر أختها الكبرى بل تحاول التقرب منها والتودد إليها واستشارتها والثقة في رأيها ودعمها نفسياً ومعنوياً وإيمانياً. أما أفراد المجتمع فعليهم مراعاة مشاعر الأخت الكبرى وذلك بتخفيف النظرات والهمسات الجارحة والغمز واللمز.. والله من وراء القصد وعليه الاعتماد. همسة: قال الله تعالى في محكم التنزيل: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) صدق الله العظيم