يظل الطب - حديثه وقديمه - شعلة تضيء دروب الحياة التي يدب فيها البشر، حتى تأصلت أهمية الطبيب في الحياة الإنسانية منذ القدم، لتُسَجِّل مدونات التاريخ العديد من القصص والحكايات والرؤى القوية حول هذه المهنة وأدوارها.. إلا أن ما يلفت الانتباه في هذا السياق هو أن الشعراء ظلوا - ومنذ أن تخلقت قرائحهم - يتناولون مهنة الطب وأهله بصور خيالية لا تبصر إلا الحاجة إليهم حينما يجأرون باللوعة والنواح، بل ونقرأ في مدونات التراث الكثير من هذه الصور الشعرية حول مهنة الطب والأطباء أو الحكماء، فقد حاولوا استحضاره، لعله يقيلهم من عثرات الدهاء العاطفي العميق، ليصفوه بصفات حالمة محلقة، ابتداء من وصف الطبيب بالحكيم النطاسي إلى التطاول بوصف التمريض بالأدوار الملائكية أو (ملائكة الرحمة). فمنذ قيس بن الملوح ونداءاته وأمانيه أن يكون طبيباً ليهُبَّ لنجدة محبوبته ليلى المريضة في العراق الجريح، وحتى تهويمات شعراء الجيل الجديد الذي لا يزال يستشعر حاجته للطبيب في تكرار نمطي لا يأتي بجديد، وقد تسيء إلى الطب ومهنته الرائدة بعض تلك الكتابات والمعالجات الدرامية العبثية التي تجعل الطبيب في نمطية سلبية مؤذية: (الحالة متأخرة، ما فيش فايدة، الراجل مات وشبع موت.. البقية بحياتكم) وما إلى ذلك. الأعمال الروائية الجديدة لا تزال تجاهد في التغلب على آثار هذه النمطية، لنرى كُتّابَ الرواية وهم يرسمون بواقعية حالة الطبيب، حيث نراه يشتري سيارته بالتقسيط ويتزوج بالتقسيط أيضاً، بل يمرض بالأنفلونزا ويخرج للبر، ونراه في سوق الخضار، وفي مواقف إنسانية كثيرة.