يطوف بنا الشاعر في هذه الأبيات نحو كثير من الشجون والتجارب كأنه حكيم لا يود أن يصمد عن ابداء حكمته ورؤيته للحياة.. انه ينادي اولئك الشعراء الذين امتاز شعرهم بالكلمة الناصحة والحرف المذاب في وهج المعنى.. لنقرأ شاعرنا في هذه الابيات التي جادت بها قريحته ونذهب معه بعيدا فيما أراد الذهاب اليه. شيئان إن وُجِدا لم نَدْرِ قدرَهُما=حتَّى يزولا.. بريقُ الجاهِ والمالُ وصحَّةُ الجسْمِ كنزٌ.. والشبابُ غِنًى=إن ضُيِّعا.. لم يَطِبْ عيْشٌ ولا حَالُ والعَقْلُ للمَرْءِ نِبْراسٌ يَسِيرُ بهِ=بين الظلام.. وداءُ الجهْلِ قَتَّالُ وقيمةُ المرْءِ فيما عَاشَ يُحْسِنُهُ=والعمْرُ تُحْلِيهِ.. أحلامٌ وآمَالُ والناسُ شيمتُهمْ .. قولٌ بلا عَمَلٌ=ما أرخص القولَ.. إن لمْ تَتْلُ أفْعَالُ ورأيْتَنِي.. أدنو إليك فلم تقِفْ=وحْدِي أسِيرُ وقد تغيَّرَ حالُ الوجهُ غيَّرهُ ولوَّنهُ الأسَى=حيرانَ.. لا جاهٌ ولا أموالُ ورمقْتَني.. وأشحْتَ عنِّي مَعْرِضاً=ومررْتَ بي متجاهلاً.. تختالُ وتركْتني أرنو اليك محطَّمًا=نَفْسِي تَئِنُّ وفي العيون سؤالُ ما أنتَ أكرم في الحرير ولا أنا=بأقلَّ منك.. تلفُّني الأسْمالُ فإلى قصيرٍ واحدٍ ندنو مَعًا=وتسيرُ مسرعةً بنا الآجالُ ما أرْوَعَ الإيمانَ يمْلَؤُنا سَنًى=ونحِسُّ بيْن رحَابِهِ .. بأمانِ يُضْفِي على أرواحِنا وقلوبِنَا=ألَقَ الرِّضا.. وسَكِينةَ الرضْوانِ ويضيؤنا بالحبِّ يعْبقُ كالشذَى=في الرُّوح يغسِلُها من الأدْرَانِ يسْمُو بنا فوقَ الضغائن نَجْتَلِي=سِحْرَ التجرُّدِ من قَذَى الأبدانِ وتشفُّ فيه نفوسُنا في رِقَّةٍ=ونذوقُ فيهِ حَلاوَةَ الغُفْرانِ وإذا اختبرْتَ الناسَ سوف تراهمُ=إما ذئَابًا.. أوْ ظِباءً يرْتَعونْ إن شِئْت تمحيصًا.. فقرِّبْ نحوهُمْ=أشتاتَ قوتٍ.. ثم لاحظْ ما يكونْ من يدْنُ من قوت البطون فإنه =مهما تخفَّى وارْتدَى ذئبٌ خؤونْ أما الذي يدْنو إلى قوت القلوب=فإنه.. روح محلَّقةٌ.. حنونْ فالناسُ مخلوقونَ من روحٍ وطينْ=يسمو الفتى بالروح أو يدنو بطينْ