الأمطار خير وبركة.. نعمة من رب العالمين على العباد.. يسقي بها الزرع، ويدر بعشبها الضرع.. ينظر إلى هبوطها بأنها نعمة ورضا من الله على العباد والبلاد، وتأخر نزولها من مواسمها يدل على أن الناس في حاجة إلى الرجوع إلى الخالق.. في حاجة إلى أن يستغفروه ويتوبوا إليه، ويخلصوا في عبادته، وإلى دفع ما فرضه الله عليهم من زكاة وصدقة.. يفرح بهطولها الجميع.. وتزداد بها فرحة المزارعين وأصحاب المواشي وأهل الأرياف.. سكان المدن يفرحون بها باعتبارها رحمة نازلة، وعلامة رضا إلهي ظاهرة.. لكن مع ذلك نجد بعضهم يتضايق منها ويفضل نزول الأمطار على الآكام والسهول وحول المدن لا عليها.. والسبب في ذلك وضع الشوارع غير السليم، وتخطيها غير الملائم.. وعدم تهيئتها للتعامل مع مشكلة الأمطار. الله خلق الأرض وجعلها جبالاً وهضاباً وودياناً وسهولاً.. تنساب السيول في تلك الأراضي لكي تستقر حيث السهول، وحيث مكامن العشب، يأتي الإنسان ويغير في تلك الطبيعة، ويسخرها ويعدلها حسبما تتطلب أغراضه، يعمل السدود التي تحتجز المياه في مواقع معينة لتحقيق أهداف محدودة. يحول مجاري السيول من مناطق الفائدة منها قليلة إلى مناطق الفائدة منها أعظم وأشمل.. قد يحول الإنسان منطقة تجمع سيول إلى مناطق سكنية, ولكنه يحميها من هذه السيول. يحول مسار السيول، يضع الحواجز والسدود التي تحمي المساكن من المياه، يعمل مجاري داخل المساكن لتصريف تلك الأمطار لكي لا تدمر المساكن. أي إن الإنسان في تعامله مع الأرض يأخذ في اعتباره مخاطر السيول وآثارها. لكن ما نلاحظه في شوارعنا الرئيسية منها والفرعية تجاهل المخططين المنفذين لتلك الآثار والمخاطر.. لا تكاد الأمطار تهطل إلا وترى الشوارع قد تحولت إلى برك ومكامن لحفظ المياه.. تعطل حركة السير، توقف السيارات ووسائل النقل عن المسير، لماذا تشكل لنا شوارعنا مشكلة كبيرة في موسم الأمطار والمدة التي تهطل فيها السيول محدودة، في حين أن الأمطار لا تشكل أي مشكلة لمدن العالم التي تهطل عليها الأمطار طيلة السنة أو تكاد وبكميات كبيرة وغزيرة، السبب في نظري المتواضع ما يلي: 1- عدم أخذ مناسيب الأرض في الاعتبار عند تخطيط الأحياء والشوارع الفرعية والرئيسية، وجعل تلك الشوارع بمنسوب أعلى من بعضها البعض بحيث تجري مياه تلك الشوارع من واحد إلى آخر إلى أن تصل إلى نقطة محددة تصرف بها تلك المياه إما في قنوات أو في مجارٍ، ونتيجة ذلك الخلل تتراكم المياه في الشوارع أو في نقاط معينة، واللجوء إلى شفطها بالوايتات أو تركها تجف وتتبخر. 2- عدم دك الشوارع وتسويتها دكاً جيداً يمنع هبوطها في أي منطقة من الشوارع، وهذا عائد إلى سوء التنفيذ وعدم دقة الإشراف، وربما عدم دقة أو وضوح الشروط والمواصفات التي رسي على ضوئها المشروع، وما يلاحظ نتيجة ذلك هبوط بعض أجزاء الشوارع خاصة في الوسط أو في الأطراف وبالتالي تشقق ذلك الموقع وتراكم المياه به. 3- عدم وضع ميول لكل شارع من الناحيتين الطولية والعرضية، من حيث العرض يجب أن يكون هناك ميول لأحد أطراف الشارع إذا كان مساراً واحداً. ويكون ميولاً للطرفين إذا كان الشارع مسارين وكان عرضه يزيد على عشرة أمتار، يكون الوسط مرتفعاً قليلاً عن الأطراف بارتفاع يجعل المياه تنحدر مهما كانت كميتها إلى جانب أو جانبي الشارع، أما من ناحية الميول الطولي فيجب أن يعمل ميول للشارع بكامله من الجوانب بحيث يسمح بجريان المياه التي تتجمع من وسط الشارع وجوانبه إلى منطقة محدودة في بداية الشارع أو نهايته، وإذا كان طويلاً يعمل غرف صرف تستقبل المياه من الجهتين، وتوصل هذه الغرفة بأنابيب تحت الشارع تحولها إلى شارع أخفض من تلك الغرف أو إلى مجاري تصريف تستقبل المياه دون أن تظهر الروائح. 4- التعديلات التي تحدث في الشوارع من عدة جهات.. لا يكاد شارع ما أن يسفلت وينعم السكان بخيره إلا وتتسابق إليه الأيدي بالحفر والردم والتشويه.. بعض هذه الحفريات تأتي مطاولة للشارع من بدايته إلى نهايته، وبعضها يقتطع الشارع من مقطع أو عدة مقاطع، قد يصعب إيقاف هذه التعديلات أو التعديات على الشوارع، ولكن يمكن درء سيئاتها بعدد من الحلول، منها إذا كان الشارع رئيسياً وعريضاً بأن يعمل خندق في أحد جوانبه لتمديد المياه والكهرباء والهاتف وحتى السيول، خاصة في الأحياء الجديدة التي يخططها أصحابها والمطورون لها قبل البيع، يمكن إلزامهم بذلك لأي شارع يزيد عرضه على ثلاثين متراً، أما الشوارع الأقل من ذلك فيفرض عمل التمديدات الكهربائية والصحية والماء والهاتف قبل سفلتتها. ومع ذلك فلن تسلم الشوارع من تلك التعديلات، أما التعديلات أو التعديات على الشوارع الحالية فيكمن في إلزام أي جهة كانت سواء كانت شركة أو مؤسسة أو أفراداً يريدون حفراً بأي شارع أن يقدم تأميناً للبلدية المعنية يكفي لإعادة إصلاح الشارع، وأن تكون هذه الإعادة حسب شروط ومواصفات تعدها البلديات وتشرف على تنفيذها. أما الشوارع الحالية فإني أقترح لإصلاحها ما يلي: أ - وضع برنامج لإعادة سفلتة الشوارع (سفلتة فقط دون رصف ودك) وزيادة طبقات الأسفلت بحيث توجد في الشارع الميول التي تحدثت عنها في الفقرة (3) أعلاه. ب- تكليف البلديات الفرعية في المدن الكبيرة، وبلديات المدن الأخرى التي يوجد بها بلدية واحدة بمتابعة الشوارع أثناء هبوط الأمطار وحصر الشوارع التي تبقى بها المياه، ووضع حلول لعلاجها، من هذه المعالجة تصريفها على أقرب غرفة لمجاري السيول أو المجاري الصحية أو تصريفها بأنبوب إلى شارع أقل ارتفاعاً من ذلك الشارع وما إلى ذلك من الحلول الملائمة حسب كل حالة. ج- تقليل التعديات والحفريات في الشوارع الحالية قدر الإمكان، وإذا ما أريد تعديل أو حفر شارع معين فيمكن مخاطبة الجهات الخدمية الأخرى عن مدى حاجتها إلى أي إجراء في ذلك الشارع لكي يكون الحفر شاملاً ومغطياً لحاجة أكثر من جهة، وعدم انتظار جهة ما انتهاء جهة أخرى لكي تشرع في التعديل أو تنفيذ الخدمة، وقبل الموافقة على الحفر يجب مناقشة ضرورته ومساره وتكاليفه، ومدته وضماناته، قد تقترح شركة معينة إيصال الخدمة من نقطة معينة، تحفر مسافة طويلة في الشارع في حين أن زيارة الموقع من قبل عدة جهات ربما ينتج عنه توفير تلك الخدمة من مصدر أقرب. د- من المعروف أن لكل شيء عمراً، وسفلتة الشوارع لها عمر، قبل انقضاء ذلك العمر يجب أن تقدم البلدية المسؤولة لدراسة سيول ذلك الشارع وعمل تصميم يكفل تصريف الأمطار ووضع شروط ومواصفات لإعادة سفلتة الشارع، آخذة في الاعتبار ميول تصريف الأمطار وقنواتها اللازمة. بهذه الخطوات سوف يكون لدينا - بحول الله - شوارع جيدة، شوارع تزدان بالمطر نظافة وبهاءً، وبذلك يكون المطر كله خير وبركة.. الأمل معقود في صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالعزيز وزير الشؤون البلدية والقروية بتبني تلك الأفكار والتوجيه بتنفيذها. حفظ الله مملكتنا الحبيبة وحقق لها ولأبنائها الأمن والخير والرضاء.