هطلت أمطار على غالبية مناطق السعودية أمس. واذ كانت متوسطة في مدن الرياضوالدماموالخبر والقطيف والمراكز التابعة لها، فانها تساقطت غزيرةً على منطقة عسير، بينما كانت خفيفة في محافظة الأحساء وضواحيها، ومحافظة حفر الباطن. وبدا عمال الشركات المتعاقدة مع بلديات مدن الشرقية في سباق مع المطر، فما ان تساقطت أولى الزخات حتى انتشرت سيارات شفط المياه في الشوارع، معلنة استنفاراً للبحث عن أماكن تجمع المياه في سباق ماراثوني معها. ويعود السبب إلى عدم وجود شبكة تصريف للمياه، إضافة إلى تشوهات الطرق التي جعلت شوارع حفراً مهيأة للتحول إلى برك مياه مع أقل كمية مطر. وتحاول البلدية تصريف المياه والسيطرة على البرك بطرق عدة، منها شفط المياه بصهاريج ضخمة، وتصريفها في أماكن بعيدة أو بتوزيع معدات لشفط المياه من البرك، وضخها مباشرة في شبكة الصرف. لكن ما شهدته شوارع المنطقة بعد هطول المطر بدا أكثر طرافة من ألعاب السيرك، ورصدت عدسة "الحياة" احد العمال يرتدي ثياباً واقية من المطر الذي ينهمر في غزارة، ويتجمع حول إحدى إشارات المرور في شارع الأمير مشعل بن عبدالعزيز في الدمام، فيما يحاول عامل آخر مسابقة المطر بآلة الشفط التي تعيد ضخ المياه في شبكة الصرف وقت الظهيرة. وفي الصورة الأخرى زميله يواصل مراقبة الآلة في ساعة متأخرة من الليل. وأرجع مصدر في قسم التشغيل والصيانة في أمانة مدينة الدمام سبب تأخر تصريف مياه الأمطار في المناطق غير المخدومة بالشبكة في مدن وقرى المنطقة الشرقية، خلال موسم الأمطار إلى استخدام المضخات الثابتة والمتنقلة في التصريف، ما يتطلب وقتاً طويلاً في حال هطول أمطار كثيفة. وقال المصدر ل"الحياة"إن الأمانة تواصل تنفيذ خطوط جديدة لتصريف الأمطار تدريجياً من المواقع الرئيسة قرب من الشبكات القائمة، وبحسب الإمكانات المتوافرة. وأضاف ان تصريف مياه الأمطار يتم حالياً من خلال محطات وشبكات الصرف التي تغطي مساحة محدودة من المدن التابعة للأمانة، وتقدر بنحو 30 في المئة من مدينة الدمام، و25 في المئة من مدينة الخبر، ما يتسبب بصعوبات في عمليات التصريف في المناطق غير المخدومة بالشبكات. وأوضح أن جميع مشروعات التزفيت في المدن التابعة للأمانة تنفذ وفقاً لمواصفات فنية حديثة، يطورها المختصون في الأمانة في شكل مستمر، بالتعاون مع جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وبمشاركة عدد من المكاتب الاستشارية المتخصصة في المنطقة. وأكد ان المختصين في الأمانة يحرصون على توفير الميول الطولية والعرضية الكافية في الشوارع التي تتم سفلتتها حالياً، إلا أن ارتباط بعض الشوارع ومداخل المباني المنخفضة تحول دون تطبيق هذه المعايير. ولفت إلى أثر سلبي لبعض مشاريع تمديد الخدمات العامة على الميول الطولية والعرضية للشوارع، إضافة إلى مداخل مواقف السيارات التي ينشئها بعض المواطنين في الجزء المسفلت من الشارع أمام منازلهم، ما يؤدي إلى تجمع مياه الأمطار أمامها. أما أهالي محافظة حفر الباطن فاختلط مشاعر السعادة والخوف والترقب عندهم مع عودة موسم الأمطار، تحسباً لتكرار السيول التي أغرقت المدينة الأعوام الماضية، وما ترتب عليها من توقف الدراسة وتعطيل أمور حياتهم. وتغطي مياه الأمطار مدينة حفر الباطن من جوانبها كافة، بسبب وقوعها في مجرى وادي، وحينها لا يتمكن سوى قلة من الوصول إلى أعمالهم أو حتى منازلهم. ويقول أحد قاطني المدينة عبد الله السبيعي : "بذلت الجهات المختصة جهوداً كبيرة لإغاثة المحاصرين العام الماضي ومساعدتهم، لكن المشكلة كانت أعظم من قدراتهم وإمكاناتهم، ولم تتمكن البلدية ومصلحة المياه والصرف الصحي والدفاع المدني من شفط مياه الأمطار أو تصريف السيول, التى ساهمت جغرافية المدينة فى حدوثها". ويضيف: "لو كنا من أبناء السواحل لاستخدمنا القوارب لإنقاذ من تحاصرهم السيول كل عام". وتحيط مرتفعات جبلية بمدينة حفر الباطن، جعلتها أشبه بواد، ما أدى الى اندفاع مياه الأمطار من المرتفعات الى عمق المدينة. ويعتقد سلامة الظفيري أن "الطبيعة إذا ساهمت فى كارثة السيول فإن للإهمال البشري اليد الطولى في ما آلت إليه الأمور". ويرى أن "الأسباب التي أدت إلى تفاقم المشكلة لا تزال قائمة حتى الآن، ولم تحدث إصلاحات حقيقية يمكن الاعتماد عليها في منع تكرار مشكلة سيول العام الماضي". ويضيف: "لا تزال المحافظة تعتمد على نظام صرف صحي وتصريف مياه أمطار قديم لم يعد يستوعب الزيادة السكانية والطفرة العمرانية التي شهدتها في السنوات الماضية، فتعداد السكان يتراوح بين 400 إلى 450 ألف نسمة". ويلفت الظفيري إلى أن الأهالي لجأوا إلى حفر "بيارات" فى منازلهم للفضلات، وهو يعتقد أنها تضر بالبيئة وتؤدي الى اختلالات في بنية التربة في الأحياء السكنية. كما أنها تشكل خطورة على المياه الجوفية التي تختلط بالمخلفات الآدمية المتسربة منها. لكنه يذكر بأن "مشاريع توسعة شبكة الصرف لم تبدأ بعد كارثة سيول العام الماضي". ويؤكد لافي دهيم الذى تفاجأ بانهيار "بيارة" منزله، محدثة حفرة قطرها 2.5 متر أن أحداً من أسرته لم يصب بأذى "لأنهم لم يكونوا بجانبها وقت الانهيار، خصوصا الأطفال اللذين اعتادوا اللعب فى تلك المساحة". ومن تبعات كارثة السيول كما يقول دهيم: "تعرض الشوارع والطرق العامة المسفلتة إلى انهيارات وهبوط وتشققات نتيجة بقاء مياه الأمطار لفترة طويلة، كما أدت السيول الى انخفاض أسعار بعض الأراضى والمخططات السكنية التى كشفت السيول عن وقوعها على مجرى شعيب الباطن، ما يعنى أنها "منقع للمياه".