في مثل هذا اليوم 25 صفر من عام 356 الهجري، توفي سيف الدولة الحمداني أبرز أمراء الدولة الحمدانية، وباعث النهضة الحضارية والثقافية في عهد الحمدانيين الذين ترجع جذورهم إلى تغلب بن وائل بن قاسط رأس قبيلة تَغْلِب الشهيرة، والذي ينتهي نسبه إلى ربيعة بن نزار. وُلد الأمير (سيف الدولة علي بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدون التغلبي) في 303ه (915م) في مدينة (ميافارقين) - أشهر مدن ديار بكر - على إثر تولي أبيه إمارة الموصل. وأظهر سيف الدولة استعدادا كبيرا ومهارة فائقة في القنص والرمي وركوب الخيل منذ صغره. ولم يكد يبلغ العشرين من عمره حتى صار فارسا لا يُشَقّ له غبار، وخاض العديد من المعارك الطاحنة ضد أعداء الدولة. واستطاع الأمير الشاب أن يحقق انتصارا عظيما على البريديين الذين اقتحموا بغداد عام 330ه (942م) ودفعوا الخليفة العباسي (المتقي لله) إلى الخروج منها، واللجوء إلى الموصل للاستنجاد بالحمدانيين، فلما حقّق الأمير الشاب (علي بن أبي الهيجاء) النصر على البريديين، أنعم عليه الخليفة بلقب (سيف الدولة). وبدأ نجم سيف الدولة يعلو ويسطع منذ ذلك الحين، واتخذ من مدينة (حلب) مركزا ليبدأ منه مرحلة جديدة من حياته، حيث أعلن إمارته على مناطق حلب والجزيرة الفراتية وإقليم الثغور والعواصم، وبدأ يدخل في مرحلة جديدة من الصراع مع الروم البيزنطيين والحروب الطاحنة معهم، واستطاع خلالها أن يحقق عدة انتصارات عليهم. وبدأ الروم البيزنطيون يعيدون ترتيب صفوفهم وتنظيم قوتهم، وراحوا يهاجمون الثغور العربية في سنة 336ه (947م)، ولكن الأمير سيف الدولة الحمداني تصدّى لهم وتعقبهم، وجدد البيزنطيون هجماتهم مرة أخرى بعد عام، فتعقبهم سيف الدولة، وقتل منهم عددا كبيرا. ولكن هجمات الروم البيزنطيين لم تتوقف، مما دفع سيف الدولة إلى تجهيز حملة كبيرة قوامها ثلاثون ألف فارس، وانضم إليهم جيش طرطوس في أربعة آلاف مقاتل، واستطاع اقتحام حدود الدولة البيزنطية، والتوغل داخل أراضيها، وفتح عددا من حصونها، وألحق بالبيزنطيين هزيمة منكرة، وأسر عددا من قادتهم، مما دفع البيزنطيين إلى طلب الهدنة منه، بعد أن ضاقوا ذرعا بالحروب الطاحنة التي كبدتهم العديد من الخسائر وأصابتهم بالوهن. وبالرغم من الطابع العسكري والحربي لدولة الحمدانيين بصفة عامة، وإمارة سيف الدولة على نحو خاص، فإن ذلك لم يصرف الأمير (سيف الدولة) عن الاهتمام بالجوانب الحضارية والعمرانية. وظهر في عصره عدد من الأطباء المشهورين، من أهمهم أبو بكر محمد بن زكريا الرازي. وكذلك المفكرون الإسلاميون مثل: الفارابي وابن سينا. كما لمع عدد من الشعراء المعروفين، مثل المتنبي وأبو فراس الحمداني. وظهر كذلك عدد كبير من الأدباء المشهورين، وفي طليعتهم (أبو الفرج الأصفهاني) صاحب كتاب (الأغاني) الذي أهداه إلى سيف الدولة. ولم يلبث سيف الدولة أن عاجله المرض، ثم تُوفي في 25 من صفر 356ه، وهو في الثالثة والخمسين من عمره.