رجل من الرعيل الأول عاش محترماً في قومه على مدى ستين سنة، ترى من إعجاب قومه به ومحبتهم وتقديرهم له ما يفوق الوصف، وهو يستحق ذلك، فقد أنزل الله على شخصه المهابة رغم البساطة في المعيشة والتواضع في الناس، ساد في عشرته لكثرة مروءته، ناهز المائة عام قضاها في صلاة وصيام وإصلاح وإحسان أحببته قبل أن أراه، فلما رأيته إذا هو أعظم مما وصف لي. تلمس فيه صدق التدين وصفاء السريرة، عرفته قبل أربعة عشر عاماً عندما كنت كاتب عدل في بلدة الحناكية المجاورة لبلدته (النخيل) فكنت أزوره بين الحين والآخر، استمتع بحديثه وأستفيد من تجاربه، فما تخرج من لقائه حتى تحس برغبة في الاجتماع به ثانية لما تراه من أثر تلك المجالسة. حديثه وهمومه تعيدك لسير السلف الصالح التي نقرؤها كتاريخ نفخر به ونفاخر فهو ترجمة واقعية وقراءة صادقة لتاريخ أسلافنا وآبائنا الذين لم نحظ بصحبتهم. كان رحمه الله شديد المحبة للعلم وأهله، ملازماً لمجالس الذكر وحلق العلم التي تعقد في مسجده حتى بعد أن أرهقته الشيخوخة، ووهن منه العظم، وثقل السمع، وضعف البصر، وكان يخبرني رحمه الله أنه يحضر هذه المجالس رجاء أن تنزل عليه السكينة وتغشاه الرحمة، وتحفه الملائكة، ويذكره الله فيمن عنده مع أهل العلم فيها، كما صح بذلك الحديث ، بلغه الله مناه. اشتهر رحمه الله بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهما كلفه الأمر، فلا تأخذه في الله لومة لائم، وكم زال على يديه من منكرات عامة وخاصة. كانت لدي رغبة في تسجيل أخباره، فهو رجل عاش قرناً كاملاً مليئا بالأحداث الجسام، فكان قريباً منها مطلعاً على تفاصيلها، عاصر الدولة السعودية في بداية تأسيسها، وكانت له مواقف مشهودة، لكن التسويف حرمني تحقيق هذه الأمنية. إنه سجل حافل لتاريخ مضى وانقضى، رحم الله مشعان بن موقد العوفي رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.