وتكملة لتقرير متشل المتعلق بتقصي الحقائق بعد انتفاضة الأقصى الذي أوردناه في المقالة السابقة فإن اللجنة برئاسة متشل قامت بزيارات متكررة لفلسطين المحتلة، وأكدوا في زياراتهم لكل من يقابلونهم من الطرفين أن العنف والقتل والتدمير لن يحل القضية الفلسطينية، وأن الأمر يحتاج إلى أمن وعدل ولا يتم هذا إلا من خلال المفاوضات. رأت اللجنة أيضا أن الفلسطينيين والإسرائيليين رغم العيش جنباً إلى جنب مدة طويلة إلا أن البعض منهم لا يتفهم مشاكل وقلق الطرف الآخر. بعض الإسرائيليين لا يفهم الإحباط والإذلال الذي يعيشه الفلسطينيون كل يوم نتيجة للحياة تحت الاحتلال الصهيوني ووجود الجيش الصهيوني والمستوطنات الإسرائيلية وسط الفلسطينيين. وكذلك لا يتفهمون تصميم الفلسطينيين على الكفاح من أجل استقلالهم وتقرير مصيرهم. ومن جانب آخر فإن بعض الفلسطينيين لا يتفهمون مدى ما يسببه الإرهاب (حسب تسمية اللجنة) بين الإسرائيليين حيث إن ذلك يقوض اعتقادهم بعدم إمكانية العيش جنباً إلى جنب مع الفلسطينيين، كما لا يفهم البعض من الفلسطينيين إصرار الحكومة الإسرائيلية على استخدام كل ما هو ضروري لحماية سكانها. رأت اللجنة ان الخوف والغضب والكره ازداد بين الطرفين، وأعظم خطر هو ثقافة السلام. تم تمزيق ثقافة السلام التي غذته عقود من الزمن حيث نشأ في هذا المكان نوع من الإحساس بالقنوط، وعدم الجدوى من إمكانية السلام وبالتالي أصبح اللجوء للعنف ملاذاً. لذا يجب على القيادتين العمل على تعديل هذه الثقافة بشكل صارم، ورغم صعوبة ذلك إلا انه يمكن عمله بل يجب عمله وأن يؤكدا على أن بديل ذلك غير مقبول وغير قابل للتفكير. واستعرضت اللجنة إمكانية السلام، وكيف بدأت في مدريد وأن الكثير تم إنجازه حتى مؤتمر كامب ديفد عام 2000م الذي كان من الممكن أن يوصل لحل نهائي للقضية الفلسطينية. الحقيقة ان اللجنة اتبعت توجيهات القمة في ألا ينظر إليها على أنها محكمة حيث إنه ليس من مهمتها توجيه اللوم ولا تذنيب أو تجريم الأطراف والأفراد من الجانبين واكتفت بتدوين ادعاءات الطرفين وحجج كل منهما فيما يسوقه حول العنف الذي بدأ في 29 سبتمبر 2000م، وذلك لدعم موقفه. لم تحاول اللجنة إيراد سرد زمني لكل الأحداث منذ بداية الانتفاضة، وإنما لإبراز أسباب العنف. أكدوا بان مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين وأطرافا أخرى حكومية تلقت تقارير تفيد باعتزام شارون زيارة باحة المسجد الأقصى، وحائط المبكى. حث الفلسطينيون والأمريكيون ايهود باراك بمنع الزيارة، ولكنه أخبرهم بأن هذه الزيارة من شارون هي عمل سياسي داخلي موجه ضده، واعتذر عن منعه. قام شارون بالزيارة في 28 سبتمبر 2000م ورافقه 1000 من قوات الأمن حيث اعتبرها الفلسطينيون استفزازاً لهم، بينما الإسرائيليون اعتبروها عملا سياسيا داخليا. تجمع الفلسطينيون بأعداد كبيرة في اليوم الثاني في نفس مكان الزيارة لشارون، وهم غير مسلحين، وكذلك عدد كبير من قوات الأمن الإسرائيلية المسلحة، وفي المواجهة استخدمت قوات الأمن الأعيرة المطاطية والذخيرة الحية ضد الفلسطينيين الذين استخدموا فقط الحجارة حيث استشهد 4 فلسطينيين وجرح قرابة 200 فلسطيني بالإضافة إلى جرح 14 من قوات الأمن الإسرائيلية. وتتالت المظاهرات حيث بدأ ما يعرف بانتفاضة الأقصى. ادعت الحكومة الإسرائيلية ان هذه الانتفاضة مخطط لها من القيادة الفلسطينية بعد فشل مؤتمر كامب ديفد في 25 جولاي 2000م، وتحميل العالم المسؤولية للفلسطينيين في ذلك الفشل، كما تدعي اسرائيل، وانهم يودون استخدام الضحايا في هذه الانتفاضة في استعادة المبادرات السياسية ومحاولة استدرار عطف العالم تجاه قضيتهم حيث إن الفلسطينيين يستفزون قواتهم لكي ترد على المتظاهرين وبالذات الصغار منهم. لكن السلطة الفلسطينية أنكرت تلك الادعاءات الصهيونية وحملت اسرائيل مسؤولية العنف حيث استخدمت لتفريق المظاهرات القوة، وأفرطت في استخدامها. على كل حال توصلت اللجنة إلى أنها لم تحصل على دليل مقنع بأن زيارة شارون للمسجد الأقصى كانت من أجل شيء آخر غير كونها زيارة لتحقيق هدف سياسي داخلي. كما ان اللجنة لم تحصل على دليل مقنع يفيد بأن السلطة الفلسطينية خططت للانتفاضة. وعلى هذا الأساس فإن اللجنة لم تصل إلى أساس تبني عليه نتيجة بأن السلطة الفلسطينية خططت وبشكل متعمد لحملة عنف، ولم تجد أساسا بني عليه بأن الحكومة الإسرائيلية خططت بشكل متعمد لاستخدام القوة المميتة lethal force. اللجنة توصلت أيضا إلى أنهم لم يجدوا دليلاً بأن السلطة الفلسطينية بذلت جهداً منسقاً لإنهاء العنف، كما ان اللجنة لم تجد دليلاً يفيد بأن الحكومة الإسرائيلية بذلت جهداً منسقاً بعدم استخدام الأسلحة القاتلة ضد الفلسطينيين العزل. رأت اللجنة ان زيارة شارون لم تكن السبب في انتفاضة الأقصى إلا أن توقيتها كان سيئا،ً ولم تتنبأ بردة الفعل التي تنبأ إليها البعض، ونبه إليها، وطلب منعها من قبل باراك، والأهم من ذلك هو الأحداث التي بدت في 29 سبتمبر التي استخدمت فيه القوات الإسرائيلية الأسلحة المميتة والفشل المتلاحق للطرفين في عدم ضبط النفس. أشارت اللجنة إلى إحباط الطرفين وخيبة أمل عميقة تجاه بعضهما في الفشل في تلبية التوقعات والطموحات لعملية السلام التي بدأت في مدريد عام 1991م وفي أوسلو عام 1993م. اتهم كل منهما الآخر بتقويض روح التعهدات التي تقضي بحل خلافاتهما سلمياً. تقول اللجنة:إن الفلسطينيين والإسرائيليين على السواء أخبرونا بأن القضايا الصعبة الدائمة التي أشارت إليها مبادئ أوسلو والتي تم تأجيلها للمرحلة الأخيرة، أصبحت تواجه ضغطاً قبل الوصول إليها باعتبارها في المرحلة الأخيرة (مسألة اللاجئين - القدس - المستوطنات). كان من المفترض البدء بخطوة خطوة ومرحلة مرحلة بحيث كل ما يتم مرحلة يتم وضوح للمرحلة التالية. ويتم بناء الثقة على أن يمتنع كل طرف من إثارة ما يمكن أن يعتبره الطرف الثاني انتهاكا لعملية السلام. ولذا فإن كل من الطرفين يلوم الآخر بأنه لم يلتزم بروح تلك الاتفاقية التي لم تفض إلى المرحلة النهائية. ترى الحكومة الإسرائيلية انه كان لا بد من الالتزام بخطوات أوسلو دون اللجوء للعنف وحسب التعهدات بغض النظر عن الوقت المحدد للمراحل. المهم هو في نهاية الأمر الوصول لحل. يرى الفلسطينيون ان في تأخير المفاوضات وتأخير تنفيذ مراحل السلام هو بهدف الإطالة وتثبيت الاحتلال حيث من المفترض الوصول إلى المرحلة النهائية خلال 5 سنوات. ويرى الفلسطينيون ان اسرائيل بدأت تستثني أراضي وتعيد تفاوضا حول أراضٍ من المفترض ان تعيدها للفلسطينيين من الضفة الغربية. ولذا ترى اللجنة أن موقف الطرفين من مراحل اتفاقات أوسلو قاد إلى تدهور الثقة بين الجانبين قبل الوصول للمرحلة النهائية. رأت اللجنة اختلاف منظور كل من الطرفين تجاه المستعمرات ووحدة أراضي الفلسطينيين والانسحابات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية. كان رأي الفلسطينيين حول هذه القضايا، هو تزايد أعداد المستوطنات وأعداد المستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة رغم مخالفة ذلك لمبادئ أوسلو بينما يرى الإسرائيليون ان المستعمرات من القضايا القابلة للمفاوضات وأنهم يتفاوضون مع الفلسطينيين في كل مرحلة. إسرائيل ترى بان الفلسطينيين لم يعملوا بما فيه الكفاية من أجل أمن إسرائيل لا في دستورهم ولا في ممارساتهم، وانه ليس هناك شيء وسط لدى الإسرائيليين في ذلك. كما ترى إسرائيل ان مواقف الفلسطينيين تخل بالأمن الإسرائيلي، لأن السلطة الفلسطينية أطلقت المحتجزين خلال الانتفاضة، ولم تمنع الأسلحة غير القانونية لدى الفلسطينيين. أوردت اللجنة ان المعاناة الشخصية لدى الطرفين متشابه هناك من قتل له قريب أو جرح خلال هذه الانتفاضة، وأبرزت اللجنة تأثرها بالقصص حول نتائج هذا العنف من الأفراد المختلفين من الجانبين. كما أوردت اللجنة جوانب إشكالية التعاون الأمني بين الجانبين، وانهيار هذا التعاون. وانتهت اللجنة إلى الحاجة لإعادة بناء الثقة لأنها تشكل أساساً مهماً لعودة المفاوضات. عند تفحص محتوى تقرير متشل فهو يحاول أن يقول عفا الله عما سلف، أي لا يهم من الظالم ومن المظلوم، لأنه لو كان هناك تقصٍّ صحيح للحقائق فسيكشف أمر الصهاينة. لم توجد آلية لتفعيل هذا التقرير على أرض الواقع، وذلك بفرض قوة سياسية من أمريكا على الصهاينة، ولذلك لم يسمن هذا التقرير ولم يغن من جوع.