لعل أبرز حدث شهدته القضية الفلسطينية منذ هزيمة 1967 واحتلال ما تبقى من فلسطين هو انتفاضة الأقصى. وإذا كانت الانتفاضة الأولى عام 1988 أول رد فعل شعبي ضد الاحتلال الإسرائيلي فإنها ظلت ضمن حدود العصيان المدني والتمرد والتظاهرات وسلاح الحجارة. وجاء مؤتمر مدريد عام 1991 ليضع حداً لها على اعتبار ان مرحلة الأرض في مقابل السلام قد بدأت برعاية الدولتين العظميين ومشاركة بقية الدول الكبرى والأمم المتحدة. واتضح لنا في ما بعد ان مؤتمر مدريد لم يؤت ثماره وأن هدفه الأول لم يكن التمهيد لتسوية عادلة للصراع العربي - الإسرائيلي وإنما تنفيس العواطف وإزالة الاحتقان بعد ان تم للدول الغربية تدمير بلد عربي مشرقي يشكل بإمكاناته وثرواته نقطة ارتكاز أساسية في أية مواجهة مع إسرائيل. وإذا كان العراق قد أخطأ خطأ مميتاً في احتلال الكويت فإن دول الغرب وعلى رأسها الولاياتالمتحدة قد انتهزت فرصة ذلك الخطأ وأعملت في العراق ضرباً وتدميراً وحصاراً. نقول هذا الكلام لنبيّن ان انتفاضة الأقصى - مستفيدة من تجارب الانتفاضة الأولى - لن تلقي سلاحها في مقابل وعود كاذبة أو مشاريع واهية تلغي التضحيات التي يقدمها الشعب الفلسطيني والمعاناة التي يتحملها بصبر وإصرار وشجاعة. واستطراداً فإنه يمكن تلخيص اهم معالم انتفاضة الأقصى والظروف الموضوعية التي أحاطت وتحيط بالانتفاضتين على النحو الآتي: أولاً: ان انتفاضة الأقصى تختلف عن الانتفاضة الأولى من حيث حدتها وشموليتها ونوعية سلاحها. وقد وصف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي شاؤول موفاز الانتفاضة الحالية في مقابلة مع صحيفة "معاريف" نشرت الخميس 26/4 في صحيفة الحياة قائلاً: "إن الانتفاضة من أعقد المعارك التي شهدتها الدولة العبرية على المستويات العسكرية والسياسية والنفسية والاقتصادية والإعلامية كافة". ثانياً: ان انتفاضة الأقصى تمضي وفق توجيه قياداتها الموجودين معها على أرض الوطن وليس خارجه كما كان الأمر بالنسبة الى الانتفاضة الأولى حيث كانت القيادة في تونس. ثالثاً: ان انتفاضة الأقصى محاصرة داخلياً من إسرائيل ومعزولة خارجياً عن محيطها العربي بفعل الاحتلال. ومع ذلك فإنها صامدة ومتصاعدة على رغم همجية آلة الحرب الإسرائيلية والحصار الاقتصادي والتجويع. رابعاً: ميدانياً كانت الانتفاضة الأولى طرفاً مقاوماً. أما انتفاضة الأقصى فإنها طرف مقاتل. وهي توقع في العدو الإسرائيلي خسائر يومية سواء بالعمليات الانتحارية أو بقذائف الهاون أو بالاشتباك المسلح. وفي المقابلة الصحافية نفسها المشار إليها آنفاً يقول موفاز: "إن نحو خمسة آلاف عملية إطلاق نار أو عبوات نافسة أو قنابل يدوية او قذائف هاون أو من أسلحة مضادة للدروع نفذت ضد اهداف إسرائيلية منذ اندلاع الانتفاضة في أواخر أيلول سبتمبر من العام الماضي". وأضاف: "إن الحال القائمة ليست مسألة أسابيع أو أشهر". خامساً: إذا كانت الانتفاضة الأولى قد واجهت اسحق رابين الذي اشتُهر عنه تكسير عظام الفلسطينيين فإن الانتفاضة الثانية تواجه آرييل شارون بتاريخه الدموي وماضيه الإجرامي والذي يجسد أقصى درجات العنف والوحشية في التعامل مع الفلسطينيين بدءاً بقبية وانتهاء بصبرا وشاتيلا. سادساً: حظيت انتفاضة الأقصى بقمتين عربيتين: الأولى في القاهرة في تشرين الأول اكتوبر عام 2000 والثانية في عمان في آذار مارس عام 2001. كما حظيت الانتفاضة الأولى بقمة عربية عقدت في الجزائر عام 1988 وسميت قمة الانتفاضة. وقد انتظرت الحكومات العربية ستة أشهر لعل الانتفاضة تخبو ولما وجدوا ان شعلتها مستمرة اجتمعوا في الجزائر ورصدوا لها ملايين الدولارات التي لم تُدفع تماماً كما يحدث الآن مع انتفاضة الأقصى مع فارق نسبي. سابعاً: يستتبع ذلك ان الانتفاضتين الأولى والثانية تفتقران الى عمق عربي. وباستثناء رجل الشارع الذي أيد الانتفاضتين بجوارحه وجوانحه فإن التأييد العربي لانتفاضة الأقصى ما زال لفظياً وإنشائياً وبلاغياً. وانتفاضة الأقصى ما زالت في امسّ الحاجة الى الدعم المالي العربي الذي يوفر لها اسباب الصمود والاستمرار. ثامناً: لقد اختار الشعب الإسرائيلي شارون بتاريخه الإجرامي على أمل ان يوفر له الأمن الذي عجز باراك عن توفيره. ومعنى ذلك ان شارون جاء الى الحكم بصفة المنقذ المنتظر والأمل المتبقى للجم ثورة الفلسطينيين وتركيعهم وتوفير الأمن للمواطن الإسرائيلي الذي أصبح الأمن بالنسبة إليه هاجساً وكابوساً. وأصبحت سياسة إسرائيل اليوم "الأمن مقابل السلام". وإذا فشل شارون في تحقيق الأمن الذي زعزعته انتفاضة الأقصى فإن إسرائيل ستواجه مأزقاً تاريخياً من حيث توجهاتها. ولعلها عندئذ تواجه الحقيقة وهي ان الآلة العسكرية التي تملكها لن تحميها وأن التسليم بحقوق الشعب الفلسطيني هو المدخل الى الأمن والاستقرار. من هنا أهمية وضرورة بل وحتمية استمرار الانتفاضة التي هي سلاح الفلسطينيين الوحيد والأخير بعد ان أعيتهم مفاوضات ثماني سنوات عجاف لم توفر لهم الحصول على الثوابت من قضيتهم الخاصة بالقدس الشرقية وحق العودة وإزالة المستوطنات. ويخطئ من يظن ان باراك عرض في كامب دافيد شيئاً جدياً وملموساً وأنه بالتالي كان يمكن تفادي ما يحدث اليوم في ظل الانتفاضة. إن من يصدق ان باراك عرض على الفلسطينيين 90 في المئة من حقوقهم في كامب دافيد لا بد من أنه يعتقد أن الحرم والقدس الشرقية وحق العودة تساوي عشرة في المئة من الحقوق الفلسطينية. تاسعاً: ان شارون بتركيبته العقائدية والتوراتية وماضيه الإجرامي والتزاماته الائتلافية الناتجة من نظام إسرائيل الانتخابي المستند الى التعدد النسبي غير مؤهل ولا ينوي الدخول في مفاوضات سياسية تفضي الى تسوية عادلة. وهو تارة يعرض دولة فلسطينية على 42 في المئة من الضفة الغربية وتارة اخرى يتحدث عن حل طويل المدى متعدد المراحل. وهو يمارس الأسلوب نفسه الذي كشفه علناً الليكودي العتيق اسحق شامير حين قال "إننا نضيّع الوقت مع الفلسطينيين ونسعى الى استمرار المفاوضات لمدة عشر سنوات". وقد استمرت المفاوضات منذ أوسلو حتى الآن ثماني سنوات ضاعفوا خلالها عدد المستوطنات والطرق الالتفافية وكرسوا هيمنتهم على القدس الشرقية وصادروا المزيد من الأراضي. عاشراً: ان انتفاضة الأقصى هي المشوار الأخير للشعب الفلسطيني على طريق الاستقلال. ووقف الانتفاضة من دون ضمان الحصول على الحقوق الفلسطينية يعني التنكر للتضحيات الجسيمة التي يقدمها الشعب الفلسطيني وعدم الاعتبار من دروس الماضي والمصير الذي آلت إليه الانتفاضة الأولى. ولقد أصاب دولة الرئيس الدكتور سليم الحص كبد الحقيقة حين قال قبل أيام في بيان بليغ ومؤثر وجّهه الى الأخوة العرب حكاماً وشعوباً. وقد استهله بالقول: "أراكم صامتين وصمتكم يصم الأذان". ثم أضاف: "ألا تدرون ان الانتفاضة هي الرمق الأخير في قضية فلسطين. فإذا تمكنت إسرائيل من سحقها لا سمح الله فلن تقوم لقضية فلسطين قائمة في الأفق المنظور. وفي ذلك تجديد لنكبة العرب في فلسطين يوم قام الكيان الصهيوني عام 1948. فهل أنتم قادرون على تحمل عواقب نكبة جديدة في هذا الحجم؟ فماذا أنتم فاعلون؟ ماذا قدمتم لفلسطين؟ ماذا قدمتم للانتفاضة الفلسطينية؟ ماذا قدمتم لأطفال الحجارة؟ هل بذلتم شيئاً من مالكم أو دمكم أو راحتكم؟ هل وظفتم شيئاً من نفوذكم أو مكانتكم أو وزنكم أو علاقاتكم في حماية أشرف حركة تحرر يشهدها تاريخنا؟ إنني أراكم صامتين وصمتكم يصم الأذان. ألا فليكن معلوماً أن نكبة جديدة تحل بفلسطين والفلسطينيين سيكون لها فعل الزلزال على الأمة العربية شعوباً وأنظمة كما كان لنكبة 1948 وربما أكثر. وقانا الله هذا المحظور". وقد يسأل سائل: هل تستطيع الانتفاضة تحمل الخسائر الاقتصادية المتفاقمة ناهيك عن البطش العسكري الإسرائيلي؟ إن الطريق الى الاستقلال لم يكن يوماً مفروشاً بالورود وقدر الشعب الفلسطيني ان يتحمل الخسائر التي تفوق طاقة البشر. فمثلاً يقول تقرير "الإغاثة والطوارئ" الذي وزعته السلطة الفلسطينية في قمة عمان الأخيرة ان عدد القتلى من الفلسطينيين قد تعدى 600 شهيد منذ بدء الانتفاضة ونحو 20 ألف جريح متوسط أعمارهم 23 سنة. ويعاني 21 في المئة منهم إعاقة دائمة و19 في المئة إعاقة جزئية. وأن 140 ألف عامل فلسطيني توقفوا عن الوصول الى مراكز عملهم داخل الخط الأخضر اضافة الى نحو 70 ألف عامل كانوا عاطلين من العمل و125 ألفاً توقفوا عن العمل داخل أراضي السلطة ليصل اجمالي العاطلين الى 330 ألف عامل أي 50 في المئة من إجمالي القوى العاملة في فلسطين. وبذلك تكون خسائر العمال قد بلغت نحو بليون دولار. وأوضح التقرير ان الخسائر الفلسطينية بلغت 16 مليون دولار يومياً اضافة الى تدمير عشرات المصانع. كما ان الصادرات قد توقفت ودُمّر قطاع السياحة والاستثمار كلياً إضافة الى خسائر جسيمة في التعليم والتموين والبنية التحتية والخدمات الاجتماعية. وجاء في التقرير الذي قدمه رئيس لجان الإغاثة الطبية الفلسطينية ومدير مركز المعلومات والسياسات الى أعضاء لجنة ميتشل لتقصي الحقائق الشهر الماضي ما يأتي: إن عدد الجرحى يساوي خمسة في المئة من سكان فلسطين. إن 90 في المئة من القتلى الفلسطينيين هم من المدنيين في حين قتل 70 إسرائيلياً 20 في المئة منهم مدنيون. إن 9 في المئة من القتلى لم يشاركوا في المواجهات و7 في المئة اعتدى عليهم مستوطنون و20 في المئة قتلوا في شكل عشوائي. إذا طبقت النسبة نفسها على الأميركيين فإن عدد القتلى سيكون 550،35. أما عدد الجرحى فسيكون مليوناً و80 ألف اميركي. نسبة القتلى الفلسطينيين الى الإسرائيليين 6 الى واحد. البطالة 48 في المئة ويتوقع ان تبلغ 70 في المئة. مليون فلسطيني يعيشون اليوم على دولارين في اليوم الواحد. 42 في المئة من المواطنين الفلسطينيين البالغ عددهم 1.3 مليون نسمة يصنفون الآن فقراء. الضفة الغربية مقطعة الى 40- 50 جزءاً. أقامت إسرائيل 91 حاجزاً عسكرياً. 1،2 مليون فلسطيني يعانون إجراءات الحصار. ومثلاً سكان رام الله، 65 ألفاً محرومون من مغادرتها كما أن 160 ألفاً من المناطق الريفية المحيطة بها ممنوعون من دخول المدينة بسبب الإغلاق. وعلى الجانب الإسرائيلي فإن انتفاضة الأقصى قد أوقعت في المجتمع الإسرائيلي خسائر جسيمة، وقد اعترف خبراء وزارة المالية الإسرائيلية في معلومات عرضت على اللجنة المالية في الكنيست بأن خسائرهم بسبب الانتفاضة قد تجاوزت بكثير البليون دولار. كما ضربت الانتفاضة الزراعة والصناعة والبناء والسياحة في إسرائيل حيث تقدر الخسائر بحوالى بليوني دولار. والبطالة تجاوزت 170 ألف عاطل من العمل يتوقع ان يصلوا الى 200 ألف عاطل مع نهاية السنة او عشرة في المئة من القوة العاملة. كما ان معدل نمو الاقتصاد هبط من 6 في المئة الى 8،4 في المئة وهو الآن في حدود اثنين او ثلاثة في المئة. وإذا كان لدى إسرائيل الولاياتالمتحدة التي تعوضها عن كل خسائرها فإنه ليس لدى الشعب الفلسطيني سوى رحمة الله وبركاته. أما على الصعيد السياسي والديبلوماسي فقد بدأت إدارة بوش عهدها بالابتعاد من القضية الفلسطينية لأن الديموقراطيين في رأيهم انغمسوا كثيراً في الصراع وعلى المستوى الرئاسي المتمثل بشخص كلينتون. وأوحت الإدارة الأميركية الجديدة أنها ترى في الصراع العربي - الإسرائيلي مشكلة ضمن مشكلات اخرى في الشرق الأوسط. بل إنها ذهبت الى ابعد من ذلك حين قصفت العراق في بداية عهدها موحية أن سبب عدم الاستقرار في الشرق الأوسط يعود الى بغداد وليس تل ابيب وأن شيطان المنطقة هو صدام حسين وليس آرييل شارون. وأحجمت الإدارة الجديدة عن استقبال عرفات قبل ان توقف ما تسميه دورة العنف من جانب الفلسطينيين. ولكن بالتدريج بدأت الإدارة الأميركية بتعديل سياستها حين اعلنت على لسان وزير خارجيتها انها تريد على الأقل تخفيف العنف وليس وقفه نهائياً. وعندما اقتحم شارون قطاع غزة بدباباته اتخذت واشنطن موقفاً متوازناً حين اعلن كولن باول ان اميركا قلقة جداً من احتمال تصعيد القتال والذي قد يؤدي الى صراع واسع على نطاق المنطقة. وقد وجه كولن باول اللوم الى الفلسطينيين ولكنه قال "إن الرد الإسرائيلي مبالغ فيه وغير متناسب". ودعا الى احترام الاتفاقات الموقعة، الأمر الذي حمل شارون على الانسحاب من غزة واضعاً نفسه في مهب انتقادات سياسية وعسكرية بسبب فشل عمليته العسكرية. وهكذا نرى أن واشنطن على رغم محاولات الترفع والابتعاد قد بدأت بالتدريج تمارس دوراً في أزمة الشرق الأوسط، خصوصاً أنها تسعى الآن الى تثبيت الورقة الأردنية - المصرية المشتركة أساساً لاستئناف المفاوضات. وقد قبل الطرف الفلسطيني الصيغة المنفتحة الأخيرة للورقة المصرية - الأردنية التي سلمها وزير خارجية الأردن الى إسرائيل غداة ضرب الموقع العسكري السوري في لبنان. أما إسرائيل فإن لديها تحفظات على الورقة ستبلغها الى القاهرةوعمان بواسطة شيمون بيريز. ويبدو ان التحفظات الإسرائيلية تنصب على أمور ثلاثة: أولاً: الاعتراض على نص وقف النشاط الاستيطاني في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية واقتراح نص غامض بدلاً منه. وقد ألغيت الإشارة الى القدس الشرقية ولكن إسرائيل ما زالت غير راضية. ثانياً: يصر الإسرائيليون على عدم تحديد سقف زمني للمفاوضات النهائية لأن الورقة المصرية - الأردنية تقترح اكمال المفاوضات خلال سنة على أن يُراجع التقدم الذي يتم إحرازه خلال ستة أشهر. ثالثاً: لا يوافق الإسرائيليون على استئناف المفاوضات من حيث توقفت، مع ان الورقة الأردنية - المصرية حاولت تلطيف الصوغ حول هذا الموضوع حيث نص بند بناء العملية التفاوضية على ما يأتي: "تستند المفاوضات الى المحافظة على تطوير ما تم إنجازه في مباحثات الجانبين خلال الفترة ما بين تشرين الثاني نوفمبر 1999 وحتى كانون الثاني يناير 2001 والتي تتضمن جولات المفاوضات الثنائية كافة وقمة كامب دافيد الثلاثية وما تلاها وصولاً الى جولة طابا في الفترة ما بين 21 و28 كانون الثاني 2001". وواضح مما سبق ان إسرائيل لا تريد الالتزام بوقف النشاط الاستيطاني كما أنها - وجرياً على عادة جميع رؤساء حكوماتها المتعاقبة - لا تريد التقيد بإطار زمني لأن المواعيد غير مقدسة على حد تعبير رابين ومن بعده بيريز ثم نتانياهو. اما إصرارهم على عدم استئناف المفاوضات من حيث توقفت فهو دليل على انهم يريدون العودة الى المربع الرقم واحد والبدء من جديد بمفاوضات ماراتونية وعبثية وذلك مضيعة للوقت لالتهام الأرض وتكريس الاحتلال. إن الورقة المصرية - الأردنية تطرح نهجاً جديداً يستوعب الاعتراضات الإسرائيلية. فبعد ان رفض شارون مقترحات كلينتون ورفض ما عرضته حكومة باراك في كامب دافيد ورفض العودة الى المفاوضات من حيث توقفت فإن الورقة تحاول تجاوز كل ذلك لتقدم إطاراً جديداً للتفاوض يستند الى ما سبق توقيعه رسمياً بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. وضمان التزام الطرفين بالتنفيذ فإن الورقة تقترح ان يقوم راعيا السلام والاتحاد الأوروبي ومصر والأردن والأمين العام للأمم المتحدة بمتابعة ومراقبة مدى التقدم والتنفيذ. إنني شخصياً أعتقد وهذا مجرد اجتهاد - ولكل مجتهد نصيب - ان الورقة الأردنية - المصرية مصيرها الفشل لأن شارون ليس جاداً مع أننا سنضيّع وقتاً طويلاً في الأخذ والعطاء حول الورقة. وهذا ما يريده شارون لأنه ما زال يعتقد أن بإمكانه إخماد الانتفاضة بالفتك والبطش والاغتيال والعمليات العسكرية المحدودة ثم الانسحاب وكأن شيئاً لم يكن. وإذا استمرت الانتفاضة كما هو مأمول ومتوقع فليس من المستبعد ان يقوم شارون بأعمال عسكرية دراماتيكية داخل لبنان لتحويل الأنظار عن فشله في فلسطين. وكان شارون قد وعد بوقف العنف الفلسطيني خلال مئة يوم من توليه الحكم. وقد انقضت نصف المدة حتى الآن وليس في الأفق ما يشير الى انتصاره أو توفيره الأمن للإسرائيليين. الموقف جد خطير ولم يبالغ فدرين وزير خارجية فرنسا حين قال بالأمس إنه متشائم والطريق مسدود والموقف متفجر وبركاني. وإذا لم يمارس العرب دوراً فاعلاً ضاغطاً جدياً ومؤثراً مالياً وسياسياً فإنني أخشى ان تتحول الانتفاضة الى انتحار جماعي. ويصبح المشهد: الفلسطينيون يُذبحون والعرب يتفرجون. * عضو المجلس الوطني الفلسطيني. والنص محاضرة له امام مجلس امناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية الذي اجتمع في بيروت يومي 27 و28 نيسان ابريل 2001.