مرت قبل أيام الذكرى الرابعة للإعلان عن خريطة الطريق، وهو الاسم الذي تعرف به خطة السلام في الشرق الأوسط والتي أعلنتها الولاياتالمتحدة الأميركية في واشنطن في 30 /4/ 2003 باسم المجموعة الرباعية الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأممالمتحدة، وكانت تهدف إلى التوصل الى تسوية نهائية وشاملة للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، بحلول عام 2005، حسب رؤية الرئيس الأميركي جورج بوش التي أوضحها في خطابه في 24 /6/ 2002 ومرت السنوات الأربع من دون أن تنفذ إسرائيل ما هو مطلوب منها تنفيذه، بل على العكس فهي تعمل على إفشال هذه الخطة، وهي التي كانت تطالب عند الإعلان عنها بضرورة تقيد الجانب الفلسطيني بتنفيذها. وتعكس خريطة الطريق التصور الإسرائيلي - الأميركي لحل القضية الفلسطينية، أكثر من تصور الفلسطينيين والدول العربية والمجتمع الدولي، على رغم موافقة السلطة الوطنية الفلسطينية عليها وكذلك الدول العربية والأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الروسي. فهي تدعو إلى حل ينتهي الى قيام دولتين فلسطينية وإسرائيلية، تتعايشان جنبا إلى جنب، بشرط وقف عمليات العنف، وأن تحترم القيادة الفلسطينية مبادئ الديموقراطية والحرية. وفي المقابل على إسرائيل أن تكون مستعدة للعمل من أجل ولادة دولة فلسطينية. ويفترض أن يؤدي الحل إلى وضع حد للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي وانهاء الاحتلال وإلى اعتراف الدول العربية بحق إسرائيل في العيش بسلام وأمن. وعند تحقيق ذلك، سيسمح بإعطاء دفعة لعملية السلام على المسارين السوري واللبناني. وحسب ما جاء في خريطة الطريق قبل أربع سنوات، كان يفترض أن يتم تنفيذها على ثلاث مراحل: الأولى تنص على وقف"الإرهاب"والعنف وتطبيع حياة الفلسطينيين وإنشاء مؤسساتهم الوطنية، ويبدأ تطبيقها منذ الإعلان عنها ويتعهد الفلسطينيون بموجبها بوضع حد فوري للعنف ويستأنفون تعاونهم الأمني مع إسرائيل. كما يبدأون إصلاحات سياسية ويستعدون لإقامة دولتهم خصوصاً عبر صياغة دستور جديد. وتنسحب إسرائيل من المناطق الفلسطينية التي أعادت احتلالها منذ بدء الانتفاضة وتجمد عمليات الاستيطان. وتعترف السلطة الفلسطينية بوضوح بحق إسرائيل في العيش بسلام وأمن وتدعو إلى وقف غير مشروط لإطلاق النار والتحريض على العنف. ويتعهد الإسرائيليون بالعمل على إقامة دولة فلسطينية تتمتع بالسيادة وقابلة للاستمرار. وتركز هذه المرحلة على المطالب الأمنية، إذ أنها تنص على أن يقوم الفلسطينيون بتوقيف الأشخاص الذين يعتزمون مواصلة أعمال العنف ومصادرة اسلحتهم. وفي المقابل، تبذل إسرائيل جهودا لإعادة أجواء الثقة بالامتناع عن اللجوء إلى تدابير عقابية، كهدم المنازل وقرارات الإبعاد ومصادرة الأراضي. وتقوم بمبادرات إنسانية عبر السماح بإعادة فتح المؤسسات الفلسطينية في القدسالشرقية وتفكيك المستوطنات العشوائية في الأراضي الفلسطينية، وتنهي المؤسسات الاعلامية الإسرائيلية التحريض ضد الفلسطينيين. المرحلة الثانية: وهي مرحلة انتقالية، يبدأ تنفيذها من حزيران يونيو 2003 حتى كانون الأول ديسمبر 2003. وتتركز فيها الجهود المبذولة لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة، ذات سيادة موقتة، تمهيداً للتسوية الدائمة. وتساهم إسرائيل في تأمين التواصل الجغرافي لهذه الدولة. كما يتم تنظيم انتخابات فلسطينية إذا رأت اللجنة الرباعية أن الظروف تسمح بذلك. وتدعو اللجنة الرباعية إلى عقد مؤتمر دولي بالتشاور مع الأطراف المختلفة، بهدف تحريك الجهود من لأجل سلام شامل في الشرق الأوسط. وتعمل اللجنة الرباعية على الحصول على اعتراف الأممالمتحدة بالدولة الفلسطينية. المرحلة الثالثة: يتم فيها الاتفاق على الوضع الدائم وانهاء النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، وتنتهي هذه المرحلة في عام 2005 ويتم خلالها: 1- عقد مؤتمر دولي ثان في بداية عام 2004 بهدف إنشاء دولة فلسطينية بحدود نهائية مع بداية عام 2005، ويكون جدول أعمال المؤتمر قضايا القدس واللاجئين الفلسطينيين والمستوطنات. 2- استمرار الأجندة الإصلاحية التي وضعها فريق العمل، استعدادا لاتفاق الوضع النهائي. 3- استمرار التعاون الأمني الذي وضع في المرحلة الأولى. 4- تتم في نهاية المرحلة تسوية النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، وتقيم الدول العربية علاقات طبيعية مع إسرائيل، في إطار سلام عربي - إسرائيلي شامل. لقد أعلنت السلطة الوطنية الفلسطينية عن موافقتها على خريطة الطريق، وأوقفت جميع أنواع العنف ضد الإسرائيليين، وأجرت إصلاحات سياسية إذ وافق الرئيس الراحل ياسر عرفات مرغما على تعيين رئيس للوزراء يشاركه السلطة. كما جرت انتخابات ديموقراطية رئاسية وتشريعية، حسب ما نصت عليه خريطة الطريق. إلا أن إسرائيل لم تنسحب من المناطق الفلسطينية التي أعادت احتلالها منذ بدء الانتفاضة ولم تجمد عمليات الاستيطان، بل على العكس فقد زادت البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، وأقامت اسرائيل الجدار العنصري الذي صادر 40 في المئة من الأراضي الفلسطينية، وهو ما يتناقض بشكل رئيسي مع الخطة. علما أن الخريطة تتضمن التزامات واضحة على إسرائيل القيام بها. ويعود قبول القيادة الفلسطينية بخريطة الطريق رغم التحفظات عليها، لاعتقادها أنها لا تملك خياراً آخر سوى القبول بهذه الخطة، وأن الخريطة هي المشروع الوحيد المطروح للتسوية، والذي يمكن أن يفتح الطريق نحو الحل السياسي المنشود، وأن عدم التوصل إلى تفاهمات واضحة مع الولاياتالمتحدة في هذه المرحلة سيحمل في طياته مخاطر كثيرة على القضية الفلسطينية. وأن إسرائيل هي التي سوف تفشل الخطة كما أفشلت مشاريع سابقة كمشاريع جورج ميتشل وانطوني زيني وجورج تينت. ولهذا من الأفضل لها أمام المجتمع الدولي أن تظهر إسرائيل بأنها الرافضة للخطة أو لتنفيذها، من أن تظهر السلطة الفلسطينية ذلك. وأعلنت أنها ستطبق التزاماتها بشكل متواز مع تطبيق الالتزامات الإسرائيلية. وبعد مرور السنوات الأربع، ما زالت إسرائيل ترفض البدء في تنفيذ التزاماتها المطلوبة منها في المرحلة الأولى، مما يعزز المخاوف من أن الخريطة لم تكن سوى مشروع للتهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لإنهاء الانتفاضة الفلسطينية، ومواجهة تداعيات الاحتلال الأميركي للعراق، لأن خريطة الطريق لم تنص صراحة على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها في حرب حزيران يونيو 1967، حسب ما جاء في القرارات الدولية وعلى رأسها القراران 242 و283، أي على أساس الأرض مقابل السلام. ولم تحدد حدود الأراضي الفلسطينية التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية حسب ما كانت عليه في 4/6/1967. كما أن القدس لم يشر إليها على أنها عاصمة للدولة الفلسطينية. وتجنبت الخريطة الإشارة إلى أهم عناصر القضية الفلسطينية، وهي مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. لقد أعادت خريطة الطريق العملية السلمية إلى المربع الأول، إذ أضافت مرحلة انتقالية جديدة، مدتها ثلاث سنوات بعد أن كانت المرحلة الانتقالية السابقة التي نصت عليها اتفاقات أوسلو ومدتها خمس سنوات قد انتهت منذ عام 1999، وتتجاهل بذلك حقيقة أن مفاوضات الوضع الدائم كانت قد جرت في كامب ديفيد وطابا. ولم تتطرق إلى أن هدف خريطة الطريق إقامة دولة فلسطينية مستقلة تكون مترابطة الأراضي. وكان من الفروض حسب ما جاء في الخريطة، أن تنتهي المرحلة الأولى منها في شهر أيار مايو 2003، ولكن بعد مضي أربع سنوات ما زالت إسرائيل تماطل في تنفيذ ما هو مطلوب منها تنفيذه. فلم تنسحب من الأراضي التي احتلتها بعد انتفاضة الأقصى في 28 أيلول سبتمبر 2000، ولا من الأراضي التي تمر بعد أيام الذكرى الأربعون على احتلالها. ولم تقم إسرائيل في هذه المرحلة بتجميد كل النشاط الاستيطاني حسب ما جاء في تقرير ميتشل، ولم تفكك المستوطنات العشوائية ولم تجمد الاستيطان، ولم تقم بمبادرات إنسانية عبر السماح بإعادة فتح المؤسسات الفلسطينية في القدسالشرقية كبيت الشرق. ولم تبذل جهودا لإعادة أجواء الثقة بالامتناع عن اللجوء إلى تدابير عقابية، كهدم المنازل وقرارات الابعاد ومصادرة الأراضي واغتيال المناضلين الفلسطينيين، بل على العكس، فقد استمرت باغتيال نشطاء التنظيمات الفلسطينية. ومن جهة أخرى، فإن خريطة الطريق لم تنص على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، إلا في المرحلة النهائية، بعد أن يقوم الفلسطينيون، وهم ضحية الاحتلال، بتنفيذ كل ما يطلب منهم. ولهذا فإن خريطة الطريق تريد من الجانب الفلسطيني أن يقوم بتحقيق الأمن لإسرائيل، وهو ما عجزت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عن تحقيقه، على رغم ما تملكه من جيش وأجهزة أمنية. ولهذا فإن خريطة الطريق غير متوازنة، لأنها تطلب من الجانب الفلسطيني القيام بخطوات عدة معظمها ذات طابع أمني لمصلحة الجانب الإسرائيلي، من دون البحث في الحقوق الفلسطينية قضية اللاجئين والقدس والاستيطان والحدود والأسرى، التي ترك بحثها للمرحلة الثالثة. وفي ما يتعلق بالدولة الفلسطينية التي ورد ذكرها في خريطة الطريق، فقد كان المجتمع الدولي قد طالب بها قبل ذكرها في الخطة. كما أن مفهوم إسرائيل للدولة الفلسطينية يختلف كلياً عن التصور الفلسطيني لها، فاسرائيل ترى: * أن أي كيان فلسطيني يجب أن لا يسمح له بالسيطرة على الحدود مع أي دولة أخرى، وأن تكون المعابر الحدودية تحت سيطرة إسرائيلية. وأن يكون الكيان الفلسطيني محاطا بترتيبات دائمة يشرف عليها الجيش الإسرائيلي. * أن لا تكون أراضي الدولة الفلسطينية متصلة مع بعضها البعض، بل عبارة عن كانتونات مقطعة الأوصال وغير متواصلة جغرافياً. * أن صلاحيات أي دولة فلسطينية يجب أن تبقى صلاحيات وظيفية وليس سياسية. * أن تكون الدولة منزوعة السلاح وناقصة السيادة. * أن لا تسيطر على الأرض ولا على المياه والموارد الطبيعية. * أن لا توافق الدولة الفلسطينية على دخول قوات أجنبية وبخاصة عربية إليها. ان تأجيل البحث في تلك القضايا إلى المرحلة النهائية التي كان من المفترض أن تنتهي قبل عامين، يظهر أن خريطة الطريق سوف تكون أسوأ على الفلسطينيين من اتفاق أوسلو. فقد نص اتفاق أوسلو على خروج جيش الاحتلال الإسرائيلي من 90 في المئة من الأراضي الفلسطينية بحلول عام 1999، مقابل تأجيل قضايا القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات، ولكن إسرائيل لم تكن قد انسحبت في عام 2000 سوى من 18 في المئة من الأراضي الفلسطينية، علما أن مساحة جميع أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة حسب حدود الرابع من حزيران 1967 تبلغ 22 في المئة من فلسطين التاريخية، بينما مساحة الدولة الفلسطينية حسب خريطة الطريق لن تتجاوز 9 في المئة من فلسطين، وفي الوقت نفسه تطالب بتأجيل بحث تلك القضايا إلى المرحلة النهائية، التي لم تبدأ بعد. وأمام الأزمة التي تعيشها إسرائيل، بعد صدور تقرير فينوغراد، لا يبدو في الأفق القريب أن إسرائيل جاهزة للبدء في التفاوض مع الفلسطينيين، لا على خريطة الطريق ولا على المبادرة العربية التي اتفق عليها في مؤتمر قمة الرياض. ولهذا على الفلسطينيين أن يستعدوا لمواجهات جديدة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، وعلى العرب أن لا ينخدعوا بدعوات إسرائيل لتطبيع علاقاتها معهم. * أستاذ العلوم السياسية - جامعة اليرموك الأردنية