خلق الله الإنسان في كبد وتعب ونصب فلولا الداء لما عرف الدواء ولولا الشر لما عرف الخير، وإن المتأمل في صراع النفس مع الشهوات والذي قمنا بطرحه في الجزء الأول «العدد الماضي» يلمس أهميته لكثرة المغريات التي تؤجج الغرائز والشهوات. الضرر العظيم وفي هذا العدد يستكمل فضيلة الشيخ محمد بن صالح المنجد الداعية المعروف باقي عناصر الموضوع ليدخل إلى جانب مهم ألا وهو قبح الفاحشة، وعظم ضررها، مستدلاً بقول الإمام ابن القيم في فصل جامع لمضار الزنا يقول فيه رحمه الله: «والزنا يجمع خلال الشرِّ كلَّها من قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة، فلا تجد زانياً معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدقاً في حديث، ولا محافظة على صديق، ولا غيرة تامَّة على أهله؛ فالغدرُ والكذب والخيانة وقلة الحياء، وعدم المراقبة وعمد الأنفة للحرام، وذهاب الغيرة من القلب: مَنْ شعبه وموجباته. ومن موجباته: غضبُ الرب بإفساد حرمه وعياله، ولو تعرَّض رجل إلى ملك من الملوك بذلك، لقابله أسوأ مقابلة. ومنها: سواد الوجه وظلمته، وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين ومنها: ظلمة القلب وطمس نوره، وهو الذي أوجب طمس نور الوجه وغشيان الظلمة له. ومنها: الفقر اللازم؛ وفي أثر يقول الله تعالى: «أنا الله مهلك الطغاة، ومفقر الزناة». ومنها: أنه يذهب حرمة فاعله، ويسقطه من طاعة ربه ومن أعين عباده. ومنها: أنه يسلبه أحسن الأسماء، وهم اسم العِفَّة والبر والعدالة، ويتصف بعكسها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن. ومنها: أنه يسلبه اسم المؤمن كما في «الصحيحين»، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» فسلبه اسم الإيمان المطلق وإن لم يسلب عنه مطلق الإيمان، وسئل جعفر بن محمد عن هذا الحديث، فخط دائرة في الأرض وقال: هذه دائرةُ الإيمان، ثم خطَّ دائرةً أخرى خارجة عنها وقال: هذه دائرة الإسلام، فإذا زنا العبدُ، خرج من هذه، ولم يخرج من هذه. ومنها: أنه يفارقه الوصف الطيب الذي وصف الله به أهل العفاف، ويستبدل به الخبيث الذي وصف به الزناة؛ كما قال تعالى: {الخّبٌيثّاتٍ لٌلًخّبٌيثٌينّ والًخّبٌيثٍونّ لٌلًخّبٌيثّاتٌ والطَّيٌَبّاتٍ لٌلطَّيٌَبٌينّ والطَّيٌَبٍونّ لٌلطَّيٌَبّاتٌ}، وقد حرم الله الجنة على كل خبيث، بل جعلها مأوى الطيبين ولا يدخلها إلا طيب؛ قال الله تعالى: {الذٌينّ تّتّوّفَّاهٍمٍ المّلائٌكّةٍ ظّالٌمٌي أّنفٍسٌهٌمً فّأّلًقّوٍا السَّلّمّ مّا كٍنَّا نّعًمّلٍ مٌن سٍوءُ}، وقال تعالى: {وقّالّ لّهٍمً خّزّنّتٍهّا سّلامِ عّلّيًكٍمً طٌبًتٍمً فّادًخٍلٍوهّا خّالٌدٌينّ}، فإنما استحقوا سلام الملائكة ودخول الجنة بطيبهم، والزناة من أخبث الخلق، وقد جعل الله سبحانه جهنم دار الخبيث وأهله، فإذا كان يوم القيامة، ميز الخبيث من الطيب، وجعل الخبيث بعضه على بعض، ثم ألقاه وألقى أهله في جهنم؛ فلا يدخل النار طيبٌ، ولا يدخل الجنة خبيث. الحلاوة والوحشة ويواصل المنجد حديثه حول قبح الفاحشة، وعظم ضررها بأنها تؤدي إلى أن يضع الله سبحانه وتعالى في قلب الزاني وحشة وهي نظير الوحشة التي تعلو وجهه، فالعفيف على وجهه حلاوة، وفي قلبه أنس، ومن جالسه استأنس به، والزاني تعلو وجهه الوحشة، ومن جالسه استوحش به. ومنها: قلة الهيبة التي تنزع من صدور أهله وأصحابه وغيرهم له، وهو أحقر شيء في نفوسهم وعيونه؛ بخلاف العفيف فإنه يرزق المهابة والحلاوة. ومنها أن الناس ينظرونه بعين الخيانة، ولا يأمنه أحد على حُرمته ولا على ولده. ومنها الرائحة التي تفوحُ عليه يشمُّها كلُّ ذي قلب سليم، تفوح من فيه وجسده، ولولا اشتراكُ الناس في هذه الرائحة لفاحت من صاحبها ونادت عليه، ولكن كما قيل: كُلٌّ به مثلُ ما بي غير أنَّهم من غَيرة بعضهم للبعض عُذَّال ومنها ضيق الصدر وحرجه؛ فإن الزناة يعاملون بضد قصودهم؛ فإن ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته، ولم يجعل الله معصيته سبباً إلى خير قطُّ، ولو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة والسرور و انشراح الصدر وطيب العيش، لرأى أن الذي فاته من اللذة أضعافُ أضعافِ ما حصل له؛ دَعْ رِبْحَ العاقبة، والفوز بثواب الله وكرامته! ومنها أنه يعرِّض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن، فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد عاقَبَ لابسَ الحرير في الدنيا بحرمانه لُبْسَهُ يوم القيامة، وشاربَ الخمر في الدنيا بحرمانه إياها يوم القيامة، فكذلك من تمتّع بالصور المحرّمة في الدنيا، بل كُلُّ ما ناله العبد في الدنيا، فإنْ توسَّع في حلاله، ضيِّق من حظه يوم القيامة بقدر ما توسَّع فيه، وإن ناله حرام فاته نظيرُهُ يوم القيامة. ومنها أن الزنا يجرّئه على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين، وكسب الحرام وظلم الخلق، وإضاعة أهله وعياله، وربما قاده قَسْراً إلى سفك الدم الحرام، وربما استعان عليه بالسحر وبالشرك وهو يدري أو لا يدري؛ فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها، ويتولد عنها أنواع أخر من المعاصي بعدها، فهي محفوفة بجند من المعاصي قبلها وجند بعدها، وهي أجلبُ شيء لشر الدنيا والآخرة، والمنع شيء لخير الدنيا والآخرة، وإذا علقت بالعبد فوقع في حبائلها وأشراكها، عزَّ على الناصحين استنقاذه، وأعيا الأطباء دواؤه، فأسيرها لا يُفدى، وقتيلها لا يودى، وقد وكَّلها الله سبحانه بزوال النعم، فإذا ابتلي بها عبد فليودِّع نعم الله؛ فإنها ضيف سريع الانتقال، وشيك الزوال؛ قال الله تعالى: {ذّلٌكّ بٌأّنَّ اللَّهّ لّمً يّكٍ مٍغّيٌَرْا نٌَعًمّةْ أّنًعّمّهّا عّلّى" قّوًمُ حّتَّى" يٍغّيٌَرٍوا مّا بٌأّنفٍسٌهٌمً وأّنَّ اللَّهّ سّمٌيعِ عّلٌيمِ}، وقال تعالى: {وإذّا أّرّادّ اللَّهٍ بٌقّوًمُ سٍوءْا فّلا مّرّدَّ لّهٍ ومّا لّهٍم مٌَن دٍونٌهٌ مٌن والُ}. شهوات الزمان بعد ذلك استعرض الشيخ المنجد بعض الإحصائيات والمعلومات المهمة عن الإباحية والمتاجرة بها في هذا الوقت فيبين فضيلته أنه قد ذكرت وزارة العدل الأمريكية في دراسة لها، أن تجارة الدعارة والإباحية الخلقية تجارةٌ رائجة جداً يبلغ رأس مالها ثمانية مليارات دولار، ولها أواصر وثيقة تربطها بالجريمة المنظمة. مشيراً أن تجارة الدعارة هذه تشمل وسائل عديدة كالكتب والمجلات وأشرطة الفيديو والقنوات الفضائية الإباحية والإنترنت. مؤكداً كذلك فضيلته أن إحصاءات وكالة الاستخبارات الأمريكية «FBI» تفيد أن تجارة الدعارة هي ثالث أكبر مصدر دخل للجريمة المنظمة بعد المخدرات والقمار؛ حيث تحظى ب85% من أرباح المجلات والأفلام الإباحية. إقبال وإباحية ويضيف الشيخ المنجد أن إحدى الشركات الإباحية تزعم بأن «7 ،4» ملايين زائر قاموا بزيارة صفحاتهم في الأسبوع الواحد، وقامت بعض الشركات بدراسة عدد الزوار لصفحات الدعارة والإباحية في الإنترنت؛ فوجدت أن بعض هذه الصفحات الإباحية، يزورها «280034» زائراً في اليوم الواحد، وهناك أكثر من مائة صفحة مشابهة تستقبل أكثر من «20000» زائر يومياً، وأكثر من «2000» صفحة مشابهة تستقبل أكثر من «1400» زائر يومياً، وإن صفحة واحدة فقط من هذه الصفحات قد استقبلت خلال سنتين «508 ،613 ،43» من الزوار، وإن واحدة من هذه الجهات تزعم أن لديها أكثر من ثلاثمائة ألف صورة خليعة تم توزيعها أكثر من مليار مرة، ولقد قام باحثون بإجراء دراسة إحصائية على «410 ،917» صورة، استرجعت «5 ،8» ملايين مرة من «2000» مدينة في «40» دولة؛ فوجدوا أن نصف الصور المستعادة من الإنترنت هي صور إباحية وأن «5 ،83%» من الصور المتداولة في المجموعات الإخبارية هي صورٌ إباحية. وأضاف فضيلته: وفي عملية إحصاء أجرتها إحدى المؤسسات في مارس عام «2000»، فوجدت أن أكثر من ثمانين في المائة من رواد الشبكة العنكبوتية يدخلون إلى مواقع الحرام، ويقول الباحث ستيف واترز: إنه غالباً ما تبدأ هذه العملية بفضول بريء، ثم تتطور بعد ذلك إلى إدمان مع عواقب وخيمة؛ كإفساد العلاقات الزوجية، أو تبعات شر من ذلك. ويؤكد فضيلة الشيخ المنجد أن التجار وجدوا صعوبة فائقة في جمع الأموال عن طريق صفحات النسيج العالمي إلا في شريحة واحدة، وهي شريحة صفحات الدعارة فإنها تجارة مربحة جداً، ويقبل الناس عليها بكثرة، ولو اضطروا لدفع الأموال الطائلة مقابل الحصول على هذه الخدمة، وفي سنة «1999م» بلغت مجموعة مشتريات مواد الدعارة في الإنترنت «8%» من التجارة الإلكترونية، والبالغ دخلها «18» مليار دولار؛ كما بلغت مجموعة الأموال المنفقة على الدخول على الصفحات الإباحية «970» مليون دولار، ويتوقع أن ترتفع إلى «3» مليارات دولار في عام «2003م»، وهذه الصفحات تتكاثر بشكل مهول تبلغ مئات الصفحات الإباحية الجديدة في الأسبوع الواحد، كثير منها تؤمِّن هذه الخدمة مجاناً. ويقول فضيلته: كما تفيد الإحصاءات بأن «63%» من المراهقين الذين يرتادون صفحات وصور الدعارة لا يدري أولياء أمورهم طبيعة ما يتصفَّحونه على الإنترنت، علماً بأن الدراسات تفيد أن أكثر مستخدمي المواد الإباحية تتراوح أعمارهم ما بين «12» و «17» سنة، والصفحات الإباحية تمثِّل بلا منافس أكثر فئات صفحات الإنترنت بحثاً وطلباً. دعوى الحرية *ر19ر* ولّوًلا فّضًلٍ اللَّهٌ عّلّيًكٍمً ورّحًمّتٍهٍ وأّنَّ اللَّهّ رّءٍوفِ رَّحٌيمِ }. محذراً من خطورة محاولة تصدير هذه المصائب والأمراض إلى دول الإسلام. ودعا فضيلته في نهاية المحاضرة القيمة إلى توخي الحذر والحيطة واتباع الوسائل الكفيلة بالمعالجة وفق الأسس الشرعية والتي تأخذ بالحسبان جميع العوامل المؤثرة في هذا الوضع. (*) إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.