وصلت العلاقات الامريكية الفرنسية الى طريق مسدود بعد استبعاد واشنطنلباريس من اقتسام «الغنائم العراقية». ويتوقع الملاحظون في باريس تفاقم الازمة بين البلدين بعد معارضة الادارة الامريكية لفكرة انشاء قوة اوروبية مستقلة عن حلف شمال الاطلنطي. الخلاف بين واشنطنوباريس يزداد حدة من اسبوع الى آخر. فالإدارة الامريكية اقصت فرنسا من عملية اعادة اعمار العراق أو ما يعبر عنه في الكواليس الامريكية باقتسام «الغنائم العراقية». وفي مرحلة ما بعد الحرب سيقتصر الدور الفرنسي على اعادة جدولة الديون العراقية. وفي هذا الصدد طلب الرئيس الامريكي جورج بوش من نظيره الفرنسي استقبال جيمس بيكر المكلف بالديون العراقية. ويقول غي ميليار صاحب كتاب «ما يريده بوش» في تصريح خاص ل«الجزيرة»: ان فرنسا اخطات عندما عارضت الحرب على العراق اذ تجاهلت بموقفها هذا ميزان القوى على الساحة العالمية. ولكن فرنسا تواصل معارضتها بشدة للسياسة الخارجية للادارة الامريكية لا سيما بعد الفشل الذريع الذي عرفته القوات الامريكية في عراق ما بعد الحرب. وفي الآونة الاخيرةَ انتقلت المعركة الكلامية بين فرنساوأمريكا من باريس الى واشنطن إذ صرح هوارد دين احد ابرز زعماء الحزب الديمقراطي بأنه يعارض سياسة الرئيس بوش تجاه حلفائها التقليديين كفرنسا. وقال دين المرشح لتمثيل حزبه في الانتخابات الرئاسية المقبلة في تصريح للاسبوعية الفرنسية لي جورنال دي ديمانش انه سيعمل على تحسين العلاقات بين البلدين. ويساند العديد من رجال السياسة والمثقفين الفرنسيين السياسة الخارجية التي تنتهجها فرنسا حاليا والرامية الى الحد من النفوذ الامريكي باعتماد سياسة تقارب مع دول اخرى لا سيما منها المانياوروسيا. ولكن غي ميليار يشكك في جدوى هذه السياسة اذ يقول ان المانيا لا تملك مقعداً دائماً في مجلس الامن الدولي وبالتالي فإن تاثيرها معدوم تقريباً. اما روسيا فهي في امس الحاجة للاستثمارات الامريكية. تقارب فرنسي بريطاني لكن المعطى الجديد الذي باستطاعته قلب الموازين لصالح فرنسا هوالتقارب الذي حصل مؤخرا بين باريس ولندن والذي انتهى بمبادرة لانشاء قوة اوروبية جديدة تكون مستقلة عن حلف شمال الاطلنطي.ويرى المحللون ان هذا التقارب سيفرض واقعا جديدا في العلاقات بين ضفتي الاطلنطي خاصة وان بريطانيا كانت حليف أمريكا الاول في حربها على العراق. وتعارض الادارة الامريكية بشدة مشروع الدفاع الاوروبي المشترك اذ ترى فيه تهديداً لحلف شمال الاطلنطي. يذكر ان كتائب اوروبية انتشرت في اغسطس الماضي في جمهورية الكونغوالديمقراطية قبل وصول تعزيزات لقوات احلال السلام التابعة للامم المتحدة. ومن المنتظر ان يكون تدخل القوة الاوروبية المشتركة مكثفا في افريقيا لا سيما في المستعمرات القديمة. وخلال الاشهر الاخيرة احتد التنافس بين أمريكاوفرنسا في القارة السمراء حيث تدخلت الاولى في ليبيريا وتمكنت من الاطاحة بنظام الرئيس تشارلز تايلور فيما استطاعت الثانية اخماد فتيل الحرب الاهلية في ساحل العاج. المغرب العربي ملعب جديد للتنافس من جهة اخرى تعمل كلتا الدولتين على استمالة دول المغرب العربي. ففي 3 ديسمبر استقبل الرئيس التونسي زين العابدين بن على كلا من وزير الخارجية الامريكي كولن باول والرئيس الفرنسي جاك شيراك. وزار كولن باول فيما بعد الجزائر والمغرب. اما جاك شيراك فبزيارته الى تونس يكون قد اختتم في اقل من عام جولة مغاربية حملته هو الآخر الى الجزائر والمغرب. وعن هذا الملعب الجديد للتنافس يقول ميشال كورنمان احد آباء الجغراسياسة في فرنسا ل«الجزيرة»: دول المغرب العربي تبحث منذ احداث 11 سبتمبر 2001 عن دعم اقتصادي وامني وهذه هي الفرصة السانحة لكل من أمريكاوفرنسا لبسط النفوذ في المنطقة. ويضيف كورنمان قائلا: فرنسا وعدت دول المغرب العربي بصفة اسثنائية في ظل توسيع الاتحاد الاوروبي اما أمريكا فتعمل على توقيع اتفاق شراكة اقتصادية مع دول المنطقة. لكن المحللين يتوقعون فشل فرنسا في منافستها لأمريكا خاصة وانها تمر حاليا بازمة اقتصادية خانقة اضافة الى قوة أمريكا على جميع الاصعدة.