عرض الكاتب جيم هوغلاند في صحيفة "واشنطن بوست" سيناريواً للحرب الاميركية على العراق. وقال هوغلاند، المعروف بصلاته الوثيقة بالمسؤولين في واشنطن، ان وزارة الدفاع الاميركية أصبحت مستعدة للحملة العسكرية على العراق التي بات بإمكانها خوضها في غضون ثمانية اسابيع، أي في شهر كانون الثاني يناير المقبل. وأضاف هوغلاند ان وزارة الدفاع الاميركية تكمل الآن المرحلة الأخيرة من التحضيرات، مع بداية تدريب حوالى ثلاثة آلاف الى خمسة آلاف معارض عراقي على مهمة حفظ الأمن في العراق في مرحلة ما بعد التحرير الاميركي. ويعتبر ان إزالة النظام البعثي في العراق ينبغي ان يكون بمثابة عملية تدخل انسانية على غرار ما حصل في كوسوفو والبوسنة وتيمور الشرقية والى حد ما في افغانستان. يطرح هذا السيناريو تساؤلات عن مدى الامكانية المتاحة لدى فرنسا للوقوف ضد الموقف الاميركي ومعارضته. ففرنسا تعارض تغيير النظام في العراق وتريد تجنيب الحرب واعطاء فرصة لعملية نزع التسلح العراقي. وهناك في فرنسا اجماع على مستوى الحكم والأحزاب المختلفة من اليمين واليسار على معارضة العزم الأميركي على خوض حرب لتغيير النظام العراقي، ليس حباً بهذا النظام، وانما لأن مثل هذه الحرب تشكل مجازفة مجهولة النتائج. إلا ان بقاء فرنسا على موقفها هذا أمر بالغ الصعوبة، والرئيس الاميركي جورج بوش أعلن ان لصبره حدوداً وانه عازم على انشاء حلف دولي خارج الأممالمتحدة، اذا عجزت عن التوصل الى قرار خلال هذا الاسبوع. وتراهن فرنسا على ديبلوماسية وزير الخارجية الاميركي المعتدل كولن باول، الذي يدرك خطورة العملية العسكرية كونه شارك في حرب فيتنام. إلا ان أحد الديبلوماسيين الاميركيين لاحظ انه بمقدار ما تشيد فرنسا بمزايا باول بمقدار ما تضعفه بين صقور الادارة الاميركية العازمين على الحرب. وإذا قرر بوش انشاء ملف دولي خارج الأممالمتحدة فإن ذلك سينعكس سلباً على فرنسا وعلى العالم بأسره لأنه يعني نهاية الأممالمتحدة ودورها، وتعزيز هيمنة الولاياتالمتحدة التي يقودها رئيس متطرف يريد ادارة شؤون العالم مع فريقه من الصقور من دون قيود أو ضوابط. وفي مثل هذه الحال سينشأ في العالم فريق يضم الحلفاء الذين شاركوا بوش في حربه على العراق، وفريق آخر يضم الأعداء أي الدول التي سيتم عزلها بحيث لا تحصل على أي حصة أو دور في المنطقة في ما بعد. فالمأزق الفرنسي خطير إذن بالنسبة الى مصالح فرنسا وعلاقاتها الاطاسية، ولكن في الوقت نفسه فإن رفضها الانجرار الى مجازفة بوش العسكرية منطقي وعاقل. ولكن هل يكن هذا الموقف الفرنسي ان يصمد؟ هناك من يراهن على لجوء فرنسا الى "الفيتو" أو الى الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن، واذا تم ذلك فإن فرنسا سترى دورها محجماً في المنطقة. فكيف سيعمل الرئيس الفرنسي بعد ذلك على اقناع بوش ببذل جهود من أجل عقد مؤتمر دولي للقضية الفلسطينية، وكيف يمكنه اقناع واشنطن بالمشاركة في مؤتمر "باريس 2" حول لبنان وغير ذلك من الأمور الدولية التي تعلق عليها فرنسا اهمية كبرى. الرئيس الفرنسي خبير في السياسة الدولية ويعرف العالم العربي جيداً، وهو مدرك لخطورة المجازفة بقلب النظام العراقي، خصوصاً اذا فشلت أو أدت الى عدم استقرار في المنطقة. وهو مدرك ايضاً ان النظام العراقي اساء بشكل كبير الى شعبه، ولكون العراق لن يحكم بقيادة جنرال اميركي، فالمستقبل بعد الضربة مجهول وفرنسا تتخوف منه، ولكن ماذا لو شكلت الولاياتالمتحدة حلفاً خارج الأممالمتحدة؟ يقول بعض الديبلوماسيين الاميركيين ان دولاً أوروبية في طليعتها بريطانيا وايطاليا واسبانيا ودولاً غربية مثل كندا واستراليا وعربية مثل مصر والأردن والكويت وقطر والامارات وعمان والبحرين ستشارك في الحرب. فهل بإمكان فرنسا البقاء خارج هذا الحلف؟ وما هي الكلفة التي ستترتب على هذا الموقف؟ الرئيس جاك شيراك ووزير خارجيته مدركان لهذه الصعوبة، على رغم تمسكهما برفض المجازفة الاميركية. ولكن هل سيتمكنان من الصمود في موقف يجنب فرنسا المشاركة في حرب، من دون الانجرار عاجلاً أو آجلاً الى حرب، قد يؤدي الاحجام عن المشاركة فيها الى تهديد المصالح الفرنسية؟