وقَّع الرئيس الأمريكي جورج بوش فجر أمس السبت بتوقيت الخليج على تشريع يتضمن سلسلة من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية ضد سوريا عقب قرابة ثلاثة أسابيع من تلقيه النسخة النهائية لصيغة القانون الذي حصل على تأييد بين المشرعين الأمريكيين في مجلسي الشيوخ والنواب، غير ان دوائر أمريكية ونواب في الكونجرس حذروا من ان القانون قد يزيد من العداء لأمريكا في العالم العربي دون أن يحقق أي فوائد عملية في الضغط على سوريا التي تخضع أصلا لعقوبات من واشنطن من خلال وضعها على ما يسمى القائمة الأمريكية للدول الراعية للارهاب. ويفرض القانون الذي يسمى قانون «محاسبة سوريا وسيادة لبنان» سلسلة من العقوبات على سوريا لمطالبتها بوقف ما يصفه أعضاء مجلس الشيوخ والنواب بالارهاب وانهاء ما يزعمون انه احتلال سوري للبنان. وتزامن التوقيع على القانون اصدار البيت الأبيض بياناً باسم الرئيس الأمريكي شدد فيه بوش على عدد من المبادئ التي تمنحه حرية تطبيق التعامل مع العقوبات.. وقال ان التشريع «يستهدف دعم قدرات أمريكا في اجراء سياسية خارجية فعَّالة». وشدد بوش في بيانه على نقاط محددة حيث قال ان البند الخامس من القانون يفرض التزامات على الرئيس الأمريكي لاتخاذ خطوات معينة ضد سوريا ما لم يبلغ ويثبت للكونجرس أن الحكومة السورية قد اتخذت أفعالا معينة أو يستخدم الحق في تعليق تلك العقوبات ويبلغ الكونجرس بأسباب ذلك. ورد بوش على ذلك بالقول ان «قانونا لا يمكن أن يمثِّل عبئا على أو يقوض قدرة الرئيس الأمريكي على استخدام سلطاته الدستورية الأساسية بوضع شروط على استخدام هذه الصلاحيات». وأكد الرئيس الأمريكي أن السلطات التنفيذية سوف تنفذ البند الخامس وتفهمه بصورة تتفق مع حق بوش في ممارسة صلاحياته الدستورية في الشئون الخارجية. وينادي القانون بفرض القانون حظرا على حصول سوريا على أسلحة أمريكية أو المكونات والبضائع التي تستخدم لأغراض مزدوجة مدنية وعسكرية. وما لم تلتزم سوريا بالمطالب المتشددة التي يتضمنها التشريع الجديد سوف يتعين على الرئيس الأمريكي بالاضافة الى ذلك الاختيار بين اثنين من ست عقوبات تشمل فرض حظر كامل على الصادرات الأمريكيةلسوريا باستثناء الغذاء والأدوية و فرض حظرعلى جميع الاستثمارات الأمريكية في سوريا وتقييد حركة الدبلوماسيين السوريين في واشنطن ونيويورك الى مسافة لا تتعدى 25 ميلا وحظر تحليق طائرات لشركات طيران تديرها أو تمتلكها سوريا وتخفيض التمثيل الدبلوماسي المتبادل بين أمريكاوسوريا وتجميد الأرصدة السورية في البنوك الأمريكية. غير أنه من حق الرئيس الأمريكي تعليق تنفيذ تلك العقوبات لفترة ستة أشهر يتم تجديدها بقرار يصدر منه بصورة دورية على أساس أن تعليق تلك العقوبات من شأنه الاضرار بالأمن القومي الأمريكي وهو المبرر الممكن أن يلجأ اليه الرئيس اذا أراد. وينص القانون على مطالبة سوريا بوقف ما يصفه بالارهاب ووقف ما يوصف باحتلالها لبنان ووقف تطوير أسلحة الدمار الشامل ووقف الاستيراد غير القانوني للنفط العراقي ووقف تهريب الأسلحة الى العراق «وهما تهمتان سبقتا غزو العراق» وتحميل سوريا مسئولية المشاكل الأمنية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. وقال الرئيس الأمريكي في بيانه ان البند السادس لقانون «محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان» ينص على أن يقوم مسئول في السلطة التنفيذية بتزويد الكونجرس بمعلومات حول كافة القضايا المتعلقة بسوريا الارهاب، وردا على ذلك أشار في بيانه الى أن «السلطة التنفيذية سوف تفسر البند السادس بصورة تتسق مع السلطة الدستورية للرئيس في حجب المعلومات التي قد يؤدي الكشف عنها الى الاضرار بالعلاقات الخارجية والأمن القومي الأمريكي». ويتضمن البيان الرئاسي عبارة يقول بوش فيها ان «موافقتي على القانون لا تعني انني أتبنى كافة بنود القانون باعتبارها بنودا للسياسة الخارجية الأمريكية».. مشيرا الى أن السلطة التنفيذية التي يرأسها سوف تفسر تلك البنود على أنها مشورة للسلطات. ويرى المحللون أن البيان الرئاسي يظهر معارضة الرئيس الأمريكي لوضع قيود تتحكم في توجهات السياسة الخارجية الأمريكية والقدرة على استمرار قنوات الاتصال مع سوريا في الوقت الذي يرغب فيه بوش في ارسال رسالة سياسية لحكومة دمشق. وفي الوقت نفسه أراد الرئيس الأمريكي من خلال التوقيع على القانون اظهار الاستياء من دمشق ونقل رسالة بأن الأوضاع في المنطقة قد اختلفت في مرحلة ما بعد الاطاحة بنظام صدام حسين وأنه على سوريا أن تعيد حساباتها السياسية. وتركز الاتهامات الأمريكيةلسوريا على ما يوصف بتوفير السلطات السورية لمن تصفهم واشنطن بالارهابيين ملاذاً آمناً وهذا ما يشير بالتحديد الى وجود مكاتب لحركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين في سوريا بالاضافة الى ما تكرره واشنطن حول دعم الحكومة السورية لجماعة حزب الله اللبنانية. يضاف الى ذلك اتهام الولاياتالمتحدةلسوريا بالسعي الى امتلاك وتطوير أسلحة دمار شامل وما تسميه واشنطن باحتلال الأراضي اللبنانية من خلال رفض خروج القوات السورية من لبنان، فضلا عن اتهامات بعدم اتخاذ اجراءات كافية لمنع تسلل عناصر معادية للولايات المتحدة الى الأراضي العراقية عبر الحدود السورية-العراقية. وقد حذَّرت بعض الدوائر الأمريكية بما في ذلك عدد قليل من أعضاء الكونجرس من أن الموافقة على مشروع قانون «محاسبة سوريا» قد يزيد من العداء لأمريكا في العالم العربي دون أن يحقق أي فوائد عملية في الضغط على سوريا لتغير تصرفاتها. وحتى قبل اقرار هذا القانون تطبق الولاياتالمتحدة بالفعل سلسلة من العقوبات ضد سوريا خاصة في المسائل العسكرية بسبب وضع سوريا على القائمة الأمريكية لمن تسميهم واشنطن بالدول الراعية للارهاب. وتسببت القيود الأمريكية في تراجع التبادل التجاري السوري - الأمريكي الى ما لا يتعدى ثلاثمئة مليون دولار سنويا الأمر الذي دفع محللين سوريين الى القول إن الأثار العملية لتلك العقوبات لن تكون كبيرة على اعتبار أن سوريا لا تحصل على أسلحة من أمريكا وحجم التجارة المتبادلة لا يكاد يذكر.