* هناك علاقة وثيقة؛ بل هي رابطة أساسية؛ تربط بين الأمن كمنجز حضاري في الأمة، وبين التنمية الحضارية نفسها، تلك التي لا تتحقق، إلا في ظل رفاهية الحياة في المجتمع، وذلك.. لأن المنجز الأمني نفسه، هو صورة من الصور الحضارية التي تفخر بها الشعوب، وتظل تعمل على تطويرها وتحديثها، وابتكار ما يدعم فاعليتها وازدهارها، من أساليب ووسائل، لضمان تماسكها واستقرارها، ولصيانة وحدتها، ونمو رفاهية العيش بين أفرادها على الدوام. * ومما جاء به الرسل والأنبياء كافة، تعاليم سماوية سمحة، تقف ضد العدوان والطغيان، وتمنع الظلم والبهتان، وتردع فساد الأخلاق بين الخلائق، وتحول بين النفس البشرية الأمارة بالسوء، وبين الارعاب والارهاب والخوف.. وهذه من الأساسيات التي يقوم عليها العدل والمساواة بين الأفراد، وتستقيم معها طبائع البشر، وتسود بها الطمأنينة، وتستقر بفعلها أحوال الناس، فيطيب معاشهم، وتصلح حياتهم، فتتفرغ أذهانهم لما يقربهم إلى الله، من عبادات وأعمال بناءة لمجتمعاتهم وأوطانهم. * لكن.. مع كل ما ورد من مبادئ ربانية سامية، في هذا الجانب الإنساني، فكان الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - يعملون من أجل ترسيخها على مر العصور، ظل في الكون بقايا من أشرار، وزمر من شواذ، يعملون بما تمليه عليهم ضمائرهم المريضة، وتوحي به نفوسهم الخبيثة، على الهدم والترعيب والتخريب، واستهداف غيرهم بالأذى، ونشر الخوف بدل الأمن في أوساط مجتمعاتهم.. فهؤلاء وأمثالهم، هم خصوم حقيقيون للحضارة الإنسانية، بل أعداء ألداء،لما نصت عليه الديانات السماوية السمحة، فهم يسعون في الأرض فساداً، بقتلهم الأنفس المحرمة، وباجتراحهم المحرمات، من سرقات ومخالفات، واستحواذ على ممتلكات الغير بالقوة، إلى جانب نشرهم للفساد الخلقي المدمر، بترويج المسكرات والمخدرات، وتدمير الشبيبة بكل فكر ضال منحرف. * هذه الأمور كلها، وفوقها معها، ما هو أعظم وأكبر منها، هي من مهام جهاز الأمن، بكل فروعه وشعبه وأقسامه، في بلدنا هذا اليوم، وهي كلها بيد رجل الأمن الأول في وطننا هذا، الأمير «نايف بن عبد العزيز» ومثلي مهما كتب وقال، لن يوفي وزارة الداخلية، ولا وزيرها أو الرجال العاملين معه في هذا الحقل، الحق المتوجب لهم، لقاء جهودهم الكبيرة، وتضحياتهم العظيمة، من أجل أن يظل «المنجز الأمني الوطني» في المملكة، مكسباً حضارياً عريقاً وعزيزاً على الدوام، لا يهتز لحظة أو يتراجع، مهما أرجف المرجفون، وزيف المزيفون، ونعق الناعقون، من جحورهم وكهوفهم الظلامية هنا أو هناك..! * إن ثقتنا كمواطنين في اخواننا وأبنائنا رجال الأمن العام، على مختلف مهامهم ورتبهم، هي الجسر الراسخ الذي يربطنا بهم، ويجعلنا معهم في خندق واحد، ضد الشاذين والأفاقين، الذين باعوا أنفسهم لطواغيت العصر، من أولئك المتلبسين بدين الإسلام الحنيف، وهم الذين يهدمون مبادئه وأخلاقياته، القائمة على صون الأنفس والأعراض والممتلكات، فلا يرقبون في ذلك إلا ولا ذمة. * إني أكتب هنا، وأنا أرى نفسي واحداً من جنود الأمن البواسل، الذين يقفون على الثغور الأمنية، في وجوه أهل السفل والسفه والبغي، من أجل أمن الناس.. كل الناس من خوف، إن هذا الشعور الذي يغمرني ويفرحني في الوقت نفسه، يدفعني لتقديم هذه الفكرة المتواضعة، فأهديها إلى رجل الأمن الأول في بلادي، سمو الأمير «نايف بن عبد العزيز آل سعود»، فلربما وجدت طريقها للبحث والدراسة، فأكون بذلك قد أسعدني حظي، فضربت بسهم متواضع في خدمة وطني الكبير. إن الهيكلة المعمول بها في «ادارات الشرط» وأقسامها في كافة المدن، تقوم كما نعرف، على وجود مديرية عامة للشرطة» في كل منطقة، يتبعها «ادارات شرطة»، ففي كل محافظة من المحافظات، «إدارة شرطة» وتتفرع من كل إدارة شرطة، «أقسام شرطة»، ويختص كل قسم شرطة، بخدمة عدد من الأحياء السكنية، فهي تكثر في كثير من الأحيان، لتصبح فوق العشرة أحياء على «قسم شرطة واحد»، على ما فيها من عدد سكان كبير، قد يصل إلى مئات الألوف، اضافة إلى المؤسسات والمتاجر وغيرها، من أوجه حياة الناس وأنشطتهم اليومية. وفي ظل هذا الزخم الكبير، من المسؤوليات المناطة بأقسام الشرطة في الوقت الحاضر، ولكثرة وتنامي الظواهر السلبية المخلة بالأمن العام، من اعتداءات وسرقات ومخاصمات، ومنازعات، ومخدرات ونحوها، ولأن هذه الاشكاليات التي نلحظها، ويكتب عنها كثيراً في صحافتنا في السنوات الأخيرة، انما نتجت بسبب استغلال الشريرين من الناس، لما هو متاح من مرونة عالية، وحرية كبيرة، يتسم بها التواصل والتنقل لكافة الأفراد، وكذلك الحركة والسكن والعمل، دون رقابة من أحد، ولا مساءلة أو مطالبة بأي ثبوتات كانت.. وهذه ميزة جيدة، يمتاز بها مجتمعنا، ولكنها باتت تتعرض للتشويه والاساءة، من أولئك السفهاء المجترحين للضوابط الأمنية، حتى رأينا كيف يتمكن مجهولون أو معلومون، من ارباب الارهاب أو الاجرام مثلاً، من السكن والتلصص، وخزن الأسلحة والذخائر، وسط حي دون أن يعلم بهم أحد، أو يراهم، لكنه لا يعرف شيئاً عن خفاياهم ونواياهم، وكيف يتنقل مخالفون لأنظمة الاقامة، بل ويقطنون بين السكان، بعيداً عن الملاحقة، وتحت مظلة مواطنين متسترين في بعض الأحيان.. إلى غير ذلك مما هو معلوم لدى الأجهزة الأمنية بدون أدنى شك. لهذا.. وحتى يتحمل المواطن مسؤولياته الأمنية كاملة، أمام ذاته ثم قيادته وأهله وناسه ووطنه، اقترح توسيع دائرة «أقسام الشرط»، فيتفرع عنها «مخافر شرط»، بحيث يخصص لكل حي كبيراً كان أو صغيراً «مخفر شرطة» لا تقتصر مهامه على الملاحقة بعد الحدث، فيصرف كافة جهوده في اطار «الأمن الجزائي أو الردعي»، وإنما يستبق الحدث، فيكون مهتماً قبل كل شيء ب «الأمن الوقائي»، الذي هو اجراء احترازي في غاية الأهمية، يحول دون الفرد والجريمة في الأساس، فلا يكون هناك بعد ذلك حاجة ل «أمن جزائي»، لأن الجريمة تنتفي في هذه الحالة. إن خلاصة ما أود قوله هنا، هي أن يكون في كل حي سكني، «مخفر شرطة»، بمفهوم عصري منفتح، يستفيد من التقنية المعلوماتية الحديثة، فيتوفر على سجل مدني معلوماتي لكافة السكان، يرصد حالات ازديادهم ووفياتهم، ويتابع حركات التنقل والوفادة والمغادرة، على مدار اليوم، ويعرف أنشطة وأعمال السكان كافة، سعوديين أو غير سعوديين، ويكون هناك ربط وثيق بين «مخفر الشرطة» وبين عمدة وسكان الحي، فلا تقام دار جديدة، أو تهدم أو تباع أو تؤجر أو تخلى أو تسكن، حتى يحاط المخفر بذلك، بموجب تنظيم محكم واضح لكافة الناس، يوجب هذا الأمر، وينظم علائقه مع كافة المصالح الخدمية، عامة أو خاصة. إن مثل هذا التنظيم الأمني المحكم، ليس بدعاَ، فهو معمول به في بعض بلدان الجوار، ومنها جمهورية مصر العربية ، وفيها على سبيل المثال، لا يبيت ساكن جديد، أو يرحل آخر، دون اخطار المخفر من قبل مالك الدار، أو المساكن العمومية، من فنادق أو شقق أو غيرها، إن المظهر الأمني مهما كان شكله، مدعاة للأمن نفسه، وعنوان لقوته وهيبته، ومن الحكم المأثورة قولهم: «الطريق المطروق، هو الأكثر أماناً». وقولهم: «الطريقة للبقاء سالماً، هي ألا تعتقد أنك في أمان». إن وجود مثل هذا المخفر، وكذلك تفعيل دور العمدة، واعادة نظام العساس الليليين في الأحياء، من وجهة نظري، إجراء محتم في هذا الوقت، خاصة ونحن نتابع تصاعد العنف بين الشباب، وما يتعرضون له من ضغوط كثيرة، منشؤها تجار المخدرات، وكذلك تجار الأفكار المنحرفة، وهواة الافساد من شياطين الإنس، الذين عز عليهم أن نعيش في أمن وأمان ورفاهية عيش، فاستسلموا لوساوسهم، واستجابوا لنزغاتهم، فاستطابوا العمل على تخريب البنيان الرصين، والضرب في الجدار المتين، فهم الذين يتحزبون لبعضهم، ويتميزون عن غيرهم، ويجعلون لهم حوزات في الدور الخلفية عادة، فهم الذين نراهم عادة بيننا، لكنهم جسوم معنا، وقلوب مع عدونا..! قاتلهم الله أنى يؤفكون. [email protected]