بعض «الظواهر» الطبية تجعل المرء يحتار في كيفية استمراريتها رغم عدم انتمائها للمنطق والواقع السليم! فمنذ سنوات والأطباء السعوديون يرفعون أصواتهم بالشكوى من مسألة الطبيب الزائر، بالصورة التي تتم بها، وبأنها غير مجدية بل ومضرة في كثير من الأحيان. وإذا كان القرار الذي اتخذته وزارة الصحة مؤخراً بتقنين استقدام الأطباء الزائرين للمملكة خطوة في الطريق الصحيح فإننا ومن باب المساهمة، والحرص على الارتقاء الدائم بالعمل المهني في المجال الطبي كنا ولانزال ضد الاستعانة بالأطباء الزائرين لمدد قصيرة ولأسباب عديدة في مقدمتها العرف الطبي الذي يؤكد على حق أي مريض تجرى له عملية بواسطة طبيب أن يقوم ذلك الطبيب بمتابعة تلك العملية ومتابعة تطوراتها سلباً كان أو إيجاباً؟ وهذه مسألة محسومة ومعروفة في كل أرجاء المعمورة، وحتى في العلميات الطبية الصغيرة غير المعقدة. وبناء على ذلك فإن قدوم طبيب ما لإجراء عدد من العمليات في مدة أسبوع واحد ثم «يغادر» عائداً إلى بلاده، دون ممتابعة حقة للمرضى الذين تركهم من ورائه تعتبر «مرضاً خبيثاً» يحتاج إلى «استئصال» سريع، وايقاف عاجل وليس مجرد «مسكنات» وقتية! وقوانين ظرفية تكتب ولا يعمل بها أحد! بل ويقوم الجميع بالتحايل عليها. ومن المؤسف أيضاً أن تقوم بعض المؤسسات الطبية باستغلال البسطاء من أبناء الوطن والترويج عن طريق الاعلان فيصدق أولئك البسطاء بأن ذلك الطبيب الزائر «ساحر» يملك في مبضعه مالا يقدر عليه الأطباء في داخل الوطن؟ ولعمري فإن هذا هراء لا يحق لنا أن ندعه يستمر. وإذا اتفقنا على عدم جدوى تلك الزيارات السريعة للأطباء الزائرين الذين وضعهم أحد الأطباء االساخرين بأنهم مثل «الطعام السريع أو التيك أوي» أو ما يطلق عليه الامريكان JUNK FOOD وهو في معظمه طعام ضار بالصحة كما هو معروف، إلا أن الأمر الجدير بالانتباه هنا أننا لا نعارض أن يأتي طبيب زائر إلى أي مستشفى أو مركز أو مستوصف طبي ولكن على ضرورة أن يمكث ذلك الطبيب الزائر على الأقل فترة كافية من أجل متابعة ما يقوم به من عمليات جراحية وأن يتوقف عن أي اجراء جراحي قبل عشرة أيام على الأقل من سفره. ولاشك أن ما أشارت اليه وزارة الصحة في قرارها الأخير حول الأطباء الزائرين بضرورة التزام المنشأة الطبية في تحمل المسؤولية الكاملة عن أي خطأ يقع فيه الطبيب الزائر وتقديم ضمان بنكي منها بمبلغ مائة وخمسين الف ريال لصالح الوزارة لكفالة الغرم يعد إجراء إيجابياً. وهو دون شك غير كاف وربما يقلل من تلك القصص والمآسي المروعة التي نسمعها كثيراً عن الأخطاء الطبية التي يجريها بعض الأطباء الزائرون بسبب قلة الكفاءة لبعضهم أو عامل الوقت وتركهم مرضى مساكين لا يعرفون إلى من يتوجهون لكنه لن يمنع هذه الظاهرة السيئة.