] ليس مثل «القرآن الكريم» واعظاً ومؤثراً وبخاصة إذا تلا آياته الكريمة قارئ وإمام يملك حُسن الصوت ورهبة الخشوع فيحقق عندها الهدف من سماع القرآن ألا وهو التدبر في آياته وزيادة إيمان مستمعه، وتضرعه إلى بارئه، {(إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً) (مريم:58)] ونحن نقترب من شهر رمضان المبارك حيث صلاة التراويح والتهجد سوف نرى بالمساجد إن شاء الله أئمة يصلون بالناس يشدونهم إلى قرآن ربهم، وتدبره والخشوع عند سماعه بترتيلهم المؤثر، وقراءاتهم المتأنية الخاشعة، لكننا نجد بعض الأئمة مع الأسف «يهذّون» القرآن هذَّ الشعر، فلا يجعلون الناس يتدبرون القرآن، {(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)} [محمد: 24] ولا يجعلون الناس يخشعون عند سماعه وكأنهم فقط يريدون ختم القرآن. قال تعال: {أّوً زٌدً عّلّيًهٌ وّرّتٌَلٌ القٍرًآنّ تّرًتٌيلاْ} [المزمل: 4] ، والصحابي الجليل عبدالله بن مسعود كان يقول «لا تهذوا القرآن هذَّ الشعر...». إنه يلزم عند اختيار الإمام إلى جانب أن يكون طالب علم فيلزم ان يوضع عند اختياره في الاعتبار أن يكون ممن يملكون حسن الصوت وقدرته في التأثير على الآخرين عند القراءة وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب ان يسمع القرآن من الصحابي «أبي موسى الأشعري» رضي الله عنه لحسن صوته ....! *** ] إن بعض الأئمة هداهم الله يقرؤون القرآن قراءة سريعة تفتقد إلى الترتيل والتدبر مما يفقدهم الخشوع والتأثير في قلوب المأمومين ولا يؤثرون حتى عند المرور بآيات الوعد، والوعيد مع أن الواجب عليهم أن يبذلوا جهدهم في جلب تأثر وتدبر الناس بالقرآن سواء في الخشوع أو رفع الصوت عند بعض الآيات أو تردادها فقد كان يسمع للرسول صلى الله عليه وسلم أزيز كأزيز المرجل وهو يقرأ بعض الآيات في الصلاة، كما ورد انه كان يردد بعض الآيات في الصلاة ليتدبر من خلفه آيات القرآن. ] إن الملاحظ ان «الإمام القارئ» عندما يتأثر وهو يقرأ القرآن سواء بخشوع أو رفع الصوت أو إعادة آية فإن المأمومين يتأثرون ويتدبرون الآيات حتى ولو كانوا ساهين غافلين فسرعان ما تحضر قلوبهم وتتأثر نفوسهم، وهذا هو الهدف من الصلاة وسماع القرآن ..! إن الإمام الذي يملك حضور القلب وهو يؤم الناس هو ذلك الذي يتأثر ويؤثر.. وهناك بحمد الله أئمة كثيرون هم من الذين يتأثرون ويؤثرون حيث يشعرون انهم يصلون بالناس ويسمعونهم كلام ربهم بخشوع وتأثر، وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث مؤثر «أحسن الناس من إذا قرأ رأيت انه يخشى الله» وحبذا لو جعل الأئمة هذا الحديث أمام عيونهم وقلوبهم وهم يؤمون الناس. *** ] وإذا كان اختيار الأئمة ذوي الأصوات الحسنة والخاشعة مطلوباً في كافة المساجد فان ذلك في الحرمين الشريفين أوجب لأن هؤلاء الأئمة لا يؤمون مئات الآلاف الذين يقفون خلفهم في الحرمين، بل هناك مئات الملايين من المسلمين الذين يستمعون إلى القرآن العظيم في مختلف أرجاء الدنيا عبر الفضائيات والإذاعات، وكم هدى الله الآلاف من الناس في أصقاع الدنيا وهم يستمعون إلى قراءة أئمة الحرمين المؤثرة الخاشعة التي حفزتهم على التدبر والخشوع والتوبة والإنابة إلى ربهم بعد سماعهم وتأثرهم بكتاب ربهم. ] وفي الحرم المكي الشريف كم شدّ ويشد الناس الشيخ السديس وفّقه الله الذي يملك حضوراً مؤثراً وهو يقرأ بخشوع وتدبر فتجده وفقه الله يخشع في الآيات التي تستدعي الخشوع، وتجده يرفع صوته عند بعضها لينبه المأمومين إليها والى معانيها العظيمة وما فيه من وعد وعبر وتجده يعيد بعضها ليعظ الناس بها وهل مثل القرآن واعظاً، وكذلك الشأن بالنسبة للشيخ الشريم وبخاصة في السنوات الماضية التي امتازت قراءته فيها في الخشوع المؤثر عند قراءة القرآن بصوته الرخيم. ] وفي المسجد النبوي الشريف يوجد عدد من الأئمة الأخيار وفقهم الله لكن لا أدري لماذا لا يتم اختيار بعض أئمة المسجد النبوي لإمامة الناس في صلاتي التراويح والتهجد كما هو المعمول به في الحرم المكي فليس بالضرورة ان يشارك كل الأئمة في صلاة القيام بل الواجب اختيار الأحسن صوتاً والأوفر خشوعاً لأن صاحب الصوت الخاشع يعين على تدبر القرآن ومن ثم زيادة إيمانه، وتوبته وليس مثل القرآن واعظاًً {فّذّكٌَرً بٌالًقٍرًآنٌ مّن يّخّافٍ وّعٌيدٌ} [ق: 45] فالقرآن هو أبلغ ما يوعظ به كما قال الشيخ العالم صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ عند لقائه بأئمة المساجد، وفي المسجد النبوي إمام خاشع ذو صوت رخيم يذكرك بالشيخ الخليفي رحمه الله ألا وهو الشيخ صلاح البدير وفقه الله فهو ذو صوت رخيم وذو قراءة خاشعة مؤثرة ويفترض ان يصلي ليلياً بالناس مع مشاركة إمام آخر من الأئمة من ذوي الأصوات التي تدعو إلى تدبر وخشوع المأمومين بالمسجد النبوي ومن يتابعون الصلوات في أقطار المعمورة. *** وبعد: إن أحسن الناس قراءة من إذا قرأ رأيت انه يخشى الله.. كما جاء على لسان المصطفى عليه السلام، ومن علامات خشية الإمام لله هو ترتيله لكتاب ربه وخشوعه في قراءته، وبهذا تتحقق الدعوة إلى الله والى دينه بالقرآن العظيم الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله. ** وهذه السطور دعوة إلى كل إمام يؤم الناس ليدرك الرسالة الملقاة عليه وهو يؤم المسلمين ويتلو الكتاب، ويدعو الناس إلى زيادة إيمانهم والتوبة إلى ربهم. وإنني أدعو المسؤولين عن المساجد والأئمة في وزارة الشؤون الإسلامية وفي رئاسة الحرمين لاختيار الأئمة ذوي الأصوات المؤثرة المتدربة لإمامة الناس في صلاتي التراويح والتهجد. واسأل الله أن ينفعنا بالقرآن الكريم وان يعيننا على تدبر آياته، وان يرزق من يؤم المصلين حناجر تتأثر ومحاجر تدمع.. واسأل الله لكل إمام يخشع في قراءته فيعين المصلين على الخشوع والتدبر ألا تمس عينه النار مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عينان لا تمسهما النار عين باتت تحرس في سبيل الله وعين بكت من خشية الله»، وما أسعد هذه العين التي تخشع وتدمع في الدنيا لتنال ثواب الله في الآخرة.. {وّلٌمّنً خّافّ مّقّامّ رّبٌَهٌ جّنَّتّانٌ} [الرحمن: 46] .