تجذب الأصوات الجميلة والقراءات ذات الأثر العميق في النفس كثيراً من المصلين للصلاة خلف هذا الإمام أو ذاك، ولعل ذلك مما يبعث حضورا عقليا صافيا للمأمومين الذين يأنسون أثناء العبادة بصوت الإمام ويجعلهم أكثر تدبرا وفكرا وتأملا فيما يقرؤه من آيات الذكر الحكيم التي تقع على الأسماع وقعا يخاطب الوجدان والعقل، بخلاف أصوات أخرى تقرأ دون أن يكون لها ذات الأثر المهم في النفس والعقل. عدد من المشايخ يتناولون تأثير الصوت الجميل في الخشوع الذي هو غاية عبادة الصلاة، دون لحن أو تكلف بهدف جذب المصلين؛ لأن ذلك يخرج بهذه العبادة عن مقاصدها ويحرفها عن مسارها في الارتقاء بإيمان الفرد. لزوم الجماعة ويقول الدكتور غازي المغلوث الأستاذ المساعد في كلية الشريعة في الأحساء: إن الشيخ ابن باز (رحمه الله) كان يرى أنه من الأولى الصلاة في مسجد الحي مع احتساب الأجر. وقال أيضاً: ليس هناك محظور شرعي يمنع من الذهاب للقراء أصحاب الأصوات الجميلة، والنفس البشرية مجبولة على حب كل ما هو جميل وهذا شيء فطري فيها، ويتوجب على وزارة الشؤون الإسلامية أن تختار الأصوات الجميلة؛ لأنها تعين على الطاعة ولزوم الجماعة، والنبي (صلى الله عليه وسلم) اختار بلال بن رباح وكان صوته جميلا. ومن أسباب الخشوع في الصلاة الأصوات الجميلة من بعض الأئمة، لذلك يجب الحرص كل الحرص على تعيين مثل هؤلاء من القراء، وأيضاً من أسباب الخشوع التركيز في الصلاة؛ لأن كثيراً من الناس لا يعيشون اللحظة يأتون الى الصلاة وأذهانهم مشغولة بأمور أخرى، وبعض الدراسات تقول إن 95 بالمائة من نجاح الإنسان يعتمد على تركيزه، وان ما ينجزه الذين يركزون في أيام ينجزه الآخرون في أشهر. وأوصي إخواني القراء أصحاب الأصوات الندية بأن تكون رسالتهم واضحة، وأن القرآن جاء ليطبق وليس ليحفظ فقط، لذلك يتوجب عليهم احتساب الأجر وأن يبادروا في إمامة الناس، وأن شهر رمضان شهر الطاعة، ويجب أن تكون العبادة هي رقم واحد وليس الأكل والشرب والسهر وتضييعه في أمور الدنيا؛ لأن الله (سبحانه وتعالى) قال: (فإنه لي وأنا أجزي به)، ويجب الحرص على أداء الصلاة في أوقاتها وإدارة الوقت في رمضان إدارة حسنة؛ لأن رمضان له نظام خاص لأنه شهر العبادة، ويجب أن تكون طاعة الله المفروضة والنافلة هي الأساس في هذا الشهر الفضيل. موازنة المصالح وأضاف الدكتور سعود العقيل عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالأحساء: الناس في هذا طائفتان.. طائفة يبحثون عن التلاوة الخاشعة المطمئنة وهذه الطائفة لا حرج في فعلها؛ لأنهم يرجون بذلك صلاح نفوسهم وخشوع قلوبهم وهذا مقصد نبيل، ولا يخفى أن استماع القرآن من صوت حسَن يجذب النفس ويرقّق القلب ويورث التدبّر وإدراك معاني القرآن وتدبره والانتفاع به غالباً، ويقابل هذه الطائفة طائفة أخرى زاهدة في الخير وفي تدبر القرآن، تبحث عن المساجد التي يقصِّر أئمتها في صلاة التراويح وتبحث عن الأئمة الذين ينتهون من صلاة التراويح في أسرع وقت، لكن ينبغي التنبه إلى عدم المبالغة في ذلك وموازنة المصالح والمفاسد لأن بعض طلاب العلم يتركون مساجد أحيائهم وقُراهم التي هي أحوجُ إليهم في إقامة الجماعة وتكثيرها وتعليم الناس والقراءة عليهم، ويذهبون إلى مساجد أخرى فتفوت هذه المصلحة المهمة، ولا ريب أن مُكث الإنسان في مسجده لتعليم الناس والصلاة بهم خير له من ذلك الفعل، وفي هذا من تحصيل الثواب ما يزيد على ذلك، وكذلك إذا ترتب على هذا الفعل فتنة أو كان هذا التتبع على سبيل التشهّي فهذا مما لا ينبغي فعله وفيه تفويت لمصالح حسنة. ويضيف العقيل: لذلك ينبغي توجيه الأئمة إلى العمل بالسنة في تحسين الصوت بالقرآن حسب القدرة، والخشوع في القراءة حتى لا يهرب منهم المصلون في التراويح أو غيرها، وإذا عجز عن ذلك الإمام الراتب فلا مانع من إنابة أحد ممن يحسنون التلاوة بصوت الجميل بالترتيب مع الجهة المسؤولة، ولينتبه إلى إجادة التلاوة وليس فقط حسن الصوت، الخلاصة أنه لا حرج في أن يقصد المصلي مسجداً ولو كان غير مسجده ويستمر معه إلى نهاية رمضان إن وجد ذلك أدعى لحصول الخشوع وتدبر القراءة، والخشوع وإن كان محلّه القلب إلا أنه لا بدّ أن تظهر آثاره على الجوارح، ولنحذر من خشوع النفاق وهو خشوع الجوارح مع انشغال القلب، وكذلك الخشوع المزوَّر يقوم بعض المتصوفة ومن يقلّدهم من الجهلة بحركات وهم في الصلاة يدّعون فيها الخشوع، كأن يضرب أحدهم الأرض برجله ويصيح بصوت عالٍ جداً مدّعياً أن حالاً اعتراه، وكذلك البكاء العالي والتشنج الذي يفعله كثير من الناس في الصلاة في رمضان، فما هكذا كان خشوع سيد الخاشعين «صلى الله عليه وسلّم». الناس يتفاوتون ويرى الشيخ الدكتور إبراهيم بن صالح التنم أستاذ الفقه المساعد في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في الأحساء أنه مما يعين العبد الصالح على الخشوع في الصلاة، أن يحسن الوضوء ويخرج مبكراً عامداً إلى الصلاة، وأن يصلي تحية المسجد أو السنة الراتبة بحضور قلب، وأن يدعو بين الأذان والإقامة، وأن يتخفف من هموم الدنيا، وأن يبتعد عن الذنوب والمعاصي، وأن يكون سليم القلب لإخوانه المؤمنين. وأضاف التنم: إذا حصل له تعاطي تلك الأسباب والاستعداد لتطبيقها، فإنه سيعود بأحسن الأثر وأبلغ الفائدة، من إقباله على الآخرة وتذكره لنعيم الجنة، مع ما يمتلئ به قلبه من السعادة والطمأنينة والفرح بالطاعة، ومن جرب عرف. ويتقدم لصلاة المأمومين في التراويح من كان أهلاً لذلك ممن حصل كفاية العلم، وتمتع بحسن الصوت والأداء، وحضور القلب والخشوع، والناس يتفاوتون في ذلك غاية التفاوت. وتابع: لا حرج على المأموم في أن يبحث له في شهر رمضان عن إمام يرتاح للصلاة خلفه، فيلزمه ويصلي خلفه لكي يطمئن في صلاته ويخشع، ولو كان يبعد عن بيته، لكن لا ينبغي له أن يتنقل كل يوم في مسجد لتتبع أصواتها، مما يترتب عليه تفريطه في صلاة العشاء وهو يبحث عن المسجد الذي يطلبه، كما هو مشاهد من حال بعض الناس. وقال: إنني أنصح نفسي وإخوتي ونحن في شهر رمضان المبارك، بالفرح والسعادة بقدومه (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)، وتجديد التوبة بإقلاعنا عن الذنوب والمعاصي والندم على تفريطنا في جنب الله «تعالى»، والعزم على عدم العودة لها مرة أخرى، وينبغي في هذا الشهر أن يكون المسلم ذا همة عالية في استغلال أوقاته كلها، فكما قيل: شهر رجب شهر الزرع، وشعبان شهر السقي، ورمضان شهر الحصاد. كما ينبغي العناية بقراءة القرآن عدة ختمات مع التدبر والتأثر بهذا الكتاب العظيم، والعناية التامة بأبواب الخير من الصدقة والدعاء وبر الوالدين وتفطير الصائمين وغيرها من أعمال البر. الأصل الجواز يقول الشيخ الدكتور عقيل الشمري مدير مكتب الدعوة والإرشاد في محافظة حفر الباطن: يكثر في رمضان ظاهرة تتبع الأصوات الندية الجميلة ليكون أدعى للخشوع، ومشاركة في دراسة هذه الظاهرة، أقول: أما من حيث الحكم الشرعي لتتبع الأئمة ذوي الأصوات الندية فالأصل جواز ذلك، ما دام أن نية الإنسان هو الحرص على خشوعه وليكون أكثر عوناً على تدبر القرآن، ولا يوجد محظور شرعي في تتبع الذهاب. وأردف الشمري: أما الخشوع فلا بد أن يتقرر أن الخشوع في الصلاة من الأمور الواجبة، والناس متفاوتون في ذلك، ولا يكتب للإنسان من صلاته إلا ما خشع وعقل فيها، وقد قال الله «عزّ وجل» واصفا المؤمنين: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) وللخشوع أسبابه وأشهرها: تقوى الله في عموم حياته، فكما أن الخشوع مطلوب في الصلاة فإنه يتأثر بحياة الإنسان عموماً وتقواه لله، فمن اتقى الله خارج صلاته وخاف ربه وسعى في رضاه فمثل هذا حري أن يعان على الخشوع في صلاته لأن قلبه أقرب إلى الله. التبكير للصلاة والاستعداد لها، فمن استعد لصلاته وتوضأ وأحسن الوضوء وبكَّر وصلى النافلة ودعا ربه فإن ذلك مدعاة للخشوع. * حسن الصوت هبةٌ من الله ومنةٌ، فمن رزق صوتاً حسنا فليحمد الله، ومن لم يرزق هذه النعمة فعليه أن يجتهد في إقامة الحروف وصحة القراءة ومخارج الحروف فهذا يعين على حسن القراءة. ومما يجب على المسؤولين في هذا الشهر تجهيز المساجد من حيث النظافة والتبريد خاصة ونحن نمر بموجة حر قوية، كما أنه يحسن التواصل مع فاعلي الخير لتطييب المساجد وتنظيفها، وقد أمر النبي «صلى الله عليه وسلم» بتطييب المساجد وتنظيفها، وقال تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد). ليس منا من لم يتغن بالقرآن وأشار الدكتور مروان بن عبد الله بن محمد المحمدي الأستاذ المساعد بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالأحساء إلى أن أهل العلم اختلفوا في حكم تتبع الأئمة ذوي الأصوات الحسنة للصلاة خلفهم، وعادة ما يحصل هذا في شهر رمضان، ويقول المحمدي: لا شك أن الأصل جواز أن يصلي الرجل خلف أي أمام يريد لكن هناك أمور ينبغي أن نتنبه لها: * صح عن النبي «صلى الله عليه وسلم» أنه قال: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن). رواه البخاري، فينبغي للإمام أن يحرص على تحسين صوته وتلاوته وتجويد قراءته للقرآن اتباعا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم. * حسن الصوت نعمة من الله ولا شك أنها تعين المستمع أو المأموم على تدبر القرآن الكريم. * على الإمام أن يحذر من تحسين صوته لقصد كثرة المصلين معه فإنه يخشى أن يقدح ذلك في إخلاصه. * لا ينبغي للمصلي أو المستمع أن يجعل حسن الصوت غاية فيشغله ذلك عن تدبر الآيات والتأثر بها لأن المقصود الأعظم هو تدبر القرآن. * إذا كان في ترك المصلين أو أكثرهم لمسجد الحي مفاسد فينبغي ترك ذلك والصلاة في مسجد الحي، فقد نص بعض الفقهاء على أنه لا ينبغي هجر المسجد الذي بجوارك لأنه يولد وحشة بين الإمام وجيران المسجد. * قد يكون في التزاحم على الإمام حسن الصوت فتنة له فيقع في العجب بنفسه مما يفسد عليه إخلاصه.