هناك وتر عاطفي يسهل الضرب عليه لإثارة المشاعر. وهو نفس الوتر الذي يضرب عليه كثير من السياسيين والأيدلوجيين المعتاشين على عواطف العوام. عندما بدأ التحضير لعملية الفصل بين الطفلتين الملتصقتين إعلامياً توقعت ان يواجه هذا الحدث العلمي ردود فعل متباينة. فالمملكة تتقدم في مجالات كثيرة ولكنها في الوقت نفسه تفتقر إلى تنظيم هذا التقدم وتحويله إلى قوة منتجة. فإذا كان لدينا فريق بمستوى الفريق الذي أنجز عملية الفصل فلماذا لا يكون لدينا خدمات طبية أولية بما يسمى بالرعاية الأولية ورعاية الأطفال. هناك فرق كبير وغير متوازن بين قدرات مستشفى في الرياض وبين قدرات مستشفى في أي قرية من القرى. فالذي يدخل مستشفى الملك خالد أو مستشفى الملك فيصل ويدخل مستشفى صغير في قرية من القرى السعودية أو حتى مستشفى من مستشفيات وزارة الصحة سيحس ان هناك حياتين لا حياة واحدة يعيشها الناس. فمستشفى الشميسي أقرب إلى مستشفيات زمبابوي ومستشفى التخصصي قطعة من أوروبا. ولكن هل هذا مدعاة إلى نقد عملية الفصل؟. قرأت من يقول ان أتعاب مثل هذه العملية كان يمكن ان تفيد في علاج مئات الأطفال وإنشاء مراكز طبية أولية في أنحاء المملكة. عند تبسيط الأمور سيبدو هذا الكلام في غاية المنطق. لأنه يقوم على أن شيئا يجب ان يسبق شيئاً آخر. تطبيق نظام الأولويات، أي ان تتوقف البلاد عن البحث العلمي ومتابعة التطور العالمي في مجالات الطب حتى نتم البنية الأساسية. ولا أعرف ما هي النتائج المترتبة على تطبيق مثل هذا المنهج في التقدم. ولكنها بالتأكيد ستكون مكلفة فنظام الأولويات لا يكون في الصحة فقط. سيصار إلى تطبيقه في كل المجالات ولا يمكن لأحد ان يحدد ما هي الأولويات أصلاً عندما نخوض في نواحي الحياة المختلفة. إذا كان بعض عناصر المجتمع على سبيل المثال تحاول تقييد عمل المرأة فهل يدفعنا هذا ان نوقف تعليم المرأة بحجة إصلاح هذا الخلل أولاً. أو نوقف الصرف على مجالات الرياضة حتى نؤمن التعليم لكل الشباب. وهكذا إذاً في المجال العلمي. مثل هذا التفكير والنهج سيمنعنا من التفكير كأمة تسعى للتطور في كل المجالات وتوازن التطور. فالبحث العلمي جزء لا يتجزأ من الأولويات ولا يجب ان يخلط مع البناءات الأخرى التي تحتاجها الأمة. من حق المملكة أن تعبر عن إمكاناتها العلمية وتكشف الوجه المضيء لقدرات أبنائها. ومن حق الناس في الوقت نفسه المطالبة بتطوير البنية الأساسية الصحية في البلد. ولكن هذا لا يكون على حساب هذا. والأهم الا يكون مدعاة للتأثير على عواطف العوام بتكوين رأي عام سلبي حول الإنجازات. فلو كان الربيعة وزملاؤه هاجروا إلى أمريكا وأجروا هذه العملية هناك، وترامت إلينا الأخبار أن فريقا طبياً من أصل سعودي أنجز عملية من هذا النوع لضج تجار العواطف ورددوا: «شف الغرب يأخذ عقولنا ويوظفها»، «بلا والله ما عندك أحد يوفر للعلماء مجالاً لتوظيف قدراتهم» إلى آخر الكلام الذي يردده ذوو الميول السلبية. فاكس : 4702164