صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية، وصف الزيارة التي قام بها صاحب السمو الملكي الامير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد في المملكة العربية السعودية، مؤخرا بأنها: «زيارة تاريخية، كونها المرة الاولى التي يزور فيها قائد سعودي على هذا المستوى روسيا». * ان هذه الزيارة المهمة جاءت في ظروف دولية حرجة، حيث ان الحرب على الارهاب، هي الطابع السائد والمميز لها.. والعمل الذي تقوم به المملكة العربية السعودية وبقية دول العالم العربية والاسلامية والشرق والغرب، على حد سواء هو الشغل الشاغل لكل هذه الدول للقضاء على الارهاب وحصر اضراره بكل وسيلة شرعية ممكنة. * ان هذه الزيارة قد اعطت دفعة قوية حاسمة لروسيا لمزيد من التعاون البناء بين المملكة والعالم العربي بشكل فاعل، على كل المستويات الاقتصادية، التجارية، السياسية، الاجتماعية والابداعية التطويرية. * ان العالم كله لم يعد كما كان في القرن الماضي - العشرين الميلادي - منغلقا على نفسه.. لم تعد هناك حدود ولا قيود بين دولة واخرى.. لقد جاء عصر الكمبيوتر والانترنت والميديا «الصحافة، الاذاعة، التلفزيون» وكل وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية والهوائية الفضائية، فكسرت تلك القيود والحواجز التي كانت تحيط بدول العالم.. وجاء الانفتاح مع دخول حقيقة باتت هي الطابع المميز لهذه الحقبة من الزمن، وهي ان العالم قرية واحدة. * ان التوازن الدولي، قد انتهى منذ دخول القرن الجديد - الواحد والعشرين الميلادي - واصبح ما تقرره دولة كبرى - مثل امريكا - هو الذي يلقي بظلاله على بقية دول العالم صغيرة كانت ام كبيرة. * لقد كان السمت الواضح منذ تفكك الاتحاد السوفيتي في العقد الثامن من القرن العشرين.. وخروج عدد من دول الاتحاد السوفيتي الى مجال الحرية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية: اوزبكستان، كازخستان، تاجيكستان الخ، بداية الانفتاح على العالم.. بيد ان روسيا احتفظت لنفسها بمكانتها الاستراتيجية المهمة صحيح انها لم تعد دولة عظمى، مثل امريكا، الا انها ظلت دولة مهمة، يحسب العالم كله لها الف حساب في ميزان القوى الدولية وقراراتها لا تزال ذات دلالات فاعلة على كل المستويات. * ان روسيا هي ثاني دولة كبرى في مجال استخراج وصناعة البترول والغاز، بعد المملكة.. ومن هنا ظلت اهميتها التقنية والعسكرية والاقتصادية كما هي ان لم تكن قد زادت وقويت اكثر. * ومن هنا ايضا جاءت زيارة ولي العهد السعودي ذات مدلولات استراتيجية هامة، خاصة في الوقت الحاضر وكذلك المستقبل. * ان السياسة الحكيمة التي تنتهجها المملكة في مجال السياسة الخارجية، هي العلامة الفارقة بين الدول النامية المعروف عنها الخمول والانكماش.. وبات لقرارات الحكومة السعودية اهمية واضحة في التأثير والتأثر الدوليين. * ان ما تتخذه المملكة من مقررات، وما تسدي به من نصائح للدول الصديقة المستقلة، يعود بآثار اقتصادية واجتماعية كبرى.. الامر الذي جعل من مسؤوليات المملكة اعتبارات ودلالات ذات مردود استراتيجي كبير جدا.. فالانطلاقات من الرياض يحسب لها الكل ألوف الحسابات.. * لقد قالها سمو الامير عبد الله في ختام زيارته لروسيا ان المملكة لا تسعى الى تحقيق مكاسب بعينها في مجال استثمارات البترول والغاز.. وانما هي - أي المملكة - تتنافس مع روسيا في استقطاب مزايا تنافسية حرة في هذا المجال. * ان اعتماد المملكة اليوم، ووضوح سياستها الاقتصادية امام العالم كله، يعد بحق انتصارا لمبدأ الحرية الاقتصادية التي نعمل بكل جدية واهتمام على إرساء دعائمها في مجال الاقتصاد العالمي دون ان يكون للمملكة اي وسيلة في السياسات الداخلية لأي دولة في العالم.. فأي دولة حرة في اختيار نظمها واستراتيجيتها الخاصة بها وانما هناك اطر ومعالم لاقتصاديات العالم. * ان انتاج البترول السعودي الآن حوالي ثمانية ملايين برميل يوميا، بيد ان في امكان المملكة زيادته الى عشرة ملايين في وقت قصير لو احتاجت اسواق العالم الى ذلك.. ونفس الشيء يقال عن انتاج البترول في روسيا.. فهو يتراوح بين 7 - 5 ،7 ملايين برميل يوميا.. فهي الدولة الثانية الكبرى في انتاج البترول في العالم.. ومن هنا تجيء اهمية التعاون على مستوى الدولتين المملكة العربية السعودية وروسيا - لا المضاربات في الاسواق البترولية العالمية. والنتيجة هي ما توصلت إليه الدولتان من قرار التنافس الشريف في هذا المجال دون حزازات او تحيزات لمصلحة هذه الدولة او تلك.. والمجال واسع ومفتوح امام كل العالم لكي يسعى بجدية لجذب مزيد من العملاء لبتروله الخام وغازه المتوفر لديه. * وأصدق وأوقع ما قرأته في تصريح سمو الامير سعود الفيصل، ان على الدول العربية بالذات ان لا تهمل بأي شكل من الاشكال ما تنتهجه اليوم روسيا من سياسة الانفتاح على العالم، وان السياسة الروسية الواضحة المعالم - بعد تفكك الاتحاد السوفيتي - هي مبدأ حرية التعامل مع دول العالم دون تحيز لدولة على حساب دولة اخرى.. مثل ما تفعله وتمارسه امريكا مع اسرائيل على حساب العرب والفلسطينيين خاصة. * اننا اليوم نعيش فترة انفتاح كامل.. وان التعامل مع الكل هو المعلم والمنهج الذي يسود العلاقات الدولية.. ان هذه هي الفرصة الذهبية امام الدول العربية لكي تسعى جادة لتحقيق مزيد من الرخاء والرفاهية امام شعوبها الناهضة، وتتعامل بكل الحرية الاقتصادية مع دول العالم ولا تخشى ولا تخاف من الكبوة الاقتصادية امام الدولة الاوحد او التي تسعى لأن تكون الدولة الكبرى الوحيدة للهيمنة والتسلط على اقتصاد العالم. وجاءت زيارة سمو ولي العهد السعودي.. لتفتح مجالات اوسع للتعاون الاقتصادي والاستراتيجي الفعال مع روسيا.. ولهذا قلنا ان هذه الزيارة المباركة من قبل سموه لروسيا تعد بحق معلما ومنهجا وطريقا صحيحا وسليما لزيادة التعاون الدولي بكل اشكاله.. والله المستعان.