(الإسقاط) مصطلح نفسي يصف حالة شعورية أو حيلة عقلية يلجأ إليها المرء أحياناً (لتبرير) خطأ اقترفه، أو (لتمرير) اللوم المترتب على ذلك الخطأ إلى شخص أو ظرف أو موقف آخر.. ويستوي في ممارسة هذه النزعة السلوكية الأفراد والجماعات من الناس، وحتى الدول أيضاً، وتحتفظ الذاكرة دائماً ب(سيناريو التبرير) المألوف لفشل فريق كرة القدم في إحدى منافساته، فينُسب سبب الإخفاق حيناً للمدرب ليكون (كبش فداء) يزيح عن أفراد الفريق كابوس الفشل ومعاناة المساءلة أو السؤال. وقد يٌُعزى سبب الإخفاق إلى طبيعة أرض الملعب أو الطقس أو الجمهور ونحو ذلك، المهم أن يظل الفريق، قيادة وأفراداً، بمنأى عن الحساب أو العقاب! * * * وهناك أنماط أخرى من (الاسقاط) يمارسها كثيرون منا في مواقف عدة، اما تبريراً للفشل.. أو تنصّلاً منه!. * فهذا موظف يعلّل فشله تارة بسوء إدارة رئيسه، وأخرى بقسوة ظروف العمل أداء ومناخاً، وثالثة بغياب التعاون بين زملاء العمل ونحو ذلك! وقد يكون لتبريره قدر من الحق، وقد يلتمس عذراً وهو ملُوم! وهذه زوجة تنعى سعادتها بسبب الأقارب أو الجيران أو كثافة غياب زوجها عن المنزل، وقد تلوم قنوات الفضاء.. لأنها (اختطفت) زوجها عقلاً ووجداناً ووقتاً بصنوف البثّ المباشر وغير المباشر، فلم يعد يعيرُها اهتماماً! * * * وهذا طالب يعزو فشله في الامتحان إلى قسوة الأسئلة، أو قصور المدرس أو تلوّث المناخ الأسري، خُلفاً وخصاماً، ونحو ذلك! * * * وإذا كان هذا حال بعض الأفراد، فإنّ هناك أمماً وشعوباً أسوأ حالاً، فبعض النظم السياسية في العالم الثالث تعزو تعثُّر برامج أمن وتنمية شعوبها إلى منظومة (الفكر التآمري) المسلط عليها من خارج الحدود، وتتخذ من هذا الفكر غطاءً حميماً يحمل أوزارها ويستر أخطاءها، لتبقى هي أبداً بمنأى عن المساءلة والعتاب، بل قد توظف شماعة (العدو الخارجي) لاستدرار عطف أو تعاطف الجماهير البريئة المغلوبة على أمرها.. لتمرر من خلال ذلك المزيد من الأوزار والآثام! * * * هنا يقف المرء متسائلاً: * متى نصحو من سبات الغفلة، أفراداً وجماعات، فنواجه أخطاءنا ببأس يهزم نزعة الاسقاط المريض في أعماقنا؟! * متى نصارح أفئدتنا بأخطائنا، ونلتمس الحلول لها، مستثمرين نتائجها وصولاً إلى معادلة الخلاص منها؟ بدل أن نمرره إلى الغير؟! * متى يستيقظ في أعماقنا الإحساس بأننا في معظم المواقف والأحوال مسؤولون عن أخطائنا.. فنواجهها تقويماً وتصويباً كي لا تقع كرة أخرى؟! * * وبعد.. فلو كان كل منا - مسلمين وعرباً - موضوعياً مع وجدانه قبل الغير.. وخصماً لنفسه وحكماً عليها قبل الغير، لكان لنا شأن آخر بين العالمين، ولكنّا قوماً.. يصطفيهم الآخرون قدوة، ويحتذونهم مَثَلاً!!