قيل لنا منذ عقود خلت إن إسرائيل هي العدو الأول للعرب والمسلمين وإن جل إخفاقات المجتمعات العربية والإسلامية تحدث وتكبر بسبب هذا الكيان الغاصب، ثم بدأنا - كمجتمعات عربية - نتوجس أيضاً بأن هناك دولاً عظمى مسؤولة هي الأخرى عن الإخفاقات، وبدأنا نعلق إخفاق بعض المجتمعات العربية والإسلامية على هيمنتها. وأصبحنا -عندما نقع في مشكلة إقليمية- نبادر بالبحث عن عدو خارجي لنعلقها عليه. إذا فشلت ثورة ببلد ما قال القائمون عليها إن وراء الفشل عدواً خارجياً، وإذا نجحت قال مؤيدو الحكومة المسقطة إن وراء الثوار طرفاً خارجياً. إذا أساء بعضنا إلى بعض وظلمنا أنفسنا بدأنا نلقي باللائمة على الآخر وأخذنا نتساءل: لماذا لم يبادر هذا الآخر (غالباً إحدى الدول العظمى) بالانتصار لنا من أنفسنا وإنصافنا ممن ظلمنا من بني جلدتنا. ما بالنا والطرف الآخر؟ ولماذا نميل إلى تعليق إخفاقاتنا وفشلنا عليه. تعليق الإخفاق على أسباب خارجيه لن يساعد على الحل، بل ربما يكرس ويدعم تكرار الأخطاء والإخفاق ويؤصله، سواء على مستوى الفرد أو المجتمعات أو الدول، وهو سلوك لن يساعدنا على تصحيح المسار أو الاستفادة من أخطائنا وتجاربنا. تقول نظرية ال (Attribution Theory) إن المرء بطبعه يميل إلى إلقاء اللوم على الآخرين، وتشير النظرية إلى وجود اختلافات جذرية بين المجتمعات فيما يتعلق بالاعتراف بالتقصير والاستفادة من الأخطاء.. وتؤكد الدراسات العلمية أن الشعب الكوري هو أكثر الشعوب موضوعية في هذا الجانب وأن الكوريين أكثر الشعوب اعترافاً بأخطائهم، وفي عزو ونسبة الأخطاء إلى الذات دون إلقاء اللوم على أطراف أخرى أو أسباب خارجة عن الإرادة... وفي ظني أن ذلك قد يفسر كون الكوريين من أسرع الشعوب تقدماً في الربع الأخير من القرن الماضي... أما مجتمعنا العربي فيبدو أنه يميل إلى الطرف الآخر من المعادلة التي تشير إليها النظرية السابقة، إذ إننا نميل بطبعنا إلى البحث عن أسباب خارجيه (Extrinsic) لتبرير أخطائنا. وهو ما يعرف ب (Self-serving bias) حيث رصدت الدراسات العلمية أن هذه المجموعة تميل إلى ألقاء اللوم في أي إخفاق على أسباب خارجية. نلاحظ هذا السلوك حتى على المستوى الفردي، وطالما أننا قد انتهينا للتو من فترة الاختبارات، لاحظو كيف يبرر بعض الطلبة إخفاقهم وكيف يساعدهم الآباء والأمهات على التبرير وتعليقه، إما على المدرس أو المدرسة أو حتى عين عائن أو حسد حاسد. وبالتالي لا نكلف أنفسنا في البحث عن المسار الصحيح ونستمر في تكرار الفشل والوقوع في الأخطاء. لقد قتل من العرب والمسلمين على أيدي بني جلدتهم في العام الماضي فقط أكثر مما قتل منهم على يد الإسرائيليين خلال أكثر من ستة عقود. وقد أساء البعض لأوطانهم ولشعوبهم أكثر مما أساء لهم هذا العدو التقليدي وغيره من الأعداء. وقد استخدم البعض ضد بني جلدتهم من الأسلحة الفتاكة المحرمة ما لم يستخدمه عدو خارجي. هذا لا يعني بطبيعة الحال استبعاد العدو التقليدي والعوامل الخارجية من تراكم إخفاقاتنا وما نحن عليه من حال. ولكنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون مسؤولاً عن كل إخفاقاتنا كأمة عربية وإسلامية، ثم إن تدخل الآخر في شؤوننا كأمة جاء نتيجة لظلمنا لأنفسنا ولما نحن عليه من هوان. أي أنه وإن كان هناك عدو خارجي فإنه لم يكن الأساس والسبب الرئيس فيما نحن عليه، ولكنه جاء نتيجة لقدرة العدو الأول على إضعافنا ووضعنا في حالة مكنت العدو الثاني الخارجي منا. ولكن من هو هذا العدو الأول للأمة؟ الذي يبدو أن عدونا الأول هو أنفسنا والشيطان، وهو الأمر الذي أوصل الأمة العربية إلى ما هي عليه من ذلة. أعتقد أنه حان الوقت لتقف الأمة مع نفسها وتراجع مسارها وتكف عن البحث عن شماعات خارجية لتعلق أخطائها عليها. تؤكد السنن الكونية أن الانتصار على النفس أولى من الانتصار على الآخر، وهو مقدم عليه، ويجب أن يسبقه. وصدق الحق سبحانه {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}. إلقاء اللوم على العدو وطلب العون من الآخر وانتظار مدده ورحمته في النوازل لم ولن يساعدنا على الاستفادة من إخطائنا وتصحيح مسارنا. إذاً قبل أن نفكر في الانتصار على العدو الخارجي لابد أن ننتصر على أنفسنا!! ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟ للحديث بقية إن شاء الله.