تواجه القوات الأمريكية في العراق مخاطر كبيرة تمثلها المقاومة العراقية وحالة الغموض التي تحيط بمصير الاحتلال الأمريكي للعراق ككل. وتعاني قوات الاحتلال من تدهور حاد في روحها المعنوية وتشعر في بعض الأحيان أنها «تنطح الصخر» وحتى عندما كان الرئيس الأمريكي جورج بوش يتحدث عن الحاجة إلى «جهد كبير وطويل المدى» من أجل إعادة بناء ما دمرته الحرب الأمريكية في العراق فإن هذا الجهد بالإضافة إلى التوسع في نشر القوات الأمريكية حول العالم ألقى بظلال كثيفة على أفراد القوات الأمريكية. وقد وصل الأمر مع بعض أفراد القوات الأمريكية في العراق المصابين بالإحباط إلى درجة إرسال خطابات إلى ممثلي دوائرهم في الكونجرس من أجل الضغط على إدارة الرئيس الأمريكي لإعادة وحداتهم العسكرية إلى أمريكا. يقول خطاب من أحد الجنود الأمريكيين في العراق إلى أحد أعضاء الكونجرس «إن الجنود الأمريكيين مستعدون لدفع كل ما يملكون من أجل الحصول على تذكرة طائرة للعودة إلى بلادهم»، و تشير خطابات أخرى من الصليب الأحمر بشأن وحدات أخرى إلى إن الجنود يريدون العودة إلى بلادهم بالإضافة إلى تزايد أعداد المجندات اللاتي تمت إعادتهن إلى أمريكا. وقال جندي من الفرقة الثالثة مشاة في العراق إن الروح المعنوية لأغلب الجنود الذين التقى بهم تراجع إلى أدنى مستوى له. يأتي هذا التذمر المعلن في صفوف قوات الاحتلال الأمريكية في العراق في الوقت الذي يعيد فيه القادة العسكريون تقييم حجم وتكاليف القوات التي تحتاج إليها الولاياتالمتحدة لمواصلة احتلال العراق، ومن المنتظر أن ترسل القيادة المركزية الأمريكية المسئولة عن القوات في العراق في منتصف الشهر الجاري مشروعا إلى وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد بشأن حجم ونوعية القوة المطلوبة لمواصلة الاحتلال في العراق بالإضافة إلى عمليات إحلال واستبدال القوات العاملة هناك.إعادة التفكير في حالة الروح المعنوية للقوات الأمريكية يأتي في الوقت الذي أعلن فيه عدد من كبار القادة العسكريين عن قلقهم بشأن التوسع الكبير في نشرالقوات الأمريكية حول العالم. يبلغ عدد القوات الأمريكية المنتشرة حول العالم الآن 370 ألف جندي من إجمالي الجيش الأمريكي الذي يبلغ مليون جندي بمن فيهم قوات الاحتياط والحرس الوطني وفقا لأرقام الجيش الأمريكي. ويحذر الخبراء من أن التوسع في نشر القوات الأمريكية حول العالم وطول فترة تواجد الجنود بعيدا عن أمريكا سيؤدي إلى زيادة أعداد الجنود الذين سيتركون العمل في القوات المسلحة. يقول الخبير العسكري مايكل أوهلنون المحلل في معهد بروكنجز أن عددا كبيرا من الجنود العاملين أو الاحتياط سوف يتقدمون بطلبات للخروج من الجيش حتى لايقضوا حياتهم خارج أمريكا في إطار القوات التي يتم نشرها في كل مكان بالعالم الآن. وفي الوقت نفسه يجري الجيش الأمريكي دراسة موسعة عن تأثير وجود الجنود في الخارج لفترات طويلة على صحتهم وصحة أفراد أسرهم النفسية. يتولى هذه الدراسة معهد والتر ريد لأبحاث الجيش وتشمل ما يتراوح بين خمسة آلاف إلى عشرة آلاف جندي تحت إشراف الكولونيل شارلز هوج. يقول هوج إن الدراسة تهدف إلى معرفة تأثير وجود الجنود الأمريكيين في الخارج وكذلك الساعات الطويلة من التدريب والعمل في ظل ظروف صعبة على الصحة النفسية للجنود الأمريكيين وأفراد أسرهم. والحقيقة أن القلق من معاناة الجنود الأمريكيين من الضغط النفسي الزائد ليس جديدا، ففي أواخر التسعينيات تزامن تقليص عدد أفراد القوات الأمريكية مع التوسع في نشر القوات الأمريكية خارج أمريكا مما دفع الكونجرس إلى الدعوة لإعطاء مزيد من الاهتمام بتحديد الفترة الزمنية القصوى لوجود كل جندي أمريكا خارج البلاد. ولكن إيد برونر خبير القوات البرية والباحث حاليا في مركز الخدمات البحثية للكونجرس يقول انه بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر أصبحت العمليات العسكرية الأمريكية في الخارج أكثر نشاطا وتم تعليق خطة الكونجرس لتحديد عدد الأيام التي يقضيها الجندي الأمريكي في الخارج. وعلى الرغم من أن أحاديث وزارة الدفاع الأمريكية عن الهدف من حرب العراق قبل اندلاعها كان «تحرير وليس احتلال العراق» فإن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد اكد الأسبوع الماضي أن الحرب ضد الإرهاب في العراق وباقي أنحاء العالم لن تنتهي في وقت قريب. ويبلغ عدد القوات الأمريكية التي تعمل حاليا في العراق والمناطق المحيطة به حوالي 230 ألف جندي بينهم 150 ألف جندي في العراق نفسه بالإضافة إلى 12 ألف جندي من بريطانيا وعدد آخر من الدول. ووفقا لبيانات وزارة الدفاع الأمريكية فإن عدد القوات الأجنبية - غير الامريكية والبريطانية - في العراق سيصل إلى 20 ألف جندي بحلول سبتمبر القادم، وقد بدأت القوات الأجنبية الجديدة تتدفق إلى العراق الشهر الحالي. كما يجري التفكيرحاليا في تشكيل قوة دولية ثالثة. والعنصر الحاسم في مستويات هذه القوات الدولية هو الهجمات اليومية التي تتعرض لها القوات الأمريكية والتي أسفرت عن مقتل أكثر من ثلاثين جندياً أمريكياً وبريطانياً منذ إعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش عن انتهاء العمليات العسكرية الكبرى في العراق في أول مايو الماضي. وقد دفعت المقاومة العراقية الشرسة وغير المتوقعة البنتاجون إلى زيادة عدد القوات الأمريكية في العراق مع تنظيم سلسلة من الهجمات على العراقيين بهدف مصادرة الأسلحة واعتقال رجال المقاومة. يقول الميجور جنرال بوفورد بلونت قائد الفرقة الثالثة مشاة إنه في ظل المقاومة العراقية غير المتوقعة فإن وزارة الدفاع تبحث الآن الاحتفاظ بقوات أمريكية في العراق أكثر مما كان متوقعا قبل فترة قصيرة، وأضاف أنه يعترف تماما بالآثارالنفسية السيئة التي يسببها وجود الأفراد العسكريين الأمريكيين خارج بلادهم. وفي الوقت نفسه فإن عدم وجود رؤية محددة لمدة بقاء هذه القوات بعيدا عن بلادهم أدى إلى انهيار الروح المعنوية للقوات الأمريكية كما أن التغيير المستمر في الجداول الزمنية لهذه القوات جعل أفرادها يفقدون الثقة في قيادتهم. يقول جندي أمريكي في خطاب له إلى الكونجرس إن الطريقة التي يتعاملون بها واستمرار الكذب عليهم بشأن عودتهم إلى عائلاتهم له آثار مدمرة عليهم، كما أن الهجمات العراقية اليومية ودرجة الحرارة الحارقة والظروف المعيشية الصعبة للقوات الأمريكية في العراق والملل والانتظار.. كل هذه العوامل دمرت الروح المعنوية للأمريكيين في العراق. وهناك مثلا تسعة آلاف جندي من أفراد الفرقة الثالثة وبعضهم موجود في المنطقة منذ شهور وبعضهم منذ أكثر من عام ينتظرون منذ أسابيع عودتهم إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية ولذلك فهم بلا عمل. وفي إحدى الوحدات العسكرية الأمريكية وصف أحد الضباط الحالة النفسية للقوات الأمريكية بالقول إنهم يتطلعون إلى أي شخص يمكن أن يستمع إليهم لذلك فهم يكتبون الرسائل ويصرخون، كما أن الكثير من أفراد هذه القوات يعانون من الاحباط والملل الواضحين. ويضيف إننا نشعر بأننا أطراف في لعبة ليس لنا أي صوت في إدارتها. (*) خدمة «كريستيان ساينس