غبت عن هذه البلاد المباركة حقبة من الزمن؛ لقد غبت عنها عندما كنت أبلغ الثلاثين من عمري فجاوزت في غربتي الثلاثين عاما، وكل يوم يمر في هذه الأيام أحس بالشوق الدفين الذي يعتريني نحو المكان الذي ولدت فيه وترعرعت وكل يوم ينمو ولهي ويزداد عشقي وهيامي، بلغت من العمر ستين عاماً كان لابد من عودة وأوبة ورجعة. امتطينا صهوة الطائرة وعشقي يزداد ويزداد حتى كاد أن ينفجر، وبعدها لمست قدماي ذاكم الثرى الطاهر المبارك وقبلته ولثمته بحرارة تنبىء عما يخبئه ضميري وما يختلج في وجداني.. فجأة اكتشفت أنني رجعت بوجه غير الذي ذهبت به لقد ذهبت وكثير من الناس تلحظ على وجوههم البؤس. ثيابهم رثة أكل عليها الدهر وشرب. لقد تساءلت كثيرا أين اصحاب الأسمال البالية، أين من لا يجدون قوت يومهم، أين من أقدامهم غبرى، ورؤوسهم شعث، أين من يسكنون الدور التي يخاف أن يسكنها حتى الحيوان.. أين وأين.. تساؤلات تترى واستفهامات متعددة، وبينما أنا على هذه الحال.. والأسئلة في داخلي تتوالى، والحيرة في نفسي تبني عشها بنفسها؛ إذ قطع هذا الوجوم والسكون لمسة على كتفي فالتفت بسرعة فإذا بذاكم الشخص باسم الثغر، نير المحيا، بادرني بقوله: ما شأنك أيها العم؟! حدثته فيما دار في نفسي من استفهامات، فأطلق ثغره باسماً مرة أخرى فقال: أيها العم لقد تبدلت الحال وتغيرت أي عم لقد نادى أميرنا عبدالله بقوله: وداعاً للفقر، ولنكن يداً واحدة ضده، وحي على التكاتف والتكافل، فقال الناس كلهم مرحاً بذلك.. وأهلاً وسهلاً بمثل هذا.. حقاً يا والدنا عبدالله نحن مسلمون ولابد أن نكون لحمة واحدة.. لابد وان نستشعر الإخاء الإسلامي والحب الإيماني، فأقبل التجار يغدقون على الفقراء، فكسي العاري وأطعم الفقير، ورسمت البسمة على ثغور البائسين فرأيت ما رأيت يا عماه.. سكب الشيخ دموعه وفاضت مقلتاه وقال هيهه على التكافل.. ومرحباً بالإخاء والألفة، فلو تكافل المسلمون لعلت رايتهم، وارتفعت أعناقهم، وصاروا في الثريا وغيرهم في الثرى. فاكس: 063832668 محمول: 053131420