قال فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود بن ابراهيم الشريم في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحريم : أيها المسلمون لقد حل بكم ضيف اشرأبت للقياه نفوس الصالحين ضيف له في قلوب العارفين مخيم ضربت أوتاره وتسابقت إلى استقباله، لقد أتاكم ايها المؤمنون شهر ضياء المساجد شهر الذكر والمحامد شهر البطولات والانتصارات ومجاهدة النفس والهوى والشيطان " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان " . وأضاف فضيلته يقول : ايها المسلمون لقد اظل امة الاسلام هذا الشهر المبارك وهي تعالج من اللاواء والخطوب والشحناء والعداوة والبغضاء ما مزق به مجتمعها وباعد قريبها فخونت امينها وامن خونها وصدق كاذبها وكذب صادقها فكان حلوله عليها ضيف عزيزا فرحته سانحة إلى أوبة بعد شرود وكور بعد حور ويقظة بعد غفلة إنه ان لم يكن شهر رمضان نقطة فاصلة للأمة بين ماض جريح وحاضر كيس قوي فطن فما هو إلا الجوع والعطش ولات ساعة اغتنام. وأوضح أن شهر رمضان يعد شهر تنقية النفس من عوالق الحياة وزخرفها يذكر بالجوع والعطش ويلجم المرء عن الترف أنه شهر المحاسبة والجد مع الذات إنه شهر الجام النفس عن كل حظ بغيض وخلق دنيء انه شهر اغتيال المعاصي وإذكاء الممانعة أمام الشيطان. ومضى الشيخ الشريم يقول : إن الله جل شأنه حينما شرع لنا صوم شهر رمضان جعل التنافس فيه مشرعا لعموم عباده فهو لم يفرض للأغنياء أو الفقراء أو العباد كلا بل هو لعموم الأمة فهو سلوة العباد وتجارة الأغنياء وخلوة الذاكرين كل بما اعطاه الله فان للغني فيه حظا وللفقير حظا ولقارئ القرآن حظا ولقائم ليله حظا فإن المحصلة في ذلكم كله تحقيق التقوى التي شرع الصوم لأجلها، قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون". وزاد فضيلته يقول : عباد الله إن من أعظم الاخلاق التي يتجاذبها الصائمون في رمضان بعد كبح جماح النفس بالصوم ابان تصفيد الشياطين ذلكم الخلق الرفيع الذي يتجلى في التراحم اذ يزداد توقدا يضطر النفس إلى أن يرهف طبعها ويأسف قلبها فيحمل الصائم في نفسه معنى الناس لا معنى نفسه المقصرة فأن من فاق الناس بنفسه الكبيرة ستكون عظمته في أن يفوق نفسه الكبيرة دون بطر أو غمط وإذا عظمت نفس المرء هان عنده المال والبذل والجود فأغتال شحه ووأد انانيته ويتدبر بقلبه قول النبي صلى الله عليه وسلم " في الجنة غرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها، قالو لم هي يارسول الله، قال لم طيب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى والناس نيام". وأكد إمام و خطيب المسجد الحرام أن لم يكن شهر رمضان المبارك سببا لإذكاء الاحساس بهيبته وحرمته والبعد عن مشوشاته وملهياته فأن النفس ستخبث حينئذ فتشوش روحانيته وتوجد له جوا من المتضادات اللامسؤولة متمثلة في السباق المحموم عبر القنوات المرئية باستنفار مثير للدهشة الى ما يخدش الحياء وينشر الاثم فيحلق الدين قبل أن يحلق العفاف والحياء يأزون من خلاله الأبصار والأسماع ازا ويأطرونها اطرا على أن تجعل مفهوم رمضان أنه شهر للتسلية والترفيه بمشاهدات تضاد خاصية هذا الشهر من أفلام هابطة ومشاهد تفسد ولا تصلح وتفرق ولا تجمع. وتسائل فضيلته قائلاً أين هؤلاء من عقوبة انتهاك حرمة شهر الله المبارك اف لهؤلاء ثم اف ألا يعون قول النبي صلى الله عليه وسلم " من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه. وقال الدكتور الشريم : إن من امتلئ قلبه بشواغل الدنيا وصوارفها زاحمت الصفاء والإقبال على الطاعة في شهر فيه ليلة خير من ألف شهر وإذا كان شهر رمضان شهر الدعاء والذكر وطول القنوت فحري بالمؤمن الغر ألا يزاحم شيئا من ذلكم بصوارفها ليستحق بذلك أن يدخل في جملة الذين اذا دعوا ربهم استجاب لهم من الذين ارشدهم الله في ايات الصيام بقول : " وإذا سألك عبادي عني فأني قريب أجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون"، والدعاء المستجاب هنا هو دعاء المخبت الخاشع الموقن بالإجابة. وختم إمام وخطيب المسجد الحرام خطبته بالقول ايها المؤمنون الصائمون القائمون انكم تقبلون في هذا الشهر الى كريم رحيم قريب ودود يبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل يحب التوابين ويحب المتطهرين وانه لأشد فرحا بتوبة عبده وإقباله عليه ممن ظل راحلته في صحراء مهلكة ثم وجدها فأروا الله من انفسكم في هذا الشهر قبل انفراط عقده وتصرم ايامه ولياليه فأن الشهر المبارك اشد تفلتا من الابل في عقلها.