الحرب هي الجحيم إذن ما هو الدافع الأخلاقي الذي يدفع بالشباب الأمريكيين لمغادرة بلادهم وخوض حرب ضد شعب آخر؟ بالطبع ربما تكون عمليات الشحن المعنوي أحد الأسباب ولكن عاجلا أو آجلا فان الأمريكيين سوف يدركون ان مستشاراً كبيراً في وزارةالدفاع الأمريكية أشعل هذه الحرب باعتباره ممثلا لصناعة السلاح وهذا المستشار هو ريتشارد بيرل وقد احتل الرجل مركز الصدارة في وسائل الإعلام الأمريكية عندما تمت الإطاحة به مؤخرا من منصبه كرئيس لمجلس سياسات الدفاع التابع لوزارة الدفاع الأمريكية بدعوى تعارض المصالح. فهذا الرجل عضو في مجلس إدارة شركتين على الأقل من الشركات التي تورد منتجاتها لوزارة الدفاع ووزارة الأمن الداخلي الأمريكيتين وفي وقت فراغ الرجل كان يقوم بممارسة ضغوطه داخل وزارة الخارجية الأمريكية لصالح شركة الاتصالات المنهارة «جلوبال كروسنج» وكانت وزارة الدفاع الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي غير مرحبين بانتقال ملكية شركة الألياف الضوئية إلى شركة في هونج كونج وأخرى في سنغافورة، لذلك لجأت جلوبال كروسنج إلى تعيين ريتشارد بيرل الذي يعرف كيف يؤثر في البيت الأبيض ووزارة الدفاع كما يعرف من هم المسئولون الأمريكيون الآخرون الذين يمكن شراؤهم بالرشوة وعندما تم الكشف عن مؤامرة بيرل وتمت الإطاحة به من مجلس سياسات الدفاع فإن وزير الدفاع الأمريكي تطوع للدفاع عنه باعتباره رجله الخاص والذي وضعه بنفسه على رأس مجلس سياسات الدفاع فقال إنه يعرف أن بيرل هو رجل الكرامة والشرف ولكن الأمر في الحقيقة يتعدى مجرد الفساد الشخصي لهذا الرجل الذي يقال إنه كان أحد المخططين الأساسيين للعدوان الأمريكي على العراق، فهو ينتشر في جسدالكثير من النافذين في الادارة الأمريكية كما ينتشر الورم السرطاني الخبيث. وقد لعب الرجل دورا مدمرا عندما كان أحد المفاوضين الرئيسيين في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان حول الحد من انتشار الأسلحة النووية. وقد كانت هذه المفاوضات التي تجري بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي تهدف إلى تقليص الترسانةالنووية لدى الجانبين وهو ما كان الرئيس ريجان يرغب فيه بشدة. ولكن بيرل نجح في تأجيج مخاوف الأمريكيين من الوصول إلى مثل هذا الاتفاق عندما قال عام 1985 ان هناك من يرى أن الأمريكيين والروس يستطيعون التغلب على خلافاتهم والدخول في اتفاقيات يؤدي الالتزام بها إلى إيجاد عالم أكثر أمنا. ويضيف أنه لا يوافق على هذه الفكرة على الإطلاق. وكمسئول في مجلس الشيوخ الأمريكي في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشاردن يكسون أثار بيرل الكثير من المشكلات لوزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر الذي كان يقاتل من أجل تصديق الكونجرس على اتفاقية «سولت واحد» Salt 1 لتقليص الترسانة النووية لكل من الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفيتي، فقد طالب بيرل بوضع الكثير من الشروط التي تجعل تقليص الترسانة النووية الأمريكية غير ممكن تقريبا وبعد ذلك قاد بيرل حملة لمنع الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر من تعيين بول وارنك ممثلا لأمريكا في مفاوضات الحد من انتشارالأسلحة. وكان بيرل ينظر إلى وارنك باعتباره من الحمائم المعتدلين وقبل وصول الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش إلى البيت الأبيض بوقت طويل كان بيرل مرة ثانية ضمن دائرة ضيقة قامت بوضع استراتيجية قادت الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى شن حرب بدون موافقة ولا مساعدة الكثير من حلفائها الرئيسيين، فقد كانت أوراق اعتماد هذا الرجل في الإدارة الأمريكية عبارة عن رؤية شاملة للعراق بعد شن حرب أمريكية ضده واحتلاله. وفي الحادي والعشرين من مارس الماضي أي أول أيام الحرب الأمريكية ضد العراق نشر بيرل مقالا في جريدة «مانشستر جارديان» تحت عنوان نشعر بالارتياح لموت الأممالمتحدة. وفي هذا المقال كتب يقول إن الإرهاب الذي يمثله صدام حسين على وشك التلاشي وسوف يذهب صدام حسين بهدوء ولكن ليس بمفرده وإنما سيأخذ معه الأممالمتحدة التي سوف تذهب مع الحكم العراقي ويضيف في مقاله إنه في الوقت الذي سينقب فيه الأمريكيون في أنقاض ما بعدالحرب ضد العراق من المهم فهم الوهم الكامن فيما يدعيه الليبراليون من تحقيق الأمن من خلال القانون الدولي الذي تديره المؤسسات الدولية.