ها هو هناك قد أفاق.. للتو من سكرة الشوق.. من لوعة الاشتياق.. من جنون الفقد.. من غيبوبة الآمال الكواذب قد أفاق.. ها هو هناك قد أفاق.. هناك هو ينفض غبار الزمن عن محياه.. يتفحص دقات قلبه.. يعرك عينيه.. ويمسح بقايا دمعة منه - عليك - ترسبت في الأحداق.. لسان حاله يردد: أنا يا راحلة - بعدك - مكوك في فضاء الأحزان أدوّر مهبطاً في الأرض يخبيني عن أحزاني أدوّر لي ملاذاً أبعيد ينسّيني ألم ما كان يذوّقني ولو لحظة فرح من عمري الفاني يا رحيل.. ها هو هناك قد أفاق.. وها هو بعد أن أفاق بلسانه يلعن الكذبة الكبرى.. بقدمه يدوس نشوة اللهفة الحارقة.. بيدية يمزق خرائط الشوق في أعماقه.. وبيديه ينزع من جوفه ألغام الاشتياق.. ها هو هناك قد أفاق.. أفاق بعد أن توسد ذراع وهم الآماد.. وظن أن يدفن بالرقاد آلام الحداد، ها هو هناك قد أفاق.. متلحفاً أردية الصمت.. بعد أن تجرع علقم الجهر على الصمت.. ولاذ في سراديب الشتات تحاشيا لما كان.. تفاديا لما كان آت.. ها هو هناك قد أفاق بعد أن صب جام دموع الحزن على جام حزن الذكريات.. ها هو هناك قد أفاق بعد أن طمس الزمن ما خطه الغياب في كيانه من ملاحم الآمال ومخطوطات الأحلام ومعلقات الشوق وشوارد الاشتيقا.. يا رحيل.. ها هو هناك قد أفاق.. أفاق لم يعد يحزنه حزن.. لا ولمن يعد يخيفه رحيل أو يبكيه فراق.. فإن يكن للوهم مهر صادق.. فللحقيقة يا رحيل أكذب صداق..