قبل سنوات طويلة قررنا أن نقوم بشراء خروف لذبحه في عيد الأضحى، وتوزيع جزء من لحمه على الجيران والفقراء، على ألا ننسى أنفسنا في الاستمتاع ببعض أجزاء الخروف، وقد أعددنا قبل احضار الخروف الفحم والمنقل والأسياخ، لحفلة الشوي التي قررنا اقامتها، في حديقة منزلنا النموذجية (هكذا كنا نعتقد!) وإلى جانب هذه الاستعدادات، قررنا وضع قائمة بأسماء بعض العائلات الصديقة، الذين لم ينعموا بسكنى الفلل، وبالتالي ليس لديهم حديقة نموذجية، لمشاركتنا في الاستمتاع بتشكيلة منتقاة من لحم الخروف، الذي وضعنا مواصفاته بالكامل، وحتى لا يلتف حولي شريطية سوق الغنم، قررت الاستعانة بخدمة صديق، لم أشك يوماً واحداً، في أن قدراته، التي تؤهله للإدلاء بآراء سديدة، حول ما يطرح أمامنا في المناسبات التي كنا نحرص لسبب أو لآخر على حضورها معاً، وكان طوال جلوسنا على المائدة، لا هم له إلا معرفة نوع اللحم وموطن الخروف، بل إنه في إحدى المرات، قال لي بثقة الخبراء: هذا الخروف كان منفوخاً قبل ذبحه، عندما لاحظ أن لحمه «كان مرهرطاً ولزجاً»، ما جعلني أتوقف فوراً عن الأكل..لكل هذه الأسباب قررت أن يصحبني إلى سوق الغنم! لم نأخذ وقتاً طويلاً حتى وصلنا عصراً إلى سوق الغنم، وقد اكتشفت هناك العديد من التجارب الجديدة، التي من المهم أن يستفيد منها، من لديه الرغبة الآن، في الاعداد لشراء خروف أو خرفان العيد، ومن أبرز هذه الفوائد، عدم الانصياع نهائياً لنصائح الباعة، وهذا معناه ببساطة، أن يحرص كل من يريد الذهاب إلى هناك في الاستعانة بصديق، تماماً كما فعلت أو فعل معي صديق الغفلة!! حالما وصلنا إلى سوق الغنم التف حولنا من كل جانب العديد من الباعة، وكل واحد منهم يحاول اقناعنا بالشراء من خرفانه، بل ان بعضهم شرع فوراً في تقليب الخرفان، من جميع جوانبها، لعلنا نتفق معه، على واحد منها، ولكن هيهات! هكذا قال صديقي وهو يطق على صدره، ويشرع فورا في تقليب الخرفان كيفما اتفق، حتى وقع اختياره على خروف، وبدأ في الحال، يتمم إجراءات الشراء، وكأنه هو الذي سيدفع القيمة، وليس أنا، لم يسألني إذا كانت القيمة تناسبني أم لا، ولم يسألني إذا كان شكل الخروف مناسباً أم لا ومع ذلك فقد كظمت غيظي، وقبلت بكل الحيثيات التي طرحت، التي تؤكد أن هذا الخروف من سلالة كريمة، ولابد أن لحمه سيكون لذيذاً، إذا طرح على الفحم.. لكن ما جعلني أقلق كثرة حركة الخروف، وقفزه في الاتجاهات شتى على الرغم من توثيقه بالحبال في الحظيرة. دفعنا قيمة الخروف، وحسب وصايا الصديق اشترينا شوال شعير كامل، ليكون زاداً يتقوت منه الخروف، حتى حلول موعد ذبحه.. ربطنا الخروف وأودعناه شنطة السيارة، ومعه شوال الشعير، وحالما وصلنا أوثقناه بحبل طويل، ليتجول على راحته في حديقتنا النموذجية، وحوشنا الفسيح، ووضعنا أمامه طستاً كبيراً ملأناه بالماء، وآخر ملأناه بالشعير، حتى لا يحتاج إلينا حين يجوع..وقد قضينا ليلة ليلاء، على نغمات الخروف، التي كانت تأتينا من اتجاهات المنزل كافة، التي أرجعناها إلى احساسه المفاجئ بالغربة، بعد نقله من مرتعه في الصحراء، ثم نقله إلى سوق الغنم، حتى وصلنا إلى منزلنا، إضافة إلى الجولة السياحية، التي قام بها أطفالنا وأطفال الجيران، حال وصول الخروف الى المنزل، وهي جولة تركت الخروف في حالة يرثى لها، ماذا عملوا معه؟ هناك من يقول إن بعضهم اعتلوا ظهره، وبعضهم داعبه بحبل في يده، مستغلاً توثيقه، وإلا فإن ملامح الخروف منذ أن اشتريناه، لم تكن مطمئنة فقد كانت ملامحه شرسة، وله قرنان لو اتجه بهما إلى كبير الدار، وليس إلى أطفاله، فإنهما كفيلان بطرحه أرضاً، لكن الله سلم فانفض جمع الأطفال وعاد الخروف إلى مقره، وانصرف بكليته إلى الماء والشعير. نزلنا صباحاً للاطمئنان على الخروف ولجلب المزيد من الأطفال للعب معه، لكننا وجدناه منزوياً وصامتاً، بل مهدود الحيل، وحول المنزل من جميع الجهات كانت مخلفاته متناثرة،ما يدل على تعرضه لنوبة اسهال حادة، جعلته يتأوه طوال الليل، حتى سقط في الركن الذي رأيناه فيه، ومع مرور الوقت، كانت حالته تزداد سوءاً! أحضرنا جزاراً من السوق القريب، وقرر على الفور أن أمامنا بضع ساعات لنقرر ذبح الخروف والاستفادة من لحمه أو تركه يموت بسلام! لماذا يا أخا العرب؟ قال الرجل: هل هناك عاقل يضع شوالاً كاملاً من الشعير، وطستاً يروي عشرة خرفان، أمام خروف واحد؟ لقد أكل وشرب على التوالي حتى انتفخ بطنه، والنتيجة ما ترونه، وعليكم التصرف حالاً: التضحية بكل برامجكم للاحتفال بالخروف وأكله لحماً بعد تقطيعه ووضعه بالثلاجة أو تشييعه الى مقلب البلدية.. وقد اخترنا أهون الحلول وأيسرها وذبحنا الخروف، وما تبع ذلك من الاستغناء نهائياً عمّن يدعون ضلوعهم في علم الخرفان، واتجهنا إلى بقالة كبيرة، تولت مسؤوليتها في كل عام تزويدنا بالخروف، وذبحه، وقبل ذلك اختيار الأعلاف المناسبة وأوقات طرحها أمامه!!