توالت الاتصالات الهاتفية والرسائل الجوَّالية من إِخوةٍ وأخواتٍ يستنكرون ما ورد في التحقيق الذي نشر في جريدة الجزيرة من اقتراح يتضمن الدعوة إلى علاج «البدانة والسِّمنة في المرأة السعودية» بتقرير الرِّياضة البدنية في مدارس البنات، وقد دفعتني تلك الاتصالات المتكرِّرة إلى الرجوع إلى عدد الجزيرة الذي تضمّن ذلك التحقيق الصحفي الذي تناول هذا الموضوع. والحقيقة أنني فوجئت بضعف مستوى العمل الصحفي في هذا الموضوع، وبعدم القدرة على التناول الإيجابي الصحيح في تحقيق صحفي يفترض فيه أن يكون موضوعياً وعميقاً وقائماً على المعالجة الصحفية الشاملة المستوعبة للآراء المتعدِّدة، ولواقع المجتمع الذي يخاطبه. الموضوع موضوع «البدانة والسِّمنة» الذي يزعم التحقيق أنَّها أصبحت قضية خطيرةً في بلادنا، لا يمكن أن ينقذ مجتمعنا النسائي منها إلا تقرير مادة التربية الرياضية في مدارس البنات، فهذا هو في نظر من أجرى التحقيق العلاج الأهم للتخلُّص من الترهُّل في أجسام النساء. ولا شك أن هذا الطرح يحمل في طيَّاته من الضعف وعدم الدِّقَّة، ما يجعله جديراً بهذا الموقف الناقد من قراء وقارئات الجزيرة الذين يحملون من الوعي والثقافة ما جعلهم يصدمون بهذا العمل، ومع تقديري لمن أسهم بطرح رأيه في هذا التحقيق من الأطباء والطبيبات، والمدرسين والمدرسات، فإنَّ طرح مشكلة السِّمنة بهذه الصورة يؤكد مدى التسرُّع الذي أصاب هذا العمل في الصميم. أقول هذا موجِّهاً كلمة النقد الهادف إلى سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة ونوَّابه الأفاضل الذين يعرفون أهمية وجود الصِّفات الفنية الصحفية في ما ينشر من التحقيقات، وأهمية تقدير «حقيقة المجتمع» الذي يخاطبه العمل الصحفي. هنالك مشكلة ليست هيِّنة تتمثل في الضوابط والمقاييس الصحفية التي تراعيها الصحافة الناجحة الرزينة، وتهملها صحافة الإثارة، والضَّجيج والجَلَبة التي لا طائلَ وراءَها، وإذا كان القارىء الواعي يعرف أبعاد الطَّرح الصحفي الناقص وطرح الإثارة فيضرب عنهما صَفْحاً، دون أن يتأثَّر بهما. فإنَّ عامة القرَّاء من الفتيان والفتيات قد ينخدعون بذلك، وتنطلي عليهم حيل بعض الصحف التي تخدع قرَّاءَها.. بجعجعةٍ لا يرى معها المتابع طحنا. إنَّ جريدة الجزيرة مدرسة صحفية معروفة تحترم نفسها بتوخِّي المصداقيةوالجودة، فهي أدرى بسلبية أيّ عمل صحفي لا يتفق مع هذه الصفة المتميزة. أما الأختان اللتان أجرتا المقابلات لهذا الموضوع فأقول لهما: هنالك موضوعات وقضايا تتعلَّق بالمرأة ومدارس البنات غير هذا الموضوع، هي أكثر أهمية وأولى بالطرح والمناقشة البنَّاءة، وإذا كانت نسبة الفتيات البدينات مرتفعة إلى هذه الدرجة فهل علاجها في رياضة المدارس؟!. وإذا عالجنا الطالبات البدينات بساعةٍ من الرياضة في المدرسة، فماذا نصنع مع البدينات خارج المدرسة، ولماذا لم يوجَّه الموضوع وجهة أخرى نحو الأسر التي تبدع غالبا في برامج التَّسمين والتبدين والترهيل لأبنائها وبناتها بتوفير أصناف المآكل والمشارب، واستقدام الخادمات من كل حدبٍ وصوب، وإتاحة الجلوس الطويل جداً دون مراقبة أمام القنوات التي تسرق أذهان أبنائنا وبناتنا وأوقاتهم، بينما خادمة المنزل أو خادماته يذهبن بالأطباق ويجئن بها في رحلات مكوكية من المطبخ إلى مكان الجلوس!. لماذا لم يوجَّه الموضوع إلى كثير من الآباء والأمهات والفتيان والفتيات الذين لا يلتفتون إلى الرياضة، ولا يتعبون أنفسهم بالعمل وكثرة الحركة، أو المشي داخل أفنية المنزل أو في بعض الأماكن المناسبة للمشي خارجه، اللهم إلا ذلك المشوار الذي يبدأ من باب المنزل إلى باب السيارة والعكس؟ لماذا لم يوجَّه الموضوع إلى كثير من المباني المدرسية التي تضيق بطالباتها، وتكاد تفقد مواصفات المساحة الطبيعية للمدارس؟، هل غاب عن البال أن المكان الأنسب للرياضة «المقترحة» سيكون في بعض المدارس مكتب المديرة أو غرفة المدرسات، أو الممرَّات الضيقة، أم أن اقتراحا آخر سيوافينا بأن تنصب خيام عند المدارس لممارسة الرياضة بشرط موافقتها لعاداتنا وتقالدينا؟؟ جدير بالأخوات القادرات على العمل الصحفي أن يتناولن القضايا التربوية والتعليمية الأهم، وأنْ يقدِّمن مادة نافعة، هنَّ أقدر عليها بسبب معايشتهن للطالبات من داخل المدارس، وفي ذلك خدمة للمسؤولين عن تعليم البنات الذين يتوقون إلى الاقتراحات النافعة في هذا المجال، فذلك أولى وأجدر بالعمل الصحفي الناجح بعيداً عن طرق الأبواب المقفلة في وجه الغبار والجراثيم. إشارة: ما قيمة الناس إلا في مبادئهم لا المال يبقى ولا الأَلقاب والرُّتَبُ