الدولة في الإسلام «جهاز اجتماعي فعال وظيفته تنمية الحياة الإنسانية في الاتجاهات الخيرة التي رسمها الإسلام، ولذلك فإن وظيفتها لا تقتصر على حفظ الأمن ولا على التدخل او الإشراف على الحياة الاقتصادية، ولكنها تتجاوز ذلك الى التدخل لتنسيق الحريات الفردية في مجال نمو الحياة الخلقية بغية تأمين حياة خلقية أرقى وفسح المجال لنمو الحياة الخلقية والروحية في الاتجاهات الخلقية السامية وبذلك يدخل العنصر الأخلاقي في جملة العناصر التي تكون الدولة وأهدافها «آراء ابن تيمية في الدولة للمبارك: 67-68». ومن يتتبع آيات القرآن يتضح له كما يقول المودودي: ان الدولة التي يريدها القرآن ليس لها غاية سلبية فحسب بل لها غاية ايجابية أيضاً، أي ليس من مقاصدها المنع من عدوان الناس بعضهم على بعض، وحفظ حرية الناس والدفاع عن الدولة فحسب، بل الحق أن هدفها الأسمى هو نظام العدالة الاجتماعية الصالح الذي جاء به كتاب الله وغايتها في ذلك النهي عن جميع أنواع المنكرات التي ندد بها الله في آياته، واجتثاث شجرة الشر من جذورها، وترويج الخير المرضي عند الله «نظرية الإسلام وهديه للمودودي: 64». ومن الظاهر ان مثل هذا النوع من الدولة لا يمكن ان تحدد دائرة عملها لأنها دولة شاملة محيطة بالحياة الإنسانية بأسرها وتطبع كل فرع من فروعها بطابع نظريتها الخلقية وبرنامجها الإصلاحي الخاص، فليس لأحد ان يقوم في وجهها ويستثني أمراً من أموره قائلاً: إن هذا أمر شخصي لكيلا تتعرض له الدولة. وبالجملة فإن الدولة الإسلامية تحيط بالحياة الإنسانية وبكل فرع من فروع الحضارة وفق نظريتها الخلقية وبرنامجها الإصلاحي «المصدر نفسه: 47». ويتضح من ذلك ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس عملاً واحداً من أعمال الدولة الإسلامية «بل هو كل عملها، وهو الذي تسعى وراء تحقيقه بجميع وسائلها وأسبابها، ويخضع له ويعمل كل قسم من أقسامها وكل شعبة من شعبها»، «العمري: 167 - 168». فهي إنما تقوم لهذا الغرض ولتحقيق هذا المقصد العظيم، ولذا فإن المطلوب منها ان تسخر له كل طاقاتها وان تعمل له كل مؤسساتها، ويجب ان توفر من الوسائل ما يمكنها من القيام بأداء هذا الواجب الشرعي عملاً بقاعدة: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ص.ب: 61647 الرياض: 11575