فعلى الرغم من كون جهاز الحسبة هو المعني في المقام الأول بتطبيق فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورعاية شؤونها ووضع خططها إلا ان ذلك لا يعفي بقية أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة ولا المؤسسات الأهلية والاجتماعية عن القيام بواجبها في هذا المجال، وان تتعاون جميعاً من أجل اقامة المعروف ومحاربة المنكر بجميع صوره ودرجاته، وأن تتخذ في سبيل تحقيق ذلك كل الاجراءات العملية والتنظيمية الممكنة. يقول أبوحامد الغزالي - رحمه الله -:«الحسبة وظيفة دينية اجتماعية قبل ان تكون وظيفة حكومية، فقد شملت جوانب الحياة كلها، فقد دخلت في دواوين السلاطين ومجالس القضاة ومدارس الفقهاء وخانات الأسواق والشوارع والحمامات والمساجد والبيوت والمارستانات (المستشفيات) والكتاتيب» (إحياء علوم الدين). وهذا يؤكد شمولية أعمال الحسبة واتساع نطاقها؛ الأمر الذي يجعل المحتسب يتحمل مسؤولية جسيمة عند قيامه بهذا الواجب؛ فقد كان يحتسب في كل ما يراه مصلحة للمسلمين وينظر في جميع الأمور الجليلة والحقيرة. فالأصل في عمل المحتسب - كما يقول الطريقي:«انه أمر بالمعروف ونهي عن المنكر فيما يتعلق بأفعال الناس وتصرفاتهم، فهي رعاية حقه لتنظيم حياة الناس وفق ما شرع الله، وهي تنظيم أيضا لحياتهم الاجتماعية، وضمان سلامة أنفسهم، وحماية أعراضهم، والمحافظة على أموالهم، وصيانة عقولهم. ويستلزم ذلك متابعة كل ما يعرِّض هذه الأمور للجرح أو الهتك، لذا كانت مسؤولية والي الحسبة عامة في شؤون الحياة المختلفة، ولعمومها نرى أجهزة متعددة تقوم بالاشراف على أعمال الحسبة، من أهمها الأجهزة المسؤولة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصحة والتجارة، والبلديات، والمواصلات، والاتصالات بأنواعها، والزراعة، والداخلية، وأجهزة الرقابة المختلفة» (أهلية الولايات السلطانية: 178). ويتبين من ذلك أهمية دور الحسبة في المجتمع فهي من الولايات المهمة في الدولة الاسلامية؛ فمن خلالها تقوم الدولة بمراقبة نشاط الأفراد والجماعات في مجال الأخلاق والدين والاقتصاد والصحة، أي في المجال الاجتماعي بوجه عام، تحقيقاً للعدل والفضيلة وفقاً للمبادىء المقررة في الشرع الاسلامي. (الدولة ونظام الحسبة عند ابن تيمية لمحمد المبارك ص73). ولذلك فإن الواجب إقامة هذه الولاية في جميع بلاد المسلمين، والاعتناء بها وتوفير أسباب نجاحها وتفعيل أجهزتها وتقدير الدور الذي يقوم به العاملون في مجال الحسبة ومساندتهم من قبل أفراد المجتمع ومؤسساته وفئاته المختلفة ودعمهم ومؤازرتهم فإن عملهم ليس بالهين ولا باليسير، إذ إنه «يصطدم بشهوات الناس ورغباتهم، ويقطع أهواء بعضهم وملاذَّهم، ويكبت غرور بعضهم وكبرياءهم، وفيهم الجبار الغاشم، والوجيه المتسلط، والظالم الذي يكره العدل، والمنحرف الذي يكره الاستقامة، والبهيمي السائم وغير السائم من عبيد الأهواء، وفيهم من ينكرون المعروف ويأمرون بالمنكر» (مقاصد أهل الحسبة لخالد الشايع: 14). وهذا كله يؤكد ضرورة وجود جهة رسمية لديها من السلطة ووسائل القوة ما يمكنها من اقامة صرح المعروف ومحاربة المنكر وأهله وايقافهم عند حدهم وحماية المجتمع من شرورهم. وهذه الجهة هي ما عُرف عند المسلمين بولاية الحسبة. وقد كان ولاة الأمر في الدولة الاسلامية يُوَلُّون على هذا المنصب الجليل محتسباً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ممن يكون أهلاً للقيام بهذه المهمة، وتتوافر فيه شروط هذه الولاية ومن أبرزها أن يكون ذا رأي وصرامة في الحق عالماً بأحكام الشرع وذا معرفة بالمنكرات الظاهرة وملماً بفقه انكار المنكر ومراتبه وطرقه. ص.ب: 61647 الرياض 11575