إن تقاعس المسلمين وعلمائهم وحكوماتهم عن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واختفاء هذه الشعيرة من حياتهم كان من أهم أسباب هزيمة الأمة وإصابتها بالأمراض الاجتماعية، والانحرافات العقدية. ولا سبيل للأمة للخروج من هذه الحالة واستعادة مجدها الحضاري ومكانتها المرموقة بين الأمم بوصفها خير أمة أخرجت للناس إلا بتطبيق الشريعة ومن ذلك إحياء وظيفة الحسبة وتفعيل دورها في المجتمع الإسلامي. وإحياء هذه الوظيفة الحيوية يتطلب دعمها بالإمكانات البشرية والمادية اللازمة وتطوير أجهزتها ووسائل ممارستها بما يتلاءم وظروف العصر وتحدياته، وبما يمكنها من مواجهة الأخطار المحيطة بالمجتمع المسلم التي تهدده من كل جانب، ووضع حلول حقيقية لمشكلاته، وأساليب ملائمة لمعالجة الظواهر السلبية فيه والتصدي لها في وقت مبكر قبل أن يستفحل أمرها ويتعاظم خطرها وتصعب إزالتها. ولأن هذه الوظيفة لها أبعاد اجتماعية وتربوية واضحة إلى جانب أبعادها الشرعية، فإن إعادة الحيوية إليها يتطلب تضافر جهود الجهات الحكومية والأهلية المختلفة والاستفادة من نتائج تخصصات علمية عديدة اجتماعية وتربوية ونفسية وإعلامية، فإن أصحاب هذه التخصصات يمكن أن يسهموا إلى جانب العلماء والدعاة وفقها الحسبة والسياسة الشرعية بدور فعال ومفيد في هذا المجال ولا سيما فيما يتعلق بتشخيص أدواء المجتمع ووصف الدواء الملائم لها، وتقويم أنشطته ومؤسساته وفق ضوابط الشرع وتوجيهاته، وإيجاد بدائل شرعية للممارسات الخائطة التي عمت وانتشرت ولا سيما في أوساط الشباب. إن الحسبة هي وسيلة الإصلاح الاجتماعي المهمة وذات الأولوية في هذه المرحلة الحرجة من حياة الأمة الإسلامية، وهي تستطيع أن تمارس دوراً أكثر فاعلية في حياة الناس اليوم إذا وجدت الدعم والمساندة من الجهات والأجهزة الأخرى في المجتمع. هذا من ناحية، وإذا طورت هي من طرق العمل وأساليب الممارسة في ضوء دراسات ميدانية علمية من ناحية أخرى. ولإجراء هذه الدراسات ينبغي الاستعانة بأصحاب التخصصات العلمية الأخرى وخصوصاً علماء الاجتماع والتربية والخدمة الاجتماعية والاستفادة من جهودهم في دراسة قضايا المجتمع وخبرتهم في شؤونه ومناهجهم في تناول الظواهر ومعالجة المشكلات وضبط التحولات والتغيرات التي تحدث فيه، فإن مشكلات هذا العصر ومنكراته أصبحت معقدة لتداخل أسبابها وتشابك العوامل المؤثرة فيها، مما يجعل الحاجة ماسة لتضافر الجهود وتعاون المهتمين وأصحاب التخصصات ذات العلاقة في وضع الوسائل والأساليب المناسبة لإنكار المنكر ومواجهة هذه المشكلات ووقاية المجتمع وأبنائه من آثارها.إن الأمة تواجه تحديات خطيرة عقدية وفكرية وأخلاقية في هذا العصر الذي ازدادت فيها الشبهات، وكثرت الشهوات وتنوعت، وتعددت وسائلها الإعلامية وأساليبها الشيطانية، ولذلك فإن تطوير الحسبة وتفعيل دورها في المجتمع المسلم اليوم أمر ضروري لمواجهة هذه التحديات المعاصرة بأساليب وطرق ملائمة. ص.ب: 61647 الرياض 11575