من الدراسات المهمة التي سطّرها يراع الشيخ الراحل/ حمد الجاسر هو ما كتبه عن أبي عليّ هارون بن زكريا الهَجَري من أعلام القرنين الثالث والرابع، والذي يرجّح فيه الجاسر أنه من هَجَر البحرين لا غيرها، وهي ما يُسمى اليوم ب(الأحساء)، هكذا افتتح كتابه بهذا الترجيح ومناقشة الآراء التي قالت بغير ذلك مفنداً أقوال من يقول إن الهَجَري ينتسب إلى هَجَر المدينة أو غيرها. نعم.. أبو علي الهجري شخصية فريدة في زمنه، ولعل دراسة الجاسر الموسّعة عنه تكشف لنا عن شح المصادر التي تناولت حياته وأبحاثه بشكل مفصّل حيث نشر الجاسر بحثين في وقت مبكّر ونشرهما في مجلة اليمامة ومجلة المجمع العلمي بدمشق عام 1372ه، مما جعله يواصل البحث ويصدر الدراسة الموسّعة عن الهجري عام 1388ه، ولولا النقولات المبثوثة في كتب التراث - وقد تقصّاها الجاسر - لنُسي كما نُسي غيره من الأعلام، فقد جدّ الجاسر واجتهد في إبراز شخصية الهجري اللغوية والجغرافية وفي علم الأنساب والراوون عنه والراوي عنهم... الخ، وذلك من خلال الرجوع إلى كتابه التعليقات والنوادر الموجود نسخة خطية منه في الهند وأخرى في مصر، وما نقله أبو عبيد البكري «ت 475ه» في (معجم ما استعجم) وما نقله السيد علي السمهودي «ت 911ه» في (وفاء الوفاء)، خصوصاً وأن السمهودي نقل بالنص وبالمعنى من كتب الهجري، وحسب رأي الجاسر أن السمهودي كان ينقلُ من مصادر أصلية، إلا مكتبته - السمهودي - احترقت سنة «866ه» وأتت النار على مكتبته. وقد أبرز الجاسر جهود الهجَري في جوانب متعددة، وهو ما يدلُّ على أنه - الهجري - حفظ لنا تراثاً مهماً عبر نقله المقطوعات والنُتَف الشعرية التي تشير إلى أسماء أماكن لم يذكرها غيره، ونظراً لعظمة الهَجَري العلمية فقد كان مؤدباً لأبناء طاهر بن يحيى الحسيني «ت 287ه»، وكان طاهرٌ من أمراء المدينة وعلمائها وأعيانها، وسكن الهجري بالعقيق في المدينة، وكتب عن آل جعفر بن أبي طالب لصلته القوية بهم، حيث ذكر منازلهم ورجالهم، وكتب عن القبائل شيئاً كثيراً، وكون أبي علي قطن المدينة فقد ساهم وجوده فيها إلى نشر تراثه ونقله إلى الأندلس، فقد أخذ عنه بعض الحجاج المغاربة، وهم الذين حفظوا ونقلوا شيئاً من تراثه في كتبهم. وقد ذكر الجاسر أسماء الذين نقل عنهم وقد بلغوا العشرات، سمّاهم بأسمائهم، وبعضهم ينسبه الهجري إلى قبيلته، بما فيهم نقله عن خمس نساء إحداهن أكثر النقل عنها وهي من بني دعد من هذيل، وهذا يدلل على أن الهجريَّ شخصية لا تقف عند حدٍّ في مواصلة البحث والتوثيق. بقيَ أمرٌ يراه الجاسر وهو، أن أبا علي الهجري مولىً ولا ينتسب إلى قبيلة، بقرينة أن اسمه من الأسماء التي تكثر عند الموالي، بالإضافة إلى أنه - الهجري - لم يذكر شيئاً عن قبيلته، وقرائن أخرى ذكرها في كتابه آنف الذكر. يشار إلى أن الجاسر الذي كتب هذا الكتاب مع تقصي كل شاردة وواردة عن الهجري، من دراسات كُتبت عنه ومخطوطات كتابه (التعليقات والنوادر) وعمل المقارنات حيال ما نُسب إليه، فإنه قد اعتنى بكتابه (التعليقات والنوادر) وأخرجه في أربعة مجلدات في طباعة حرية بالاقتناء. ** **