اختلف على تحديد موقع غدير "قلهى" الذي ذكر في شعر زهير بن أبي سلمى كآخر المواقع التي شهدت وقائع حرب داحس والغبراء، وتواصل الاختلاف حول التسمية فمنهم من قال ب"قلهى" وآخرون قالوا ب"قلهي". وتجدد الاختلاف حول تحديد المكان والتسمية عقب أن قررت اللجنة الإشرافية العليا لسوق عكاظ أن تتناول مسرحية السوق لهذا العام شخصية الشاعر زهير بن أبي سلمى. موقع تاريخي وفي رحلته لتحديد موقع غدير "قلهى" قال الباحث في معالم المدينةالمنورة التاريخية عبدالله بن مصطفى الشنقيطي إنه بحث عن قلهى في المراجع الأصلية التي تتحدث عن معالم المدينة، والأماكن المحيطة بها فتبين له أن الجميع ينقل عن عرام بن الأصبغ السلمي في تحديد موقع قلهى، حيث يقول عرام في رسالته (..ثم إلى الرحضية قرية للأنصار وبني سليم من نجد وبها آبار عليها زروع كثيرة ونخيل، وحذاءها قرية أو أرض يقال لها "الحجر" وبها عيون وآبار لبني سليم، وحذاءها جبيل ليس بالشامخ يقال له "قنة الحجر، وهناك واد عال يقال له "ذو رولان" لبني سليم، به قرى كثيرة تنبت النخيل، منها "قلهى" وهي قرية كبيرة و"تقتد" قرية أيضاً، و بينهما جبل يقال له "أديمة"). وأضاف :وبتتبع هذا النص ميدانياً والجمع بينه وبين النصوص الأخرى التي تحدد المواضع المذكورة هنا، وهي "الرحضية، الحجر، ذو رولان، أديمة، تقتد" تأكدت أن وادي "ذي رولان" الذي توجد قلهى في أسفله هو وادي الجعير، وأن قلهى غدير عليه قرية أثرية يدعى الآن "الغبية"، وأن قرية تقتد هي الضميرية، وأن جبل أديمة هو جبل قئ، أما الرحضية والحجر فهي باقية على أسمائها التاريخية مع قليل من التحريف). ويذهب الشنقيطي إلى أن هذا التحديد يستقيم تماماً مع قول زهير عندما بلغه أن بني تميم ينوون غزو قومه في ديارهم فقال: ألا أبلغ لديك بني تميم وقد يأتيك بالخبر الظنون بأن بيوتنا بمحل حجر بكل قرارة منها نكون إلى قلهى تكون الدار منا إلى أكناف دومة فالحجون بأودية أسافلهن روض وأعلاها إذا خفنا حصون وكانت دراسة الباحث الشنقيطي قد جاءت عطفا على ما نشرته "الوطن" في عددها 3963 من أن اللجنة الإشرافية العليا لسوق عكاظ قررت أن تتناول مسرحية السوق لهذا العام شخصية الشاعر زهير بن أبي سلمى "ت 13 ق/ه". وقائع حرب وذهب الشنقيطي إلى أن معظم وقائع حرب داحس والغبراء كانت في ديار غطفان القريبة من المدينة مثل "يوم الهباءة"، ويوم "ذي حسا" و"يوم ذي بقر" و"يوم اليعملة" وهذه كلها مواضع قرب الحسو والربذة، وكانت خاتمة المعارك يوم غدير "قلهى" بالقرب من الضميرة. وأضاف "أنه في هذا اليوم كاد بنو عبس أن يهلكوا عطشاً لأن بني ذبيان منعوهم الشرب من الغدير، وقد رأى العقلاء أنه لابد من الصلح فتولى ذلك هرم بن سنان المري، وابن عمه الحارث بن عوف، وتحملوا ديات القتلى وانتهت الحرب عند هذا الغدير "قلهى". وهرم بن سنان وابن عمه الحارث هما من عناهما زهير في معلقته: تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم ويرى الشنقيطي أنه عند تناول شخصية الشاعر زهير بن أبي سلمى سواء على المسرح، أو بالدراسة الأدبية فإنه لا يمكن أن نغفل تأثير حرب داحس والغبراء على الشاعر، وهي الحرب التي اصطلى بنارها قومه من غطفان حيث كانت بين جذمي القبيلة عبس وذبيان، وحلفائهما من بطون غطفان الأخرى أو من غيرهم من القبائل القاطنة في نجد، وقد استمرت سنوات عديدة، و يحمد لزهير أنه لم يكن من دعاتها أو ممن كان يسعرها بشعره أو يحمس قومه لخوض غمارها بل بعكس ذلك تماما ومعلقته خير شاهد على ذلك. اعتزال ب"قلهى" في الحديث عن عامر بن سعد بن أبي وقاص "أن أباه حين رأى اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقهم اشترى ماشية ثم خرج فاعتزل فيها بأهله على ماء يقال له قلهى. تصحيح وذهب الشنقيطي إلى أن الشيخ محمد بن عبدالله بن بليهد –رحمه الله- ظن في كتابه (صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار) أن دومة والحجون الواردة في شعر زهير هما دومة الجندل في شمال الجزيرة العربية وثنية الحجون في مكةالمكرمة، ولذلك وصف ما قال زهير بأنه كذب فغطفان لم تملأ ما بين دومة الجندل وثنية الحجون، كما ظن البليهد -بحسب الشنقيطي- أن حجر هو وادي حجر المسمى قديماً "السائرة" أحد روافد وادي رابغ، ولكن الواقع أن زهيراً لم يكذب فالمقصود هنا بأكناف دومة والحجون هو أكناف جبل "قئ" وهو جبل ضخم يشرف على بلدة الضميرية من الجنوب ويقع بينها وبين غدير قلهى، أما الحجون فهو واد يسيل من قمم جبال أبلى ويفيض في الشعبة قريب من تلك المواضع ويقطعه الآن الطريق المتجه من الضميرية إلى المهد، وحجر حرفت إلى الحجرية وهي غرب الضميرية غير بعيد عنها. وقال الباحث الشنقيطي (وهذه المواقع تقع في ملتقى أودية ريانة وتربتها خصبة وكانت تسمى "عرنة" وهي رياض مما كان يحمى في الجاهلية والإسلام، ومازالت آثار قلهى شاخصة إلى الآن و تظهر بوضوح في الصور الفضائية). ودعا عبدالله الشنقيطي الهيئة العامة للسياحة والآثار إلى إضافة موقع "قلهى" إلى المواقع الأثرية المحمية لما تشكله من بعد تاريخي وتراثي، كما اقترح على المشرفين على مسرحية سوق عكاظ أن يجعلوا قلهى والسهل الفسيح المحيط بها خلفية للمسرحية التي ينتظر أن تعرض خلال فعاليات مهرجان سوق عكاظ بالطائف، وجعلها كذلك جزءاً من المؤثرات السمعية، والبصرية، مشيرا إلى أنه سوف يكون لذلك تأثير إيجابي على تفاعل المشاهدين مع هذه المسرحية. وكان الباحث عاتق بن غيث البلادي -يرحمه الله- في كتابه "معجم معالم الحجاز" في الجزء السابع قد ذكر يوم قلهى مشيرا إلى أنه من أيام العرب، مستدلا بأبيات الشاعر زهير بن أبي سلمى، ومعتمدا كذلك على رسالة عرام، واستعرض كذلك ما قيل عن موقع قلهى لدى بعض المؤرخين مثل البكري إلا أنه لم يشر -بحسب رصد "الوطن"- إلى موقع قلهى والمواقع المجاورة لها وهو الأمر الذي تمكن الباحث عبدالله بن مصطفى الشنقيطي من تحديده كما ورد في دراسته التاريخية. معارضة عضو مجلس الشورى سابقا الباحث والمحقق الدكتور عائض الردادي ذهب في حديثه إلى "الوطن" أن :هناك مكانين متشابهان في الرَّسْم "الكتابة" مختلفان في الضبط والمَوْقع، أولهما قَلَهِيّ (بفتح القاف واللام وكسر الهاء وتشديد الياء) وثانيهما قَلَهَى (بفتح القاف واللام والهاء وآخرها ألف مقصورة) هكذا ضبطها سيبويه وضبطها غيره بسكون اللام (قَلْهَى). وقال فيما يتعلق ب"قَلَهِيّ" :فقد قال عنها البكري في معجم ما استعجم "حفيرة لسعد بن أبي وقاص" وأورد ذلك ياقوت في معجم البلدان"، مضيفاً "أن سعداً اعتزل بها لما قتل عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وأمر ألاَّ يحدث بشيء من أخبار الناس حتى يصطلحوا، ويقال فيها قَلَهَيّا، وهي التي قال فيها كثير عَزَّة من قصيدة في مدح يزيد بن عبدالملك: ولكن سقى صَوْبُ الربيع إذا أتى إلى قَلَهَيَّا الدارَ والمتخيَّما وأضاف "وفي إحدى مخطوطات البكري ذكر المحقق مصطفى السقا أنه ورد فيها أن قَلَهِيّ: قرب العقيق، وروى ياقوت أنه ورد في نوادر ابن الأعرابي التي كتب عنها ثعلب أنها قرب المدينة، واكتفى الفيروز أبادي في المغانم المطابة، والسمهودي في وفاء الوفاء بسرد ما ورد عن البكري وياقوت دون إضافة، ويتضح مكانها مما ورد عند البكري وعند ياقوت، فهي قرب وادي العقيق وقرب المدينة، ولذا فإن ما ذهب إليه عاتق البلادي في معجم معالم الحجاز (7/157) من أنها هي ما يعرف الآن باسم أبيار الماشي هو الأقرب لموقعها فهي واقعة في ديار سُليم كما أشار القدماء، وأرجح هذا لأن سعداً لم يذهب بعيداً عن المدينة، وآبار الماشي قرب العقيق، وقرب المدينة، وفي ديار سليم، وقد وقع خطأ طباعي في معجم الحجاز حيث طُبع (حضيرة) وصوابها حفيرة، والحفيرة هي البئر، وقد ورد عند القدماء أن قَلَهِيّ غزيرة الماء وكذلك آبار الماشي، وبهذا يتضح أن قَلَهِي ليست قَلَهَى الواردة في شعر زهير بن أبي سلمى. أَمَّا قَلَهَى (بثلاث فتحات) الواردة في قول زهير (ساكنة اللام، ولعل ذلك لضرورة الشعر): إلى قَلْهَى تكون الدار مِنَّا إلى أكناف دومة فالحَجُون فهي التي قال عنها عرَّام بن الأصبغ السلمي "وبالمدينة وادٍ يقال له ذو رَوْلان، به قرى منها قَلَهَى، وفي حروب عبس، وفزارة لما اصطلحوا ساروا حتى نزلوا ماء يقال له قلهى" ووادي رَوْلان على ما يفهم من كلام أبي علي الهجري في التعليقات والنوادر (ص1447 و 1483) يقع بين المدينةالمنورة والمهد ومعروف أن ما يسمى الآن بالمهد كان اسمه معدن بني سُليم. وذهب الردادي أنه عندما قال عرَّام (وبالمدينة) فإنه يقصد بنواحيها وليس فيها فهو بنواحي المدينة في ديار سليم وفيه تقع قَلَهَى، ولا يعرف وادي رولان الآن كما قال البلادي (معجم معالم الحجاز 4/101). ولهذا فإن قول البكري إنه "موضع قريب من مكة محدّد في رسم ظَلِم" وَهْم – كما قال البلادي – إلاَّ أن يكون المقصود مكاناً آخر، وكلام البلادي تأكيد لقول السمهودي قبله "وقلهى في قول زهير... فإني أظنه موضعاً آخر". وفي رسم ظَلِم فصّل البكري – وهو أكمل نص حدّد مكان قَلَهَى – وظَلِمُ هذا جبل شرق المدينة غير ظلم الواقع غرب المدينة في الأشعر، قال البكري "وهناك وادٍ يقال له ذو وِرْلان لبني سليم، فيه قرى كثيرة تنبت النخل منها قَلَهَى، وهي التي تنحّى إليها سعد بن أبي وقاص حين قُتل عثمان" ويلاحظ أنه سمى الوادي هنا وِرْلان، وقد يكون خطأ من النساخ، لكنه أكد أن قلهى فيه، وهو بعد الرِّحْضِيَّة للمتجه إلى مكة وقال عن الرحضية "قرية الأنصار وبني سليم، وهي من نجد" وهذا يفهم منه أن قلهى على الطريق النجدي إلى مكة وسط الطريق بين المدينة ومهد الذهب كما قال القاضي وكيع في كتاب المناسك ص 84 وهناك تفصيل للمسافات خلاصته أن قَلَهَى بين الرحضية ومهد الذهب، ويلاحظ أن البكري عند كلامه عن قَلَهِيّ (2/1093) ذكر أن سعد بن أبي وقاص اعتزل فيها، وعند كلامه عن قَلَهَى في ظلم (2/907) ذكر أن سعداً اعتزل فيها، وسعد لم يعتزل في المكانين، وهو قد عرّف بهما على أنهما مكانان، ولذا فإن كلامه في قَلَهَى ليس صواباً فسعد لجأ إلى قَلَهِيّ التي هي آبار الماشي الآن. والخلاصة -كما ذهب الردادي- أن قَلَهِيّ التي اعتزل فيها ابن أبي وقاص في العقيق هي آبار الماشي الآن، وأن قَلَهَى الواردة في شعر زهير بين الرحضية ومهد الذهب، وذِكْرُ اعتزال سعد فيها خطأ، ولو عُرف وادي رولان لأمكن تحديدها، وقد تكون لدى أهل الديار معرفة بها.