يستدعي البعض متلازمة بايدن أوباما لتشكيل رأي عام خليجي ضد الإدارة الأمريكية الحالية، في مقابل كيل المديح لإدارة الرئيس ترامب. البعثات الدبلوماسية الأمريكية في الخليج ترصد وتقرأ وتحلل الخطاب الموجه ضد سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومن التقاليد الراسخة في الدوائر الرسمية الأمريكية أن ما يصدر عن مواطنيها هو حرية تعبير، وأن ما يصدر عن مواطني دول الخليج إنما يعبر عن رأي دولهم، وكأن حكوماتنا تضع الكلمات على ألسنتنا وأسنة أقلامنا، ولذلك فإن ما يتكون من رأي عام سلبي ضد أمريكا يحسب على دولنا، ويثقل كواهل وزارات الخارجية. ولذلك فإن نقد السياسات الأمريكية ينبغي أن يكون في حدود ما يمس منطقتنا، دون التورط في تعقيدات المشهد الداخلي الأمريكي والنزاع الحزبي. الوضع في منطقتنا ليس مستعصياً على الفهم، ولا محيراً، فخيارات أمريكا في الشرق الأوسط تدور وفق مصالحها وحليفتها إسرائيل. العلاقة مع أمريكا تستند إلى معيارين أساسيين هما أولاً: القيم المشتركة المتمثلة في الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات وانتهاج الليبرالية الاجتماعية والعلمانية في فصل السلطات، أما المعيار الثاني فهو المصالح المشتركة سواء أكانت سياسية، اقتصادية أو أمنية. وعطفاً على هذا الفهم فإن دول الخليج تعتبر صديقة لأمريكا، وتأثيرها لن يكون حاسماً في القرارات الأمريكية تجاه المنطقة أسوة بإسرائيل. ربما يساعد تنزيل مفاهيم الحليف والصديق، والتكتيك والإستراتيجية على السياسات الأمريكية في عقلنة التوقعات، وترشيد المقارنات بين الإدارتين الجمهورية والديمقراطية، والنظر بشمولية أكبر للتصريحات الأمريكية المتسارعة. يرى البعض أن انعتاق الرئيس بايدن من سيطرة الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما، والتخلص من أيدولوجيته في الحكم رهن بالموقف من الملف النووي الإيراني. ولذلك فإن المقبول الوحيد من الإدارة الأمريكية الحالية هو المزيد من العقوبات المشددة على إيران، وتصاعد الحشد العسكري في المنطقة، وسيكون الحال عند هذا البعض أفضل، فيما لو وجهت ضربة عسكرية خاطفة ضد إيران. هذه الأمنيات لن تحققها إدارة بايدن، وعدم تحقيقها لا يعني تكرار مواقف وسياسات أوباما. ولأن نظرية المؤامرة رائجة، والأصدقاء في التيارات الليبرالية اليسارية (التقدمية) لم يعودوا يرون في التفسير التآمري للأحداث دلالة على (الرجعية)، فإنني سوف أبسط الحديث في هذا السياق مستشهداً بما كتبه السفير بول بريمر أول حاكم أمريكي للعراق في صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، حول «وضع حد لألف سنة من الهيمنة السنية على بلاد ما بين النهرين». وهو ما يستفز سؤالاً كامناً حول الصورة المتخيلة للشرق الأوسط في الإستراتيجية الأمريكية. ويبدو أن الهيمنة العربية السنية ليست خياراً مطروحاً في منطقتنا، وأن وجود منافس هو خيار أمريكي لا يقبل التشكيك. عندما كان حكم الشاه في إيران غير جامع للشيعة حول العالم، وغير موحد لمرجعيتهم الدينية، تم تمكين الخمينية على أنقاض صديق أمريكا القوي في الخليج؛ محمد رضا بهلوي. تصدير ولاية الفقيه المشهد هدفه من جانب توحيد الشيعة بجميع أعراقهم خلف قيادة الولي الفقيه، وتأزيم الداخل العربي السني من جانب آخر، وذلك من أجل استدراج المنطقة إلى نزاع طائفي ينهك الطرفين ويمكن لإسرائيل، ويجهض أية محاولة سياسية عربية جماعية للوقوف في وجه المشروع الثوري الإيراني. وبالعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، وقد أصبح الاختبار الحقيقي لمدى اختلاف بايدن عن أوباما، فإن التعاطي معه وفق منظور تآمري سيعني أن إبرامه كان للمحافظة على التفوق الإسرائيلي، وليس لحماية مصالح بقية أصدقاء أمريكا في المنطقة. وحتى تبدو إدارة بايدن مختلفة عن سابقتها فإنها قد أعلنت ضم البرنامج الصاروخي الإيراني لمفاوضات العودة إلى الاتفاق، فيما تلح بعض دول الخليج على ضم تدخل إيران في الشؤون العربية إلى أجندة إعادة التفاوض. إرغام طهران على القبول بمناقشة تدخلاتها في الشأن العربي سيعني بداهة تخليها عن أحد أهم أسس ولاية الفقيه، وهو ما أشك في حدوثه. وسواء أكان في الأمر مؤامرة من عدمه، فإن أمريكا ستفرض على إيران مراجعة برنامجها الصاروخي، وستقبل إيران. كما أن أمريكا ستقدم في المقابل بعض التنازلات في مجال العقوبات وستجعل ذلك تحت البند الإنساني. ولتطييب خواطر بعض دول المنطقة فستُقدم إسرائيل على أنها الضامن لأمن دول الخليج في وجه التهديد الإيراني. وبين إيران وإسرائيل يعاد تدوير العداوات البينية ومنع أي محاولة للوحدة الخليجية، والحيلولة بين هذه الدول الغنية المستقرة ولعب دور في إعادة صياغة الأمن القومي العربي.