معلوم أنَّ هناك بعض المراكز البحثية في المغرب والهند وبعض الدول العربيةِ تُموَّلُ من خلال أوقافٍ عقاريةٍ، كانت لها في مكةالمكرمة والمدينة المنورة!! إنَّ (فكرة التمويل الذاتيّ) للجامعاتِ باتت اليوم ضرورةً ملحةً في ظل ازدياد نفقات التعليم. هذا التمويلُ يُدرِجُ الجامعاتِ تحت نطاق (القطاع الثالث). وهو مصطلح يقصد به المنظماتُ الخدميةُ التي تعتمدُ على التشغيلِ الذاتيِّ، ولا تتوقف أنشطتُها على الداعمين والمتبرعين؛ فهي ربحيةٌ ولا ربحية في الوقت نفسه. ويمثِّلُ هذا القطاع إضافةً مهمةً لأيِّ مجتمعٍ من المجتمعاتِ لأنَّهُ يقدِّم رافداً جديداً من روافد المجتمع المدنيِّ الحيِّ. ومزيَّتُهُ أنَّه يقدِّم الخدمةَ المجتمعيةَ اللازمةَ دون إرهاقٍ لميزانية الدولة. في بلادنا تجاربُ رائدةٌ في هذا المجال، مثل مدارس الفلاح بمكةوجدة، والمدرسة الصولتية بمكة، وغيرها. ولكن من أبرز وأنجح التجارب الرائدة في المملكة تجربة مؤسسة الملك فيصل الخيرية. هذه المؤسسة التي تتبنى جائزة الملك فيصل، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ومدارس الملك فيصل، وجامعة الفيصل، وجامعة عفت، وبرنامج الإعداد الجامعيّ. هذه المؤسسة التي تتبنى كل هذه المناشط تُموِّل نفسها ذاتياً دون أي دعمٍ حكومي أو تبرعٍ منذ أكثر من خمسةٍ وثلاثين عاماً!! أي منذُ أن وضع ورثة الملك فيصل - رحمه الله - إسهاماتهم فيها لأول مرة! ولا ريب أنَّ القطاع التعليميّ هو أَوْلى الجهاتِ بسلوك هذا المسلك نظراً لما يمثله (اقتصاد المعرفةِ) من قوّةٍ متناميةٍ في العالم الحديث، حيث ظهر ما يسمى ب(الجامعات المنتجة)، وهي الجامعات التي تغطي تكاليف تشغيلها عبر برامجها الاستثمارية، وأبحاثها العلمية، وبيوت الخبرة وما تقدمه من استشارات مدفوعة الثمن. وقد أشارتْ بعض الدراسات والأبحاث إلى أنّ ميزانية جامعة هارفارد في البحث العلمي فقط (وهي جامعة منتجة) تعادلُ ميزانية البحث العلمي في دول الخليج مجتمعةً!! وأفادت دراسة أجريت عام 2019م بأن 55 جامعة منتجة أمريكية بلغ مجموع أوقافها في حدود مئة مليار دولار! من هذا المنطلق بدأت الجامعات السعوديةُ تطرقُ أبواب الاستثمار في محاولةٍ جادةٍ لتخفيف العبء على الدولة، والانطلاق إلى آفاق أرحب، وذلك من خلال تأسيس شركاتٍ تقنيةٍ، تقوم بتوظيف الكفاءات والإمكانات التي تملكها الجامعات في منظومة استثماريّة تعزّزُ جهودها التعليمية والبحثية. إن الهدف الرئيسي من هذه الشركات هو توظيف إمكانات الجامعة في تحقيق عوائد لها من خلال البحث العلمي والاستشارات، والمؤتمرات والمعارض، والحاضنات التكنولوجية، وتشغيل الورش والمعامل والعيادات، وتسويق منتجاتِ ومخترعاتِ منسوبي الجامعة. وأيضاً من خلال المشاريع الاستثمارية العقارية والتجارية. وستتيح هذه الفرصة للجامعات أن تدخل في شراكاتٍ جادة وضخمة مع كبريات الشركات المحلية والعالمية. والأمل كبيرٌ في أن تمثل شركات وأودية التقنية في الجامعات نقلةً نوعيةً في مستقبل الجامعات السعودية.