هناك أزمة لا سابق لها تحدث اليوم في الولاياتالمتحدة وستكون نتائجها أعمق مما أثارته انتخابات الرئاسة عام 2000 أو الهجمات الإرهابية في 11 أيلول عام 2001. فانهيار جيفرسونيان «الصحافة الحرة وغير المراقبة» في أمريكا يعرض للخطر حريات الأمريكيين وحريات كافة الناس، وهذه نقطة قابلة للجدل في العالم، فاستعداد الولاياتالمتحدة لاحتلال العراق وممارسة ضربات وقائية في أي مكان من العالم تدفع للشعور بأن الحصن الوحيد للوحش الأمريكي الاستبدادي هو الإعلام الأمريكي الباهت والمعاق، ويبقى الأمل في أن يصحو الجمهور الأمريكي من غفوته. كتب قاضي المحكمة العليا لويس برانديس أن الخوف من الأذى الفعلي لا يبرر قمع الخطاب الحر أو الجمعيات التشريعية، وهذا الكلام ربما لا يصح في عام2002 لأن اللاعقلانية وعمليات التلقين يتم بيعها. فالصحفية دايان سويرس من محطة (ABC) وفي مقابلة مع احد العلماء النفسيين ذكرت أن الحديث عن الميت يمنح دعاية كبيرة، والإعلام الأمريكي يمارس هذه الوظيفة عبر الاهتمام بالتقاريرالحكومية غير المؤكدة حول وجود تهديدات إرهابية ضد عامة الناس، ويهملون أو يسخرون بشكل فعلي من رسائل السلام واحتجاجات المنظمات غير الحكومية في العالم وفي الولاياتالمتحدة، فهم يقومون بتحرير القضايا بشكل يرضي المعلنين وهامش ربحهم، فينتحلون القصص اليومية والاخبار الأسبوعية القديمة من الصحافة التجارية الاجنبية وينسبونها لأنفسهم. الوهم هو الحقيقة عوضا عن تقديم تقارير حول عدد الأشخاص الذين يقتلون في العالم بسبب دعم الولاياتالمتحدة للأنظمة الاستبدادية في العالم، فإن شبكات الأخبار تقوم الآن أداء الأفلام في شباك التذاكر ويا للعجب كيف اصبحت شبكات الأخبار مرتبطة بقوة بمعلومات امبراطورية هوليود فحتى (PBS) لم تكن منيعة من تسرب هذه المواضيع التي توحد شبكات الاخبار رغم أن مسيرتها التاريخية تحمل على الاعتقاد بأنها مختلفة عن غيرها من شركات الأخبار فنجد أن لويس روكسير مؤسس أسبوعية وول ستريت اعتبر أن الوضع الحالي مشين لأن محرر صحيفة تايم ورنر لم يجد متسعا من الوقت للحديث عن نجاح مجلته فالمسألة ببساطة يجب أن تكون استعراضا لمجلة روكسير وإعلاما عنها. وبالتأكيد فإن اهتمامات الإعلام الأمريكي تملك متممات تتجلى في القدرة الإبداعية على خداع المشاهدين وفق عملية روتينية تستند الى ان البرنامج هو حليف دائم للمشاهد. تقول ال NBC: ابدأ يومك معنا من الساعة الخامسة صباحا وهم أيضا يغرون المشاهد للبقاء حتى الواحدة من صباح اليوم التالي. وتتكرر هذه الشعارات في مؤسسات CBS. NBC و ABC. وختام اليوم مع شبكات الأخبار يعني الاستسلام للتأمل مع برامج الحوارات التي يستضيفها جاي لينو وداف ليترمين فيتزلفون الى السياسيين من أمثال ديك تشيني وجون أشكروفت. وإذا لم يكن هذا الاستلاب يحمل ما يكفي من الألم فإن دهشة الإعلانات والأخبارالقادمة من برامج محطات البث الإذاعي والتلفزيوني الأمريكية بكل اهتماماتها ستجعل المشاهد يترنح فهناك مزيج من السياسة التعليقات القصيرة الكوميديا إضافة لأخبارالجرائم ومعلومات من هوليود تساندها الأخبار والإعلانات المدهشة والمعلومات البيانية ضمن خليط تجاري من معدلات الإنتاج والوفيات تم إنتاجها من قبل كبار الملاك ومعدي الأخبار وذلك ضمن أكبر عملية جشعة في التاريخ الرأسمالي. وسط هذا الوضع التعيس تأتي إلينا المقاطع الإخبارية المقتصرة على 17 دقيقة بث والتي تحوي 750 كلمة حيث يتم تحريرها بشكل دعائي فتضم شكلا خطابيا لاذعا يحوي الكثير من الزيف وماذا تحوي أيضا محطات الراديو ذات الأمواج القصيرة والمعدلة (AM و FM). فهناك أربع الى ثلاث ساعات من التعليقات الأثيرية المشبعة بالشتائم والتي تنشر ثرثرات السياسيين وطالبي الشهرة والمثال الأوضح هو البرنامج الإذاعي فيوكومز والذي تنشره محطة MSNBC. ويستضيفه السيد دينعاموس فهو يقدم قرقعة وأنيناً أشبه بسفينة شراعية متآكلة وهو لا يكتفي بتقديم عرض إذاعي وتلفزيوني ومنبر لأشخاص مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو الذي يدعو لقتل ياسر عرفات لكنه يغري صحفيين محترفين ليساعدوا ويحرضوا لدخول في جدل سياسي لهذه النوعيات غير الأخلاقية..!! إن مثل هذه النصوص المكتوبة من اجل البث الإذاعي والتلفزيوني نجدها أيضا في محطات CBS. ABC. MSNBC. PBS والمئات من القنوات الأخرى والصحف والإذاعات عبر البلاد وهكذا غدت هذه المحطات مع اهتمامات الإعلام الأمريكي بعد أحداث11 أيلول وبالتوافق مع أصحاب الدعاية الإعلامية في الحكومة الأمريكية الحالية متشوقون لتحويل الشعب الأمريكي الى تشونسي غاردينز ولكن مرة أخرى هل يمكن لوم تطاول الطفيلي على مائدة مضيفه الذي يقدم له الدعم؟ والشعب الأمريكي هنا هو الذي يقدم الدعم. وراء الكواليس يظهر الإعلام الأمريكي بشكل صارخ في محاولته التذلل الى الإدارة الامريكية وجيشها فأي مفاجأة يمكن أن يحملها خطابه المتوافق مع الاحداث ومع السياسات الاقتصادية الوطنية؟ إن الإدارة الأمريكية الحالية قامت بدعم الانقلابيين في فنزويلا وظهر هذا الأمر بوضوح في اهتمامات الإعلام الأمريكي كشريك في خداع الجمهور في الولاياتالمتحدة ويقدم موقع www.fair.org توثيقا لطريقة البلاد الإعلامية في تغطية ما حدث. حيث يورد: عندما أجبرت العناصر العسكرية الرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز على الخروج من مكتبه الأسبوع الماضي فإن افتتاحيات عدد من الصحف الأمريكية لحقت بالحكومة الأمريكية واستقبلت هذه الاخبار بحماس وجاءت افتتاحية صحيفة نيويورك تايمز في 13 نيسان لتعلن أن استقالة تشافيز تعني أن الديمقراطية الفنزويلية لن تكون مهددة بعد اليوم من أي ديكتاتور في المستقبل. وتتجنب الصحيفة ذكر مصطلح انقلاب عسكري. وأوضحت «تايمز» أن تشافيز تنازل بعد تدخل من الجيش وبعض الاطراف القوية لاحترام زعماء الأعمال .. وبعد ثلاثة أيام من هذا التاريخ عاد تشافيز الى السلطة وأوردت التايمز في افتتاحيتها الثانية شبه اعتذار لأنها ذهبت بعيدا في تحليلاتها. عندما تولت المؤسسات العملاقة الشبكات الإخبارية فإن المكاتب الخارجية كانت من اول المتأثرين فلم يعد بمقدور صحافيي الشبكات الإخبارية الوصول الى قاعدة من المصادر أو التواصل مع عدة مدن رئيسية او مراكز مالية متنوعة. وكانت النتيجة اعتماد الشبكات على المصادر الحكومية والمتحدثين الرسميين الذين لا يملكون اكثر من الدعاية السياسية. وإذا اخذنا أفغانستان على سبيل المثال فإن الصحفيين يبقون في كابول لأن المخططين العسكريين للولايات المتحدة أقنعوهم بأن مناطق الريف خطرة فهم لا يعرفون أي المصادر أفضل ويفتقدون للعلاقات داخل البلد فهم يبقون في كابول ويطيعون الاوامر كما يحصلون على نسخة من الأخبار والتصربحات التي يتفوه بها ضباط الشؤون العامة. ويشير روبرت يونغ بيلتون في مقابلة نشرت على موقع الانترنيت salon.com إن الجيش يكره الإعلام جدا والمسألة هي أننا نموت ونحيا من اجل الدستور وأحد عناصر الدستور حرية الصحافة والطريق الصحيح لحرية الناس هي جعل القرارات مستندة الى حرية تدفق المعلومات وبدون رقابة وبدون أشخاص يعيدون كتابة التاريخ وبالأساس فإنه ومنذ حرب فيتنام فإن الجيش يدرك ان الصحافة هي عدوه لأن الصحافة الحقيقية أسرع وأكثر ذكاء من الجيش. فالصحافة قادرة على تأسيس حالة عسكرية قبل أن يستطيع الجيش التدخل. إن إلهام هوليود يظهر في الأخبار الإعلامية مثل قصص أو جي. سامبسون وملائكة روبيرت بلاك عوضا عن التحقيقات المستقلة حيث يتم الاكتفاء بالتفسيرات الحكومية الرسمية وبترديد نفس القصة التي تروجها أوساط العاصمة واشنطن. إعادة كتابة السجلات إن الحركات الموالية للفلسطينيين أو المضادة للعولمة والتي تزحف الى واشنطن تم إهمالها بشكل مزر في الإعلام الأمريكي ولم يتم تغطيتها بشكل حي الامن قبل محطة C SPAN. وعلى أي حال فعندما اصبح حجم المحتجين يفوق 75000 قطعتCSPAN تغطيتها لتبث خطاباً يعود لثلاثة أيام ألقاه رئيس البنك الدولي وممالا شك فيه أن C SPAN. مثلها مثل أي محطة اخرى قامت بتغطية محايدة لأخبارالشرق الأوسط شعرت بضغط اللوبي القوي والذي يدعى CAMERA . وهي اختصار للأحرف الأولى من لجنة الدقة في أخبشار الشرق الأوسط المنقولة لأمريكا وهي ذراع دعائي للحكومة الإسرائيلية تقوم بتوبيخ أي صحفي ينتقد إسرائيل وتعتمد فاعليتها على استخدام الضغوط المالية لاستخدام عناصر متوافقة مع السياسة الإسرائيلية. هناك اتجاه خطر آخر يتعلق بإدمان محطات ال «كابل »على اخبار بوش والعملاء الثلاثة لشبكات أخبار ال «كابل» هم CNN. FOXCabl . و MSNBC. وهم يقومون بتغطيات حية منفصلة لنشاطات بوش سواء كان يمارس هواياته في أعالي جبال نيويورك أو كان يهبط من حوامة وتذهب التقارير بشكل أعمق نحو معالجة وثائق البيت الأبيض وتصحيح ما يرتكبه بوش من حماقات في المؤتمرات الصحفية والخطابات التي هي في الواقع إعادة لصياغة السجلات الرسمية. وهذا ما يمكن ملاحظته في عدم الاهتمام بمساندة الحركات العسكرية الأمريكية للانقلاب الفاشل في فنزويلا وعمليا فإن التاريخ مليء بالزعماء الاستبداديين الذين يحيطون انفسهم بالكاميرات والتغطية الإخبارية الوحيدة الرؤية. ويعتبر ليني ريفينستاهل أن التصوير الدائم لهتلر وتغطية فعالياته وصلت الى كل بيت ألماني وهذا الامر نراه أيضا في التلفزيون السوفياتي في تغطيته لنشاطات بريجينيف او اندربوف او تشيرنينكو حتى عندما يزورون مصنعا للجرارات في مينسك أو مدجنة في كييف حيث تظهر أخبارهم في العناوين الرئيسية للنشرات. وبنفس الطريقة التي يمارس فيها المخططون العسكريون والسياسيون والشركات في أمريكا حملاتهم لإحلال السلام ضد القاعدة فإنهم أيضا يملكون خططا جاهزة لغزو العراق وربما لأعضاء آخرين في محور الشر ولتضمن المساندة الشعبية وغير المحدودة للعمليات العسكرية الخاصة بالولاياتالمتحدة والتي تفتح أسواقا جديدة قابلة للاستغلال فإن آلة الحرب تتلقى المساندة من الإعلام الامريكي وبشكل يضمن بقاء الناس مشغولين ومستسلمين وعمليا فإن اكثر الأمريكيين يعارضون الحرب وبالتالي فإن اهتمامات الإعلام الأمريكي المعتمد فعليا على الفكر يكمل دعاية الحرب الأمريكية عبر تلقين الناس الذي يصاحب الدعاية إن النازي المشهور هيرمان غويرينج سيكون بحق داخل منزله في الولاياتالمتحدة عام 2002.ر. * كاتب من فيرجينيا يعمل في مجال قضايا الأمن الدولي * صحفي متخصص في الحريات المدنية وقضايا حقوق الإنسان * عن «برافدا» الروسية خدمة الجزيرة الصحفية