إن الحديث عن الموهوب والمبدع.. الذي بفكره وخواطره.. يقدم كلمات وتعبيرات جميلة.. والتي بدورها تجري عبر نهر طويل.. وفي النهاية يصب في بحر مليء بالقراء، كي يمتعهم بعمله ورهافة أحاسيسه ومشاعره. وعندما نقوم ونستعرض الموهوبين والمبدعين في كل الميادين لأخذتنا الدهشة والتعجب مما ابدعته ايديهم عبر ريشة الرسام، وقريحة الشاعر، الى خاطرة كاتب مبدع مميز، ولو تحدثنا عن مبدعين عظام امثال المتنبي وشوقي ونجيب محفوظ وبتهوفن وماركيز وفيكتور هيجو.. وغيرهم لوجدنا ان هؤلاء المبدعين لم يبذلوا جهدا يذكر في اثراء تجربتهم الثقافية واغنائها بالدرس والتحصيل والتمرين المستمر، فمعظمهم عاطلون، لا يفعلون شيئا سوى الانتظار حتى تمطر عليهم طيف من الأفكار والخواطر.. وعليهم الكتابة، الا انه يوجد هناك من هم على عكس ذلك بأخلاقهم وسلوكياتهم المعوجة. فتعالوا نستعرض بعض تلك الشخصيات، وان نبحر في داخل سلوكياتهم وتصرفاتهم البارزة: فهذا الشاعر العراقي الجواهري فعلى الرغم من عذوبة شعره، فقد كان متغطرسا، ويعامل الناس بطرف انفه، وكذلك توفيق الحكيم احد رواد المسرح العربي الكبار، فقد كان يفاخر كونه بخيلاً. ومن المبدعين السوريين نجد الشاعر ديك الجن الذي قتل زوجته واحرقها، ثم وضع رماد جثتها في كأس، وينظر اليه وهو يبكي منشدا أعذب قصائد الرثاء ورائحة الخمر تفوح منه. وهذا الفنان التشكيلي بابلو بيكاسو الشهير بفضائح مغامراته النسائية، التي ادت الى زواجه رسميا من ثلاث عشرة امرأة. وهذا الاديب الروسي فيودور دوستويفسكي صاحب «الاخوة كرامازاوف» «الجريمة والعقاب» وغيرها.. كان مقامرا شهيرا لدرجة انه كتب وبدقة الحالة العامة لنفسية المقامر في رواية بالغة الجمال أسماها «المقامر». وان الحديث عن بعض السلوكيات المشينة عند بعض المبدعين لا ينتهي.. فهناك النمام العدائي والثرثار.. الخ.. وعلى الرغم من رحيلهم مع صفاتهم واخلاقهم الا انه يبقى في النهاية نسيم كتاباتهم وسحر إبداعهم. وليس كل مبدع قادراً على جعل موهبته في ربيع دائم من الرقي والتألق.. وانه سيجد يوما ما بأن تلك الموهبة تطير منه ويعتريها الخرف وتذوب فهذا نزار قباني نجد ان قصائده تحمل الجمال والمتعة عندما كانت موهبته في ربيعها، ولكن ذلك الابداع عانده في سنواته الأخيرة، كذلك محمود درويش فاعتقد بأن اشعاره الاخيرة لن تلقى نفس الحفاوة التي كسبها في دواوينه السابقة مثل «أعراس، والعصافير تموت، من في الجليل، ومديح الظل العالمي». وهذا نجيب محفوظ اعتقد بأنه بعد رواية «الحرافيش» عام 1977م لم يقدم عملاً له نفس الابداع في اعماله المشهورة مثل «زقاق المدق» و«ميرامار» وغيرهما. عليه نجد ان من المحال ان يظل المبدع قادرا على مواصلة ابداعه طوال اربعين عاما، وذلك يعود لقوانين الطبيعة واحكامها، وهذا ليس معناه بأن المبدع عندما يشيخ سيكتب نصوصا مضطربة او مضجرة بل ستكون اعماله متينة البناء وعميقة الفكرة، بسبب خبرته، ولكن ستكون خالية من الابداع ونسيم الفن المنعش اذا ما قورنت بما سبق للمبدع نفسه. وللحديث عن رؤساء مبدعين، حيث لم تشغلهم مناصبهم من اجل الابداع والبروز منهم: الرئيس السنغالي الراحل ليبولد سنجور فقد كان من ابرز شعراء افريقيا وشعراء اللغة الفرنسية. وهذا رئيس جمهورية التشيك ماكلاف هافيل فهو كاتب مسرحي ناجح من الدرجة الاولى. ومن الرؤساء العرب نجد الرئيس الليبي معمر القذافي اذ كتب مجموعتين من القصص القصيرة، حيث يرفض الحديث عنها ونشرها، واخيرا يخرج علينا الرئيس العراقي بروايته الثانية «القلعة الحصينة» وبعد روايته الاولى «زبيبة والملك» وما يدري هل هي من قريحته، كما نجد منهم موهوبين وأصحاب إعاقات، حيث لم تعقهم اعاقاتهم الجسدية الى حافز التفوق والابداع منهم: ذلك المعاق الذي لا يستطيع رفع اصبعه او ادارة رأسه، والذي يعد من كبار علماء الفيزياء .. انه عالم الفيزياء البريطاني ستيفن كنج وكذلك نجد الفيلسوف الالماني نيتشة والاديب الروسي دستوفسكي المصابان بالصرع.