أعلنت شركة «طيران الرياض» قبل أيام عن انطلاق عملياتها التشغيلية خلال الأشهر القليلة المقبلة، والآمال تتجدد في إحداث نقلة نوعية في صناعة الطيران السعودي، ليس فقط على مستوى الوجهات الدولية، بل - وربما الأهم - في تحسين تجربة السفر الداخلي التي لا تزال تعاني من أزمة تسعير مزمنة. فبينما تستهدف الشركة أكثر من 100 وجهة حول العالم، وتضم أسطولًا يتجاوز 130 طائرة، يبقى التحدي الحقيقي في تقديم حلول واقعية لارتفاع أسعار التذاكر المحلية، حتى عند الحجز المبكر. على سبيل المثال، حجزت رحلة من الرياض إلى المدينةالمنورة قبل شهرين من بداية إجازة الطلاب في رمضان، ل 5 أشخاص، وبلغت الأسعار بين 6000 و7000 ريال ذهابًا وعودة، وعندما بحثت قبل الرحلة بشهر، تجاوزت الأسعار 9000 ريال. هذه الأرقام لا تبدو مبررة إذا ما قورنت بأسعار الرحلات الداخلية في دول مثل أمريكا، ماليزيا، إسبانيا، أو فرنسا، حيث تتوفر خيارات سفر منخفضة التكلفة، وبأسعار مناسبة تشمل الضرائب. هذا التفاوت في الأسعار لا يؤثر فقط في خيار الطيران، بل يدفع الآلاف إلى اللجوء للنقل البري، ما يضاعف الضغط على الطرق السريعة، خاصة المؤدية إلى مدن كبرى مثل جدةوالمدينة والقصيم. وقد أصبح مشهد الازدحام على طرق السفر من وإلى الرياض أمرًا مألوفًا، خصوصًا في مواسم مثل رمضان والأعياد. السبب المباشر يعود إلى ارتفاع تكلفة التذاكر، ما يجعل السفر برًا خيارًا أكثر اقتصادية رغم مشقته. وهنا أرجو ألا يُبرَّر هذا الارتفاع بأسعار الوقود، فالمسافات بين مدن المملكة أقل بكثير من المسافات بين العواصم الآسيوية أو الأوروبية، وبالتالي الربط بين غلاء التذاكر وأسعار الوقود هو ربط غير منطقي. كما أن عبارة «السوق حر»، التي تُستخدم أحيانًا لتبرير الفوضى السعرية، لا تعني في المفهوم الاقتصادي غياب التنظيم أو الرقابة، بل تتطلب تسعيرًا عادلًا وتنافسًا حقيقيًا يخدم المستهلك. السؤال المطروح: ما هو موقف السائح الأجنبي الذي بات حضوره يتزايد في المدن السعودية؟ ماذا سيظن عندما يجد أن التنقل بين الرياض وأبها يكلفه أكثر من التنقل بين باريس وبرلين؟ من الطبيعي أن تتكوّن لديه صورة سلبية عن سهولة التنقل الداخلي، وهو عنصر أساسي في نجاح أي تجربة سياحية. والمملكة مقبلة على استضافة فعاليات عالمية كبرى مثل إكسبو 2030 وكأس العالم 2034، وهي مناسبات تتطلب توفير تجربة سفر مرنة، وبتكلفة مناسبة. فالزوار لن يأتوا فقط لحضور الحدث، بل سيبحثون عن تجربة متكاملة تشمل السياحة والتنقل بين المناطق. وإذا كانت أسعار التذاكر المحلية تشكل عائقًا، فقد نخسر فرصة ثمينة لإبراز تنوعنا الجغرافي والثقافي. دخول طيران الرياض إلى السوق يجب أن يتجاوز كونه مشروعًا اقتصاديًا تنافسيًا، ليكون مشروعًا وطنيًا يسهم في إعادة التوازن في الأسعار لقطاع الطيران، ويمنح المسافر المحلي والدولي خيارًا جويًا عمليًا واقتصاديًا ومستدامًا.