السياحة تساهم ب %10 من الاقتصاد.. و%52 من الناتج المحلي «غير نفطي»    سلوكياتنا.. مرآة مسؤوليتنا!    هل ينهض طائر الفينيق    التعاون يتغلّب على الخالدية البحريني بثنائية في دوري أبطال آسيا 2    «الكوري» ظلم الهلال    «فار مكسور»    أمير تبوك يستقبل رئيس واعضاء اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم    أمانة القصيم تنجح في التعامل مع الحالة المطرية التي مرت المنطقة    شخصنة المواقف    النوم المبكر مواجهة للأمراض    الملك يضيف لؤلؤة في عقد العاصمة    الموارد البشرية توقّع مذكرة لتأهيل الكوادر الوطنية    الفيحاء يواجه العروبة.. والأخدود يستقبل الخلود.. والرياض يحل ضيفاً على الفتح    وزير الرياضة: دعم القيادة نقل الرياضة إلى مصاف العالمية    نيمار يقترب ومالكوم يعود    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أنا ووسائل التواصل الاجتماعي    التركي: الأصل في الأمور الإباحة ولا جريمة ولا عقوبة إلاّ بنص    النضج الفكري بوابة التطوير    برعاية أمير مكة.. انعقاد اللقاء ال 17 للمؤسسين بمركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة    الذكاء الاصطناعي والإسلام المعتدل    نور الرياض يضيء سماء العاصمة    قيصرية الكتاب تستضيف رائد تحقيق الشعر العربي    الشائعات ضد المملكة    الأسرة والأم الحنون    سعادة بطعم الرحمة    تميز المشاركات الوطنية بمؤتمر الابتكار في استدامة المياه    بحث مستجدات التنفس الصناعي للكبار    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالريان يُعيد البسمة لأربعينية بالإنجاب بعد تعرضها ل«15» إجهاضاً متكرراً للحمل    تقليص انبعاثات غاز الميثان الناتج عن الأبقار    التويجري: السعودية تُنفّذ إصلاحات نوعية عززت مبادئها الراسخة في إقامة العدل والمساواة    إعلاميون يطمئنون على صحة العباسي    الزميل العويضي يحتفل بزواج إبنه مبارك    احتفال السيف والشريف بزواج «المهند»    يوسف العجلاتي يزف إبنيه مصعب وأحمد على أنغام «المزمار»    «مساعد وزير الاستثمار» : إصلاحات غير مسبوقة لجذب الاستثمارات العالمية    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    "الأدب" تحتفي بمسيرة 50 عاماً من إبداع اليوسف    60 صورة من 20 دولة للفوتوغرافي السعودي محتسب في دبي    المملكة ضيف شرف في معرض "أرتيجانو" الإيطالي    تواصل الشعوب    ورحل بهجة المجالس    دشن الصيدلية الافتراضية وتسلم شهادة "غينيس".. محافظ جدة يطلق أعمال المؤتمر الصحي الدولي للجودة    باحثة روسية تحذر الغرب.. «بوتين سيطبق تهديداته»    في الجولة الخامسة من يوروبا ليغ.. أموريم يريد كسب جماهير مان يونايتد في مواجهة نرويجية    خادم الحرمين الشريفين يتلقى رسالة من أمير الكويت    إشادة أوروبية بالتطور الكبير للمملكة ورؤيتها 2030    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    اكتشاف الحمض المرتبط بأمراض الشيخوخة    مشروعات طبية وتعليمية في اليمن والصومال.. تقدير كبير لجهود مركز الملك سلمان وأهدافه النبيلة    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هؤلاء هم المرجفون    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"تصعلكت" بما فيه الكفاية - الصراعات السياسية العربية تسمم الحياة الثقافية - الفكر العربي فارغ ومفزع ومخيف . حسونة المصباحي : الخليجيون أكثر الشعوب قراءة ... و "البدو" مخربون ويحتقرون المرأة
نشر في الحياة يوم 13 - 05 - 2008

حسونة المصباحي مثقف تونسي مارس الصعلكة في الأدب ومن خلالها صافح العالمية، انتصر لبداوته وسجل تاريخها وحفظها من الانقراض كما يزعم، يرى في المدينة أملاً وبوابة إلى العالم الآخر، يخاف عليها من تدخلات أطراف خارجية تفسد ركبها الحضاري...
طلّق السياسة والتحق بالأدب ليمارس مشروعه الفكري من خلال مفرداته، بعد دخوله السجن اكتشف زيف كل الشعارات وفشل كل مشاريعه، لذا منحته جدران المعتقل نوافذ مشرعة إلى عالم الحرية.
خرج من السجن وارتحل إلى أوروبا وهناك اكتشف نفسه من جديد ومارس ركضاً في كل الميادين...
يرفض التبعية والحزبية وينادي بالتعددية، يدين للغرب بشفائه من الزعيق والنعيق ويعيب على أدباء المهجر صراعاتهم البائسة وانشغالهم بسخافات لا تفيدهم في شيء.
حسونة المصباحي رجل ذو كتلة كبيرة من الشحم، ولكن تسكن تفاصيله كتل مجنونة من الإبداع والرقي، صوته أهدأ من حرفه، عقله في جنونه وجنونه في عقله، يرقب باهتمام الحراك الثقافي في الخليج ويرى فيه تطوراً متسارعاً يبشر بالخير...
هذا التونسي الأسمر تسرقك عذوبته وتوجعك عذاباته.. إلى الحوار.
"الصعلكة"هل هي مذهبك في الحياة؟
- هناك من يعتقد أن الصعلكة هي الفوضى وهي قلة الأدب وهي الاستهانة بالوقت وبالمواعيد والاعتداء السافر على الآخرين، وعدم احترام القوانين إلى غير ذلك من السلوكيات الدالة على العنف والعجرفة... وبطبيعة الحال أنا أرفض الصعلكة، لكني لا أخفي إعجابي ببعض الصعاليك من المبدعين المتأنقين في لباسهم وفي كلامهم، والذين يتميزون بثقافة واسعة وعميقة، وبإخلاص للأدب والفن ويكرهون النفاق والمراوغة والكذب والتزييف والأقنعة بمختلف أنواعها وأشكالها.
وأعتقد أن الذين يسمون الشعراء الصعاليك في عصر ما قبل الإسلام وفي مختلف العصور الإسلامية هم من الذين لا أخفي إعجابي بهم، وبأدبهم وبطريقة حياتهم وتفكيرهم. فهم متمردون على الطبيعة الخاضعة لرتابة الحياة، وللنواميس المجحفة التي تقنن بها حياتها.
لذا فروا إلى الفضاءات الرحبة الفسيحة وإلى الخيال والأودية ساعين إلى أن يعثروا في الطبيعة الصامتة المتوحشة ما يمكن أن ينسيهم دناءة الإنسان ونفاقه وشره، وأكاذيبه، وسوء طبعه.
وكان الشاعر الفرنسي فرانسوا فيلسون 1431 - 1463 شاعراً صعلوكاً بالمعنى الحقيقي للكلمة، وكانت حياته القصيرة عبارة عن سلسلة من المغامرات المثيرة وحتى النهاية ظلت الشرطة تلاحقه بسبب رفضه للظلم والاستبداد.
وللروس شاعرهم الصعلوك أيضاً أعني يسنين 1895 -1925 الذي قال في قصيدة تحمل عنوان الصعلوك:"آه يا روسيا/ يا روسيا الخشبية، أنا مغنيك وحامي حماك الوحيد. قصائدي الوحشية هذه أطعمتها بالخزامى والنعناع"، وفي قصيدة أخرى بعنوان:"اعتراف صعلوك"يقول يسنين متغنياً بصعلكته وممجداً إياها:"متجمداً أخرج إلى الطريق بشعر غير ممشط منحدر على أكتافي كضوء المصباح الغازي ليجيبني أن أباغت بالضوء ظلمات خريف أرواحكم الأخيرة. تعجبني حجارة الشتائم تتطاير حولي كبرد الزوبعة المتجشئة فأطبق يدي قوياً على فقاعة شعري المترنحة".
لماذا تخشى أن تنقرض البداوة يوماً ما؟
- أنا بدوي وتعلمت من البدو الكثير من الأشياء، خصوصاً فن الحكي، لكن لا بد من أن أقول إن عالم البدو هو في الوقت نفسه عالم فسيح وفارغ، مبهج للنفس ومكدر لها، طيب وخشن، هادئ وعنيف، حنون وقاس... وهناك سلوكيات بدوية أمقتها مثل احتقار المرأة، والذود عن الشرق، وحب الانتقام والضغينة والتورية...
والبدو كما وصفهم ابن خلدون يميلون إلى التخريب، تخريب المدن خصوصاً والعمران عموماً. وفي الحكم هم متسلطون، مراوغون، يتقنون فن الكيد للآخر، خصوصًا لأعدائهم وطبعًا أنا أمقت هذه الجوانب عند البدو. واليوم استطيع أن أقول إن الحياة البدوية بالمفهوم القديم انقرضت فلا خيام، ولا قوافل.
غير أن الكثير من رواسب الحياة البدوية انتقل إلى المدن والعواصم. والآن بإمكان الإنسان أن يلاحظ منها في تونس وفي الجزائر وفي القاهرة، وفي عدد من المدن العربية. لذا فإني أعتقد أن التشويهات التي لحقت بالمدن العربية عائدة بالأساس إلى المظاهر البدوية التي ما زالت حاضرة في حياتنا مشرقاً ومغرباً.
هل تكتب الرواية أم تكتبك هي وتفرض عليك مساراتها؟ وهل تحب أن تعيد كتابة بعض فصول رواياتك أم تؤمن بالكتابة الأولى؟
- أحياناً تفرض الرواية عليك نفسها، خصوصاً إذا ما ظلت تختمر في ذهنك وقتاً طويلاً وذات يوم تستيقظ لتجد نفسك عاجزاً عن التخلص منها. فهي تمسك بتلابيبك وتجرك بالقوة إلى المكتب لتجد نفسك غارقاً فيها، وفي تفاصيلها وفي حياة شخصياتها.
ويروي غاريا مرسيا ماركيز أن رائعته"مئة سنة من العزلة"ظلت في ذهنه فترة طويلة من الزمن، وذات يوم كان مع عائلته في السيارة وفجأة وجد نفسه مجبراً على العودة إلى البيت، إذ إن ساعة المخاض قد حانت. وبالنسبة إلى القسم الثاني من السؤال أقول إن هناك فصولاً في الرواية تكون سهلة من ناحية الكتابة. لذا ينتهي الكاتب منها بسهولة وربما في وقت قصير نسبياً. لكن هناك فصولاً تتطلب من الكاتب جهوداً مضنية وعسيرة للغاية. وأحياناً تضطر إلى إعادة كتابة فقرات صغيرة مرات عدة. وكان فلوبير يقضي اليوم بطوله أحياناً من دون أن يتمكن من إنهاء جملة واحدة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى جيمس جويس.
حفاوة الرواية بالمدن
ما سبب تلك الحفاوة التي تمنحها الرواية المغاربية عموماً وروايات الفصحى بالذات للمدينة؟
- أنا كاتب من ريفي القيروان بوسط البلاد التونسية، وعندما فتحت عيني على العالم لم أر أمامي أي مظهر من مظاهر المدنية، فلا سيارات ولا كهرباء ولا بنايات عالية ولا طرقات معبّدة، وهذا العالم الريفي يحضر بقوة في جميع القصص التي احتوتها مجموعتي الأولى:"حكاية جنون ابنة عمي هنية"، وبعض القصص التي احتوتها مجموعتي الثانية"السلحفاة".
لكن يحضر في روايتي الأولى:"هلوسات ترشيش"ترشيش هو الاسم القديم لتونس. وقد اكتشفت المدينة المتمثلة في تونس العاصمة في سنوات الشباب، وعندما كنت طالباً تعرفت على عدد من الجوانب المدنية التي كنت أجهلها حتى ذلك الحين واكتشفت الحب، والعلاقات الحرة بين المرأة والرجل إلخ... وشيئاً فشيئاً أصبحت المدينة في قلب الحياة الحقيقية بالنسبة إليّ وازداد هذا الشعور حدّة بعد أن اكتشفت العواصم الأوروبية الكبيرة: باريس، لندن، روما، مدريد، أمستردام، برلين، ميونيخ، استوكهولم... إلخ.
وهكذا باتت الرواية حاضرة بقوة في ما أكتب من قصص وروايات. وفي روايتي الأخيرة"حكاية تونسية"اهتممت بأحزمة الفقر التي تحيط بالعاصمة، التي يسكنها الريفيون النازحون، وهذه الأخرى ربما تكون مشوهة معمارياً وأخلاقياً وربما فاقدة للأصالة، وهي لا تنتمي للمدينة ولا الريف. وهذا ما يجعل سكانها مشوهين أخلاقياً هم أيضاً.
الريف القيرواني، والسمرة البدوية لا تزال نبرتهما واضحة في ما تكتب. كيف تمكنتا منك إلى هذا الحد على رغم وجودك طوال عشرين سنة في الطرف الآخر المختلف؟
تحدثت قبل قليل عن سبب حضور الريف القيرواني في الكثير من قصصي ورواياتي، وأضيف أن المنبع الأساسي للكاتب يظل دائم الحضور على رغم الاغتراب الطويل الطوعي أو الإجباري، وعندما عشت في ألمانيا كانت أحداث طفولتي الريفية تلاحقني طوال الوقت، بحيث لم أكن قادراً على الابتعاد عنها والتخلص منها.
القهر السياسي هل هو بوابتك نحو الإبداع الأدبي؟
- كل أنواع القهر تثير غضبي، وأنا أكتب دائماً ضد كل أنواع القهر، سواء ذلك يطاول الجماعات أم الأفراد. والقهر السياسي في العالم العربي هو من أفظع أنواع القهر خصوصاً في عصرنا هذا. فجل الشعوب الأخرى تنعم بالحرية وبالديموقراطية. أما في العالم العربي فإن الشعوب تعاني يومياً من القهر السياسي ومن الظلم، وبسبب ذلك تعطلت قدراتها الخلاقة، وأصبحت بكماء، عمياء، صمّاء، تساق إلى مصيرها المظلم وهي خائفة، وعاجزة عن رد الفعل. وأظن أني عبرت عن رفضي لهذا القهر السياسي في معظم رواياتي وفي عدد من قصصي ومقالاتي.
الحزب اليساري والسجن في تونس موجتان عاليتان قذفتا بك نحو الغربة، لماذا كانت ألمانيا خيارك، وميونيخ تحديداً؟
- لم أنْتمِ إلى أي حزب يساري، بل كنت متعاطفاً في سنوات الشباب مع بعض التيارات الماركسية المتطرفة، وكنت مغرماً بأفكار ماو تسي تونغ وبتسني غيفارا وبجورج حبش وبالثوريين الفيتناميين.
وذات مرة احتجاجاً على حملة الاعتقالات التي استهدفت تنظيم"العامل التونسي"وهو تنظيم ماركسي - لينيني، قمت وجمع من الطلبة بتوزيع منشورات ضد النظام، وحكم علي بالسجن سنتين. غير أنه عفي عني واطلق سراحي بعد مرور أربعة أشهر فقط على توقيفي. وكشفت لي تجربة السجن تلك خواء اليسار التونسي من الناحيتين الفكرية والنظرية، وثقافته السطحية. كما كشفت لي حدود نفسي وجعلتني أدرك أكثر من أي وقت مضى أني لست مفيداً في العمل السياسي.
وعندما حصلت على جوازي نهاية السبعينات انطلقت إلى أوروبا وظللت أهيم على وجهي في مختلف بلدانها، إلى أن استقر بي المقام في ألمانيا وفي ميونيخ تحديداً. وكان ذلك بمحض الصدفة. فقد ذهبت هناك لزيارة أصدقاء وما كان في نيتي أن أمكث هناك طويلاً. لكن شاءت الصدف أن يكون الأمر على صورة مغايرة تماماً لما كنت قد توقعته.
وقد أعجبتني ميونيخ كثيراً ولا تزال حتى هذه الساعة قطعة من حياتي، ففيها أنجزت عدداً من أعمالي. وفيها تعرفت على جوانب جديدة من الثقافة الأوروبية كنت أجهلها من قبل. وفيها تزوجت وفيها"تصعلكت"بما فيه الكفاية.
أعلنت بعد عودتك إلى تونس خواء السياسة، وأنك تركتها ولن تعود إليها أبداً. هل كانت تلك مقايضة لأجل البقاء في الوطن؟
- أنا طلقت السياسة منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي بعد أن وقفت على الحقيقة الآتية وهي أني لا يمكن أن أكون نافعاً في السياسة. الشيء الوحيد الذي يمكن أن أكون نافعاً فيه هو الكتابة. لذا أدرت ظهري للعمل السياسي وانشغلت بما كان يعتمل في ذهني من أعمال ومشاريع أدبية.
وفي ألمانيا حيث أقمت أزيد من عشرين عاماً، لم أمارس أي نشاط سياسي، ولم ألعب دور المعارض للنظام السياسي في بلادي التي كنت أتردد عليها بانتظام، وأبداً لم تمارس عليّ أية ضغوط سياسية من أي تيار سياسي كان. في ما عدا التيار الأصولي المتطرف.
كانت علاقتي بالتيارات السياسية في بلادي بما في ذلك الحزب الحاكم تتسم بالاحترام والتقدير المتبادلين. وقد عدت إلى تونس بمحض إرادتي.
وحتى هذه الساعة ظل الوضع على ما هو. فأنا كاتب مستقل ولا أرغب في أن أحشر نفسي في أي عمل سياسي، وأفكاري السياسية احتفظ بها لنفسي، وأسجل البعض منها في أعمالي، أو في مقالاتي. إذاً فالمقايضة التي تتحدث عنها لا وجود لها أصلاً. وما أحبه لبلدي هو الأمن والاستقرار ونبذ التطرف والعنف أياً كانت الأسباب الداعية إلى ذلك.
الصراعات بين العرب
الصراعات السياسية العربية هل تسهم في توتر الأجواء الثقافية بين الأدباء والمفكرين العرب؟
- الصراعات السياسية العربية مرض عضال، وهي تسيء إلى العلاقات بين الشعوب، وتثير التوترات التي من شأنها أن تسمم الحياة الثقافية العربية، لكن لابد من الاعتراف بأن المثقفين والمفكرين العرب حافظوا حتى هذه الساعة على نوع من الوحدة، ولم تتشتت صفوفهم بسبب هذه الصراعات. لكن الكتاب تأذى بسببها، فالكتاب العربي لا يقطع الحدود وإن قطعها فبصعوبة كبيرة. وهذا أمر مؤسف للغاية، ومهلك لثقافتنا وللغتنا.
الأدب والفن أكبر حيلة على السياسة وأهلها؟
- لقد وجدت في الأدب ما ساعدني في مواجهة الاحباطات السياسية التي عاشها ويعيشها العالم العربي، والأدب خول لي أن أحافظ على شيء من التفاؤل والأمل في هذا العالم العربي الكئيب والمتسمة حياته بالخواء والضجر.
هل من المقبول تصنيف الرواية إلى"كتابة نسائية"وأخرى"ذكورية"كما يفعل البعض؟
- تصنيف الرواية إلى"كتابة نسائية"وأخرى"ذكورية"غير مقبول على الإطلاق إذ إن العالم ليس"ذكورياً"أو"أنثوياً"وإنما هو الاثنان معاً، وبالتالي أنا أهتم بما يكتبه الرجل وبما تكتبه المرأة، واستمتع بقراءة أعمال الروائيات العربيات مثلما استمتع بقراءة أعمال الروائيين العرب. لكن لابد أن أقول بأن ما لا يروق لي عند بعض الروائيات العربيات هو الفضائحية المتعمدة والمبتذلة.
هل الروائي العالمي يأتي عليه زمان ويفلس؟
- هل أفلس في رأيك روائيون عالميون من أمثال دستوفسكي وتولستوي وبالبزاك وديكنز وجويس وفريجنا وولف وهنري ميللر وفوكنر وكافكا دوتوماس وكنوت هامسون وغيرهم؟ لا أعتقد ذلك. بل ان أعمالهم لا تزال مراجع أساسية لفهم النفس البشرية.. وهناك روائيون سبقوا هؤلاء مثل هارفانتس، ومثل الفرنسي رابليه، لا يزالون يثيرون إعجاب القراء في جميع أنحاء العالم، ولا يزال كتاب الرواية يعودون إليهم للاستفادة منهم.
ما سبب انشغالك بمقالات المهاترة والمعارك اللفظية عن الكتابة للحب والتحدث بلغة القلوب؟
- أنا أحب أن أرمي أحجاراً في البرك الأسنة وتعجبني المعارك الأدبية، إذ إنها تحرك السواكن، وتكشف عن الخواء الثقافي والفكري لدى بعض أشباه المثقفين، ولذا لا يمكن الحديث عن مهاترات، بل عن معارك أدبية نحن بحاجة ماسة إليها في زمن الصمت والكبت والاحتواء والتدجين.
يقولون إن الروائي فضيحة، يخبر بكل شيء حتى عن أهله وأصدقائه.. هل تتفق معهم في ذلك؟
- عندما انتهى جويس من كتابة رائعته"يوليسيس"تلقى بعض التهديدات الخطيرة من قبل بعض سكان"دبلن"، لأنهم رأوا أنفسهم في بعض الشخصيات. وأثارت تلك التهديدات مخاوف جويس، حتى انه كان يقول للبعض من أصدقائه المقربين بأنه لن يعود إلى دبلن بسببها، وكتاب آخرون اصطدموا بعائلاتهم وبمعارفهم وبأصدقائهم بسبب ما كتبوه عنهم.
وأنا نفسي اتهمت بأنني فضحت في رواياتي حياة بعض التونسيين وأنا أقول بأن الكاتب الحقيقي لا يجب أن يتعمد فضح حياة الآخرين، بل عليه أن يهتم بنفسه أولاً وقبل كل شيء، وأن يكون صادقاً وأميناً في ما ينقله من وقائع وحقائق. وأنا أقرأ جويس، ليس لأنه فضح أهالي دبلن مسقط رأسه وإنما لأنه كاتب كبير.
قلت قبلاً إن"الرواية تحتاج إلى تجربة"... إلى ماذا تحتاج أيضاً حتى لا يصلبها قلمك على منصة النقد؟
- التجربة أساسية في كل عمل أدبي أو فني وكل الأعمال العظيمة في عالم الرواية تكشف لنا عن تجارب كبيرة لأصحابها، فماذا يمكن أن يكون دنتوسنسيكي لولا تلك السنوات السوداء التي أمضاها في المعتقل والتي سجل وقائعها في"ذكريات بيت الموتى"؟ وماذا يمكن أن يكون سارفانتس لولا المغامرات المثيرة التي تميزت بها حياته.
وهذا ينسحب على كل المبدعين العظام من كتاب وشعراء وفنانين؟ أما العناصر الأخرى التي تثري العمل الإبداعي والرواية تحديداً إلى جانب التجربة فهي القراءة المتواصلة للأعمال الإبداعية وللتاريخ والفلسفة والعلوم الإنسانية والاهتمام بالسينما والمسرح والسفر أيضاً.
الغربة صندوق الحكايا
من"حكاية جنون ابن عمي هنية"إلى"حكاية تونسية"صندوق حكايات مليء بخبايا تونسية، هل تعتقد أن الغربة جيدة إلى هذا الحد، لأنها تمنح الوطن أبناء لا يتوقفون عن الحنين إليها؟
-"حكاية جنون ابنة عمي هنية"هي التي أعادتني إلى عالم الأدب بعد أن ظللت اعتقد لسنوات طويلة أن السياسة يمكن أن تكون فاعلة في الواقع وفي الحياة، ومن خلالها كتبت تاريخ من لم يكن باستطاعتهم أن يكتبوا تاريخهم، أي البدو الذين بدأوا ينقرضون الآن، ومعهم ينقرض عالمهم وحكاياتهم وأساطيرهم. ولولا هؤلاء البدو الذين تقاسمت معهم الماء والملح في سنوات الطفولة لما كتبت"حكاية جنون ابنة عمي هنية"في الغربة، كانت بلادي حاضرة في ذاكرتي وفي كل ما أكتب، وكانت بمثابة المعين الذي لا ينضب. وأما روايتي"حكاية تونسية"فهي ثمرة تجربة العودة إلى تونس، أو بالأحرى ثمرة الصدمة العنيفة التي أصابتني أمام التحولات الكبيرة التي حدثت. تحولات اجتماعية وغيرها. وقد لاحظت عنفاً في الشارع وفي اللغة اليومية. وفي روايتي، صورت ذلك من خلال حياة سكان أحزمة الفقر في العاصمة.
ومن خلال شخصية الأم التي تأتي من الريف إلى المدينة، ومن خلال شخصية الابن الذي يقترف جريمة فظيعة، لأنه لم يتمكن من الحفاظ على توازنه النفسي في مدينة قاسية وعنيفة.
في رواية"وداعاً روزالي"كان البطل لا شيء.. إلى ماذا ترمز من خلاله؟
- في"وداعاً روزالي"صورت تعفن المثقف العربي في الغربة، المثقف العربي الذي يفقد توازنه النفسي وربما هويته، فيصبح كائناً غريباً يعيش في عالم الأوهام والنزوات النفسية المرهبة. لذلك نحن نراه في النهاية وقد ضاع في عالم اللاشيء ويكتب نهاية عالمه.
هل يحتاج النقد الأدبي إلى كل ذلك العنف الجدلي وإلى تلك اللغة الصاخبة التي تستخدمها؟
- اللغة المؤدبة ليست صالحة لشيء، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمعارك الأدبية.. ولذا أنا أنفر منها وأتحاشاها، لأنها ليست قادرة على تحريك السواكن وعلى خلخلة الثوابت.
"وراء أحجبة الإسلام"كتاب حملك على كف الإشاعات، ودار بك في ميادين تساؤلات كثيرة. ما السبب في ذلك ولماذا لم يترجم هذا الكتاب إلى العربية بعد؟
-"وراء أحجبة الإسلام"كتاب طلبت مني دار"باك"الألمانية تأليفه في بداية التسعينات من القرن الماضي في الفترة التي بدأ الحديث فيها يكثر عن الإسلام والمسلمين وعن علاقة الشرق بالغرب، وكان الهدف من هذا الكتاب إبراز الجوانب المشرقة في الثقافة العربية والإسلامية، والكشف عما هو مخبوء في الحياة الجنسية عند العرب.
والتعريف بالكتاب والشعراء الكبار الذين كتبوا أدباً"ايروتيكياً"عظيماً. وحاز الكتاب إعجاب القراء الألمان، وترجم إلى الإيطالية والأسبانية. ولكنه لم يترجم إلى العربية حتى الآن، ربما لأنه لابد من مترجم كفء للقيام بمثل هذا العمل. أما بالنسبة لي أنا فهذا الكتاب يمثل علامة بارزة في مسيرتي ككاتب، إذ إنه ساعدني في التعرف على كنوز التراث العربي أدباً وشعراً وتاريخاً ومعماراً وعلوماً... إلخ.
أدب المغتربين.. وثقافة أبناء المهجر.. ماذا سكبت من ألوان على الثقافة العربية؟
- لقد كثر الأدباء والمبدعون المغتربون، والآن نحن نجدهم في جميع أنحاء العالم.. ولكن لابد من وقت لنعرف ماذا سيقدم هؤلاء من جديد للثقافة العربية. أما في الوقت الراهن فهم منصرفون إلى التناحر والاقتتال في ما بينهم وهذا ما يضعف من قدراتهم الإبداعية ويجعلهم عاجزين عن الاهتمام بمواهبهم وإبداعاتهم.
الأدب الغربي.. ماذا انتشل منك.. وماذا أسقط بداخل كتاباتك؟
- أنا لا أخفي اهتمامي وإعجابي بالأدب الغربي.. وبالفكر الغربي أيضاً.. وقد تأثرت بأدباء غربيين كثيرين.. ومنهم تعلمت تقنيات القصة.. ومازالت أتابع كل ما يصدر في الغرب من روايات ومن كتب في مجالات مختلفة. لكن لابد من أن أقول بأن اهتماماتي كانت تتوسع باستمرار وأنا اقرأ باهتمام الروائيين اليابانيين والصينيين والهنود والأتراك. وهذا أمر ممتع ومفيد للغاية.
عقدنا وفكرنا
تنقم كثيراً على الفكر العربي، وتجده مليئاً بالعقد، ألا يمكن أن يغفر له كل تلك الأنفاق السياسية المظلمة التي تزجه بها الصراعات المحيطة به؟
- لا يمكن أن نتحدث عن فكر عربي بالمعنى الحقيقي للكلمة في ما عدا بعض المحاولات الفكرية الجريئة أحياناً، نحن نجد أنفسنا أمام فراغ فكري مفزع ومخيف. ولو كان هناك فكر عربي حقيقي لما نمت الظواهر الأصولية المتطرفة بهذا الشكل الخطير والمرعب، وأسباب الفراغ الفكري كثيرة ومتعددة.
ومن هنا كثرت العقد التي نتعامل بها مع بعضنا البعض، ومع الآخر أيضاً فالعرب لا يتفقون أبداً، ودائماً هم في نزاع وصراع. وكل واحد متعلم يشتم الآخر ويحمله المسؤولية في هذه الإشكالية أو تلك. ومع الآخر، خصوصاً مع الغرب هم لا يحسنون التعامل. لهذا هم دائماً فاشلون ومنهزمون ثم انهم يحتقرون ثقافتهم الأصيلة والحقيقية، وتفتنهم الشعارات الجوفاء والخطب الرنانة، وهوس السياسة، وإليهم ينجذبون انجذاباً قوياً.
وهذا ما يفسر حالة الإحباط الرهيبة التي نعيشها راهناً. انظر إلى الفلسطينيين أمام عدو واحد هم يتقاتلون، وكل قيادة سياسية ترى أنها بريئة من الصراعات القاتلة التي تنخر الشعب الفلسطيني. وهذا الشعب الطيب يدفع الثمن غالياً كل يوم بسبب الأخطاء الفادحة التي ترتكبها قياداته. ولو كان هناك فكر حقيقي لما وصل الفلسطينيون إلى هذا الوضع المشين الذي يعيشونه الآن.
كيف ترى دور وموقع الأدب على خريطة الحياة الآن.. وهل مازال له ذاك الأثر الواضح؟
- ما دور الأدب اليوم؟ سؤال كبير طرحه أهمّ المثقّفين والكتّاب والشعراء والمفكرين، خلال النصف الأوّل من القرن العشرين. وكلّ واحد منهم أجاب عليه بطريقته الخاصة، وبحسب رؤيته الفكرية.
فالذين كانوا من المتعاطفين مع الماركسية، كانوا يرون أن الدور الأساسي للأدب هو توعية الجماهير، والدفاع عن قضاياها، والتنديد بالظلم الاجتماعي المسلّط على الطبقات الكادحة والمسحوقة.
وعلى رغم أن سارتر لم يكن ماركسياً ملتزماً، فإنه دافع عمّا سماه بپ"الالتزام". ومعناه أن يلتزم المثقف والكاتب والمفكر، بالدفاع عن القضايا الكبيرة التي تواجهها الإنسانية، وأن يقف إلى جانب الديموقراطية والحرية، وأن يترك برجه العاجي ليلتحم بالجماهير العريضة في صراعها ضد الظلم والاستبداد.
لذا لم يتردّد سارتر في الوقوف ضد الحرب في الجزائر، وفي الانضمام إلى التظاهرات الطلابية التى هزّت باريس والعواصم الغربية الكبيرة في ربيع عام 1968. وأما المناوئون للماركسية، ولما سمي بپ"الواقعية الاشتراكية"، فقد رفضوا فكرة"الالتزام"جملة وتفصيلاً وقالوا بأن المثقفين أو الكتاب أو المفكرين مطالبون فقط بأن يكونوا نزهاء وأصيلين، وبأن تكون أعمالهم عاكسة لأنبل ما في الإنسانية من قيم ومبادئ.
وبعد سقوط الاشتراكية في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، اختفت فكرة"الالتزام"من السجالات الفكرية والأدبية، وباتت وكأنها شيء من الماضي. لكن، منذ أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001، وقيام الولايات المتحدة الأميركية بغزو العراق، وما نتج من ذلك من مآس وفواجع، شرع المثقفون والكتاب والمفكّرون يطرحون مجدداً مسألة"الالتزام".
المشرق والمغرب والثقافة
بين المشرق وأخيه المغرب العربي أبواب لنعرات ثقافية مشتركة في الرواية، هل تجد ريادة لأحدهما على الآخر؟
- بالنسبة لي أنا لا أفرق بين المشرق والمغرب، ولي أصدقاء أعزاء فيهما، وقد كتبت وعملت في جل الصحف والمجلات المشرقية الكبيرة، واحتفى المشارقة بكتاباتي في مناسبات عدة. وأما عن الريادة في الرواية، فلا أعتقد أنها موجودة. هناك تنافس عليها وهذا أمر محمود.
في معرض فرانكفورت للكتاب، كان حضور الأدب الخليجي خجولاً في قائمة الترجمة الألمانية، لماذا؟
- الأدب العربي برمته كان مجهولاً لدى الألمان حتى السنة التي نال فيها نجيب محفوظ جائزة نوبل للآداب في سنة 1994، ومنذ ذلك الوقت أصبح الألمان مهتمين إلى حد ما بالأدب العربي، وأعتقد أن الأدب الخليجي سيثير اهتمام الألمان والأوروبيين مستقبلاً، لأنه يكشف عن جوانب مجهولة في حياة الخليجيين الذين يلعبون دوراً مهماً في الاقتصاد العالمي.
لماذا الإنسان الغربي يحاور الكون؟ أما نحن الشرقيين فمليئون بالعقد مع أنفسنا ومع الآخر؟
- الغرب يحاور الكون لأنه منتصر، أما نحن فعاجزون عن التحاور مع أنفسنا ومع الآخر لأننا مهزومون ومحبطون.
هل صحيح أن جيل الستينات هو أكثر الأجيال العربية عذاباً؟
- العرب كلهم يتعذبون، ويتألمون... ولا أظن أن هناك فرقاً بين جيل وجيل في هذا المجال. الحياة العربية كئيبة، والعرب مسؤولون عن ذلك بسبب المحرمات والممنوعات التي يفرضونها على أنفسهم، ثم أنهم عاجزون عن تحقيق انتصارات، لذلك هم كئيبون ومتجهمون.
كيف ترى الحراك الثقافي في الخليج؟ وهل تتابع أسماء معينة في الخليج؟
- الحراك الثقافي في الخليج مثير للاهتمام والانتباه، وقد لاحظت أن الخليجيين يقرأون أكثر من غيرهم من الشعوب العربية، ويشترون الكتب ويتابعون الندوات الأدبية والفكرية... وهذا أمر إيجابي للغاية، وعلى مستوى الإنتاج هناك كتاب وشعراء ونقاد خليجيون بارزون. وأنا أتابع باهتمام شديد كل ما يكتبون... والآن نحن نجد في السعودية وفي الإمارات وفي عمان مبدعات ومبدعين شباب يمتلكون مواهب لا بأس بها.
هل تشعر أن التنويريين العرب قادرون على أداء رسالتهم؟
- مرة كتبت مقالاً حمل عنوان"عزلة التنوير بين العرب"فيه تحدثت عن عجز هؤلاء عن إسماع صوتهم، والجماهير عربية باتت مشدودة أكثر من أي وقت مضى إلى الفضائيات وإلى البرامج السخيفة . ثم أن خطاب التنوير بين العرب عادة ما يكون مبهماً وصعباً، فخطاب محمد أركون مثلاً لا يمكن للناس العاديين فهمه والاستفادة منه، وهذا ما يفسر غزو المسطحين والمشعوذين للفضاءات العربية، واستحواذهم على اهتمام الجماهير العريضة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.