ظن رقيب القوات الجوية الأمريكية انه قد ترك الأرض خلفه إلى السماء، وذلك بعدما أطاح به صاروخ موجه طائش يزن 2000 رطل عاليا في وسط سحابة من الغبار والحرارة، ولم يكن قادراً على الرؤية أو السماع، ووجد نفسه قد انتشل من معركة صاخبة مليئة بالأفغان المتنازعين إلى حالة من الهدوء والحذر والاظلام التام. قال مايك الذي رفضت الإدارة العسكرية ذكر بقية اسمه: «انه كان شعورا بالطفو وكأني قد انتشلت إلى الأعلى، وفقدت الشعور بالاحساس» وبعد ذلك هبط الرقيب مايك حياً داخل قلعة أفغانية قديمة في وسط جلبة من عناصر القاعدة وطالبان من المساجين المتمردين والمسلحين. كان ذلك في شهر نوفمبر الماضي، وذلك في أثناء محاولة استعادة جثة عنصر المخابرات سبان الذي قتل في أحداث الشغب داخل قلعة جانجي بالقرب من مزار الشريف، ومايك الرقيب في الجيش الأمريكي عضو في فرقة قتالية متخصصة، وهي إحدى فرق النخبة التي يعرفها القليلون، وتسمى «فرقة التحكم في المعارك».وإذا كانت الحرب في أفغانستان تتطلب مشاركة قتالية على الأرض من قوات العمليات الخاصة الأمريكية مع تغطية عن طريق القصف الجوي الدقيق من القوات الجوية فإن فرقة «التحكم في المعارك» هي التي تقوم بعملية الربط بين الفريقين، وهم يعتبرون من أفضل قوات المشاة الذين يقومون بأعمال التنسيق مع القوات الجوية.والآن وبعد عودته من رحلته القصيرة من أفغانستان يحكي لنا أول جنود فرقة التحكم في المعارك قصصهم عن حرب أفغانستان، فهم يقومون بعملية رصد الأهداف من على ظهور الخيل مستخدمين أجهزة كمبيوتر محمولة ونظارات تعمل بأشعة الليزر، ويقومون بعمل مزيج من حرب أفغانستان والتي تنتمي إلى القرن التاسع عشر مع أحدث التكنولوجيا العسكرية الأمريكية في طريقة لم تحدث من قبل. ويقول روبرت رانكين قائد مدرسة «التحكم في المعارك» في قاعدة بوب الجوية في نورث كارولينا: «لا أحد يستطيع الجمع بين معرفة الخرائط الأرضية والخرائط الجوية، ولذلك عندما تتأزم الأمور نقوم نحن بعملية التجميع بين هذه الخيوط كلها جنباً إلى جنب، فمهمتنا الرئيسية هي ان نعيد الانسجام بين أفراد القوات بعد حالة الفوضى».وتلك القوة الصغيرة العدد التي قوامها 400 جندي في الجيش كله لا يمكن الاستغناء عنها لدرجة ان القوات الجوية قد فرضت حالة «وقف التسريح» لتلك القوات، وذلك بمنع أي عنصر منهم من أن يسرحوا من الخدمة أو يتقدموا بطلبات التقاعد، وكخبراء في الإعداد لحالات الهبوط في المناطق النائية والانزال بالباراشوت، وتوجيه الطائرات العسكرية بالراديو والرادار، واستدعائهم للقوات الأرضية في حالة تأزم الأمور، فإن شعارهم هو «نكون أول من يحضر» في أرض المعركة، وفي افغانستان كانت تلك القوات في مقدمة طلائع الجيش التي وصلت خلف خطوط العدو، وقامت باختراق خطوطهم مع فريق العمليات الخاصة بعد أحداث سبتمبر بشهر واحد للبدء في عمليات رصد الأهداف لكي تسهل عملية تقدم المعارضة الشمالية. وكان من بين هؤلاء الذين يقومون بعملية الرصد الرقيب كالفين الذي أهبط في شمال كابول، وفي خلال 30 ساعة قام بعملية استدعاء أولى الضربات الجوية علي مواقع طالبان، وذلك طبقاً لتقرير القوات الجوية الذي صدر الشهر الماضي. وقد انبهر ضباط المعارضة الشمالية لدرجة انه في خضم قصف النيران مع قوات طالبان قام أحد ضباط المعارضة الشمالية بالتطويق على كالفين لكي يقوم بحمايته، وقال كالفين ان قائد المعارضة الشمالية قال: «لو حدث شيء لي لحل بديل مكاني، أما إذا حدث شيء لكالفين فإن الطائرات لن تستطيع القيام بعملية قصف الأهداف».وبعد ذلك استمر القصف على مدار اليوم، واستطاع كالفين ورفاقه ان يقوموا بتوجيه أكثر من 100 غارة بطائرات بي 52 وإف 18 والطائرات الحربية الأمريكية الأخرى، مما أدى إلى تدمير دفاعات طالبان، والاستيلاء على كابول في 25 يوماً فقط بعد ان كان قد حدد لها الخبراء العسكريون ستة أشهر. وكان أحد أسباب ذلك النجاح هو التوجيه الدقيق الذي قام به كالفن ورفاقه لمساعدة الطيارين الذين يحومون على ارتفاع عدة أميال من التوجيه الدقيق للقنابل الذكية، وقد ساعدت قوات هذا الفريق في التأكد من ان الطيارين يرون الأهداف الدقيقة وذلك عن طريق توجيههم بالمناظير والإشارة لهم نحو الأهداف بأجهزة تعمل بالليزر. وفي معركة مزار الشريف والمدن الأخرى، أخذ أفراد هذا الفريق أماكنهم فوق أعالي التلال، وقاموا باستخدام النظارات المكبرة التي تعمل بالليزر وذلك لتحديد الضربات بدقة والتي تزامنت مع هجوم المقاتلين الأفغان الموالين للولايات المتحدة، وقال دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي واصفاً معركة مزار الشريف: «كان التوقيت غاية في الدقة كما حدده الجنود بالضبط، ففي الوقت الذي تم فيه القصف وجدنا المئات من الأفغان يخرجون من بين الدخان على ظهر خيولهم هاربين». وقد بدأت ملحمة مايك في أفغانستان مبكرة في شهر نوفمبر، وذلك عندما قام فريق القوات الخاصة باختراق افغانستان على متن طائرة هيلكوبتر على بعد 30 ميلاً جنوب مزار الشريف لكي تقوم بعملية التنسيق مع قوات المعارضة الشمالية. وقال مايك: «في البداية مكثنا داخل الكهوف»، وفي النهار يعمل الأمريكيون على أرض المعركة مع القواد الأفغان، وفي أثناء الليل تنخفض الحرارة بصورة كبيرة، فكانوا يقومون بالنوم داخل أكياس للنوم داخل الكهوف، ثم بعد ذلك قامت مجموعة مايك بمشاركة القوات الأفغانية بعملية اقتحام أحد المعسكرات، واتجهوا للاستيلاء على سلسلة من القرى التي تحكمها طالبان التي تؤدي إلى مزار الشريف. وقال مايك ان النجاح في أرض المعركة قد يأتي بسهولة في بعض الأحيان، وذلك بأن يقوم أحد قادة المعارضة الشمالية بتسلق أحد التلال مع أفراد الفريق الأمريكي، ويشير إلى إحدى القرى التي يسيطر عليها طالبان في أسفل التل، فيقوم عنصر الفرقة بتوجيه الطائرات للقيام بدكها، وعندما يشعر قائد المعارضة الشمالية بأنه لم يبق شيء تستطيع ان تدمره الضربات الجوية يقوم باستدعاء قواته بالراديو الذين يأتون مسرعين على ظهور الخيل ويقومون بتصفية العناصر الباقية من طالبان.وقد ساعدت تلك السلسلة من الهزائم ان تسرع من عملية سقوط مزار الشريف، وقال مايك: «وطالبان كانت تعلم بمجيئنا بُعيد القصف، وكلما اقتربنا أكثر فإنهم كانوا يقفزون داخل سياراتهم ويهربون» وقد تحقق النصر في منتصف نوفمبر وذلك بعد الانسحاب العشوائي وغير المدروس من عناصر طالبان من المدن في الشمال بما في ذلك العاصمة كابول، ولكن بالنسبة لمايك كانت أشرس المعارك لم تأت بعد.